الرواية الأولى

نروي لتعرف

من اعماقي / د. امجد عمر

إليك سيدتي

د. امجد عمر محمد

هناك جملة بسيطة خرجت في الفلم المصري الكوميدي “الهنا اللي انا فيه”، لكنها حملت من العمق ما يتجاوز ضحكات السينما وخفة المواقف. كانت الجملة تدور حول الفارق بين امرأتين في حياة رجل واحد، لكنها في الحقيقة لم تكن عن امرأتين على الإطلاق بذهني، بل عن سؤال أبدي يلاحق كل علاقة: هل تريدين أن تكوني له “أماً” أم “أنثى”؟

هذا السؤال ليس اتهاماً، بل هو مرآة لحقيقة دقيقة. فبعض النساء يندفعن بحبهن الفطري إلى أن يصبحن للأزواج نسخة ثانية من الأم: تهتم بتفاصيل أكله ولباسه وصحته ومواعيده، تقلق عليه من كل خطوة، وتخاف أن تجرحه كلمة أو أن تصيبه هفوة. هي تفعل ذلك بدافع الحب، لكنه حب يأخذ شكل “الرعاية الأبوية”، حب يجعل الرجل أحياناً يشعر أنه طفل كبير يحتاج دائماً إلى من يوجهه. ومع الوقت، قد يفقد الرجل في هذه الصورة شيئاً من شغفه ودهشته، لأنه لا يريد أن يعيش حياته كلها تحت سلطة النصائح والتحذيرات والرقابة العاطفية، مهما كانت بحسن نية.
في المقابل، هناك صورة أخرى: صورة “الأنثى”. المرأة التي تدخل حياة الرجل لا كوصية أو رقيبة، بل كشريكة مغامرة. هي التي تملك أن تكون زوجة وحبيبة وصديقة، أن تشاركه جنونه قبل صمته، أن تضحك معه وتتمرد بجانبه، أن تدفعه إلى أن يرى في الحياة مساحة للتجربة لا مجرد جدول للواجبات. هذه الأنثى تُشعل فيه الرغبة وتمنحه الطاقة، تجعل نجاحه له طعماً مختلفاً لأنها شاركته التشجيع والفرح بنفس الروح التي شاركته فيها الضعف والانكسار.
لكن الحقيقة التي قد تغيب عن الكثيرين أن الرجل لا يبحث عن واحدة منهما فقط. لا الأم وحدها تكفيه، ولا الأنثى وحدها تُشبع روحه. إنما يبحث عن امرأة قادرة على أن تكون له كل ذلك في آنٍ واحد: الأم حين ينهار ويحتاج حضناً يعيد له توازنه، والأنثى حين يشتعل قلبه ويريد أن يحيا المعنى الكامل للشغف. يبحث عن صديقة يسمعها وتسمعه، وعن رفيقة درب تقف بجانبه لا خلفه ولا أمامه، بل معه في ذات الخطوة.
الرجل يريد أن يحبك على أشكال مختلفة، لا لأن قلبه مشتت، بل لأن قلبه واسع. يريد أن يرى فيك صورة الحبيبة التي تهيم به، والعاقلة التي ترشده، والمجنونة التي تكسر رتابة يومه، والرفيقة التي يجلس معها صامتاً ويشعر أنها تملأ المكان حضوراً رغم الصمت. يريدك أن تفهمي أن لحظات ثورته تحتاج منك نفس القدر من الاحتواء مثل لحظات انخماده. أن تصبري على مزاجه حين يغضب كما تفرحين باندفاعه حين ينجح. أن تكوني له المعادل الكامل، فلا يبحث عن أم بديلة، ولا يفتش عن أنثى أخرى.
إن الحيرة التي نتصورها بين “إيمان” و”فوزية” في الفيلم ليست حيرة بين امرأتين مختلفتين، وإنما انعكاس لصراع داخلي يعيشه معظم الرجال: صراع بين حاجته الدائمة إلى الأمان، وبين توقه المستمر للشغف. الرجل حين يجد امرأة قادرة على أن تمنحه الاثنين، لا يتردد لحظة ولا ينظر خلفه.
الرسالة واضحة: لا تجعلي نفسك سجينة دور واحد في حياته، ولا تكتفي بأن تكوني إما أماً أو أنثى. كوني الاثنتين معاً، وزيدي عليهما ما يليق بروحك. كوني صديقته التي يبوح لها بأسراره دون خوف، وصاحبته التي يشاركها مغامراته دون قيود، وملاذه الذي يعود إليه حين يخذله العالم.
في النهاية، الحب ليس في أن تختاري له دوراً محدداً وتؤديه بإتقان، بل في أن تكوني له الحياة بكل وجوهها. أن تكوني له الأمان والشغف معاً، العاقلة والمجنونة، الصامتة والثرثارة، الحبيبة والأم. هناك فقط لن يتساءل: “هل أحتاج إلى غيرها؟”، لأنه ببساطة سيجدك كل ما يشده بك.

اترك رد

error: Content is protected !!