إثيوبيا تسعى لتقسيم الصومال وضم أراضيه
حكومة أبي أحمد تدوس على ميثاق الاتحاد الإفريقي وتصر على تفجير المنطقة
تقرير يكتبه : خالد محمد علي
تتجه الحكومة الإثيوبية إلى تحويل منطقة القرن الإفريقي إلى بؤرة صراع عسكري، واقتصادي، واجتماعي، موسعة، وتصر عبر مواقفها المتعنتة بادعاء القوة وسيطرة الغرور على رؤوس صناع القرار فيها على عدم التراجع عن خطتها لإشعال المنطقة وتقسيم دولها والسيطرة على مواردها، وهي بذلك تتلبسها عقلية استعمارية وكأنها دولة كبرى.
وجاء الرد المتعالي على إرسال مصر قوات إلى الصومال ليعكس تصلبًا استعماريًا وإصرارًا على تفجير المنطقة.
بيان غاضب
وفي بيان شديد اللهجة، أعربت إثيوبيا، عن غضبها من إرسال مصر لقوات تشارك في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال. وأكدت في بيانها أنها “تراقب عن كثب التطورات في منطقة القرن الأفريقي التي قد تشكل تهديداً لأمنها القومي”. كما أعربت عن مخاوفها من تحول بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال إلى “بعثة جديدة تحت مسمى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال”، وزعمت أن هذه التطورات قد تدفع المنطقة نحو “مستقبل غير واضح”.
ونوهت أديس أبابا إلى أن تحذيراتها والدول الأخرى المشاركة في البعثة الدولية لم تؤخذ على محمل الجد، وزادت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ أطراف أخرى إجراءات تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة.
واتهم البيان حكومة الصومال بأنها تتعاون مع أطراف خارجية تهدف إلى إشاعة التوتر في المنطقة.
وفي إشارة واضحة إلى مصر، جاء البيان عقب وصول قوات وأسلحة مصرية إلى العاصمة مقديشيو للمرة الأولى منذ أربعين عامًا.
تحدى إثيوبي
وفيما وصف بأنه استمرارًا لنهج التحدي والغرور الذي تتبعه حكومة أبي أحمد، سارعت أديس أبابا بتعيين سفيرًا لها في مقاطعة أرض الصومال الانفصالية على الرغم من عدم اعترافها رسميًا لاستقلال هذا الكيان الانفصلي. فقد أعلنت إثيوبيا أن موسى بيهي عبده، رئيس أرض الصومال، تسلم أوراق اعتماد “تيشومي شوندي هاميتو” السفير الإثيوبي الجديد الذي تم تعيينه مؤخرًا في الإقليم، في خطوة تزيد التوتر بين الدول الثلاثة مصر والصومال وإثيوبيا.
كما عقد رئيس إقليم أرض الصومال اجتماعا على الفور مع السفير الإثيوبي ناقش فيه القضايا الأمنية في منطقة القرن الإفريقي، وتعزيز العلاقات والتعاون المستقبلي بين البلدين.
وعقب اللقاء أصدرت حكومة أرض الصومال بيانا صعدت فيه ضد مصر، وانتقدت إرسال قوات مصرية إلى دولة الصومال.
وأوضح البيان أن حكومة أرض الصومال تعترض بشدة على الانتشار الأخير للقوات العسكرية المصرية في الصومال، مضيفة أن الافتقار إلى التقييم أو الاعتبار لاستقرار وأمن الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بأكملها أمر مثير للقلق.
وزعم أن هذا التطور سيؤدي إلى تفاقم السلام الهش الذي تم إنشاؤه بشق الأنفس على مر السنين، وأن إدخال قوات عسكرية إلى الصومال تحت أي ذريعة، يهدد بزعزعة استقرار المنطقة وتقويض جهود السلام وتصعيد التوترات التي قد يكون لها عواقب بعيدة المدى.
وفي هذا الاتجاه يرى المراقبون أن إثيوبيا تسعى من خلال الاتفاق وتعيين السفير إلى ضم هذا الجزء لإمبراطوريتها وليس لدفعها للاستقلال، وهو النهج الذي اعتادته إثيوبيا في قضم وابتلاع أراضي دول الجوار، وضمها لإثيوبيا مثلما حدث مع إقليم أوجادين الصومالي الذي ضمته إليها في سبعينيات القرن الماضي.
ويتوقع المراقبون أن يتم الإعلان قريبًا جدًا عن اتفاقًا بين حكومة الانفصاليين في أرض الصومال وحكومة أبي أحمد في أديس أبابا يتضمن ضم هذا الجزء الغالي والاستراتيجي من أرض الصومال إلى بلاد الحبشة، وهي الخطوة التي ستفجر بلا شك شرارة حرب إقليمية بين إثيوبيا ودول القرن الإفريقي ربما تستمر لعشرات السنين.
منع المياه عن مصر والسودان
واتهمت إثيوبيا الصومال بالتعاون مع “جهات فاعلة غير معلنة”، في إشارة ضمنية إلى مصر، لتحقيق أهداف قد تضر بأمن واستقرار القرن الإفريقي. جاء هذا الاتهام في ظل توتر العلاقات بين أديس أبابا والقاهرة بسبب الخلافات حول سد النهضة.
كما أُشير إلى تسريب معلومات عن تحركات عسكرية إثيوبية قرب الحدود الصومالية وإغلاق فتحات سد النهضة، مما دفع مصر للتوقف عن التفاوض.
ويرى الخبراء أن إثيوبيا تسعى للسيطرة على دول القرن والشرق الإفريقي، وهو مجال استراتيجي لمصر. كما أشارت التقارير إلى بناء إثيوبيا قاعدة عسكرية في إقليم صومالي لاند للبحث عن منفذ بحري والتحكم في مداخل باب المندب، مما يعزز من تأثيرها على الأمن القومي المصري والعربي.
ومع تصاعد التوترات، تتجه مصر نحو مرحلة جديدة في علاقاتها مع إثيوبيا، تتضمن إرسال قوات لدعم الصومال في إطار الدفاع العربي المشترك، مما يعكس قرارًا استراتيجيًا له تداعيات كبيرة على المنطقة.
طمـأنة مصرية
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي، قد أرسل رسالة طمأنة إلى إثيوبيا وكل دول الجوار، عقب توقيع اتفاق التعاون العسكري المشترك مع الصومال منتصف أغسطس الماضي. وقال السيسي: “رأينا اليوم التعاون العسكري، والاتفاق الذى جرى بين وزيري الدفاع في مصر والصومال”، مؤكدًا أن هذا الاتفاق يهدف إلى البناء والتنمية والتعمير، وإن مصر لا تتدخل أبدا في شؤون الدول، لأن ما يحكم مسارات سياسة بلاده هو احترام القانون الدولي وسيادة الدول.
وأضاف السيسي: “هذا ما نقوله فيما يخص الصومال، ومهم جدا، كدول الجوار ودول الإقليم ودول القرن الإفريقي، أن نحترم سيادة الدول، ونحافظ على استقلالها، وما يحكمنا هو التعاون فيما بيننا، وليس أكثر من ذلك”.
إشعال الأزمة
وأشعلت إثيوبيا منطقة القرن الإفريقي كلها عندما فاجأت العالم في يناير الماضي بتوقيع اتفاق لم يتوقعه أحد مع كيان صومالي انفصالي، وهو ما يسمى بجمهورية أرض الصومال التي لم يعترف أحدًا بها منذ إعلان استقلالها في العام 1991.
وتضمن هذا الاتفاق اقتطاع 20 كيلو متر من السواحل الصومالية على البحر الأحمر، وتسليمها لإثيوبيا، كي تستخدمها كمواني تجارية تخرجها من محبسها، وقاعدة عسكرية بحرية تمنحها نفوذًا موسعًا على السواحل العربية في البحر الأحمر، وبسط هيمنتها على خليج عدن، الممر المائي الأهم عالميًا.
ومقابل هذه المكاسب الكبرى لأثيوبيا لم تتلقى الجمهورية الإنفصالية في أرض الصومال إلا وعدًا بالاعتراف بها، وعوائد تصل إلى 20 % من عائدات خطوط الطيران الإثيوبية إلى ذلك الكيان الانفصالي.
وقد أثار الاتفاق في حينه غضبًا عارمًا بين جميع دول القرن الإفريقي ومصر، حيث قامت جمهورية الصومال على الفور بطرد السفير الإثيوبي من بلادها، واستدعاء ممثلها من أديس أبابا، وهددت جميع الشركات التي تعمل في منطقة الاتفاق بالمقاطعة والمقاضاة دوليًا.
ويرفض الصومال هذا الاتفاق بشدة؛ حيث يعتبر الصومال أن أرض الصومال جزء من أراضيه ولا يمكنها التفاوض على الاتفاقيات الدولية بشكل مستقل. وقد وصف رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، الصفقة مع إثيوبيا بأنها “عمل عدواني ضد سيادة الصومال وسلامة أراضيه” وتهديد مباشر لموارده البحرية، مشيراً إلى أن حكومته ستدافع عن حقوقها.
كما أثار الاتفاق غضب جمهورية جيبوتي التي تحصل على عوائد تقدر بمليار دولار سنويًا نتيجة استخدام إثيوبيا لموانئها.
وفيما اعتبرت القاهرة أن في الاتفاق تجاوزًا لكل المواثيق الدولية ومن بينها ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يرفض الاعتراف بالكيانات الانفصالية، ويرفض تقسيم دول القارة، وهو الاتحاد الذي تستضيف مقره أديس أبابا وتقوم بمخالفة ميثاقه الأساسي.
كما أن الاتفاق يخالف ميثاق الجامعة العربية التي تعد الصومال أحد أعضائها؛ لأنه يقسم البلاد، ويشرعن لانفصال أرض الصومال.
وتسعى إثيوبيا إلى استعادة الوصول إلى منفذ بحري استراتيجي على البحر الأحمر من خلال هذا الاتفاق الذي يتيح لها إمكانية الوصول إلى خليج عدن عبر منفذ بحري تستأجره لمدة 50 عاماً.
وتحقيق هذا الهدف يمثل أهمية استراتيجية لأديس أبابا التي فقدت منفذها البحري بعد استقلال إريتريا في عام 1993. ووصول إثيوبيا إلى مضيق باب المندب يؤثر على توازن القوى في المنطقة وخصوصاً فيما يتعلق بالتجارة العالمية عبر قناة السويس.
اتفاق عسكري تركي ـ صومالي
وكانت تركيا والصومال قد وقعتا اتفاقية تعاون عسكري واقتصادي، في فبراير الماضي، عقب شهر واحد من اتفاق إثيوبيا مع المقاطعة الانفصالية في أرض الصومال.
وتشمل “الاتفاقية الإطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي” التي تمتد لعشر سنوات مجموعة واسعة من مجالات التعاون الاستراتيجي بين البلدين. ومن أبرز هذه المجالات إدخال الموارد البحرية الصومالية في الاقتصاد الوطني وتخطيط وتنفيذ عمليات جوية وبرية وبحرية مشتركة عند الحاجة لحماية هذه الموارد.
كما تتضمن الاتفاقية بناء السفن وإنشاء وتشغيل الموانئ والمرافق البحرية، مع توحيد القوانين المتعلقة بالملاحة البحرية بين البلدين. وتشمل أيضًا اتخاذ تدابير فردية ومشتركة لمكافحة التهديدات البحرية مثل الإرهاب، والقرصنة، والنهب، والصيد غير القانوني، والتهريب.
إضافة إلى ذلك، تشمل الاتفاقية بناء منشآت أمنية مشتركة وتقديم الدعم التدريبي والتقني والمعدات للجيش الصومالي، فضلاً عن تطوير وتحديث القوة البحرية وإنشاء وإدارة منشآت أمنية ساحلية. وتعمل الاتفاقية أيضًا على منع التلوث البحري، وتمنح الشركات التي تعمل في هذه المجالات الموافقة من تركيا، إلى جانب فتح المجال الجوي الصومالي والمناطق الأمنية أمام أنقرة.
ويوصف هذا الاتفاق بأنه محاولة صومالية جادة لإنقاذ البلاد من المطامع الإثيوبية، وخاصة اختطاف واحتلال السواحل الصومالية التي تتربص بها بلاد الحبشة منذ اختناقها في محبسها بعد قطع كل المنافذ البحرية عن البلاد باستقلال إريتريا عام 1993.
ويجمع الخبراء العسكريون المصريين في شهادتهم المتلفزة والمقروءة على أنه لا يوجد تعارض بين الاتفاقين المصري والتركي مع الصومال؛ لأن كلاهما يدعم الدولة التي تتعرض لهجمات من الحركات المسلحة في الداخل، وتحاول إثيوبيا اغتنام الفرصة لاقتطاع وابتلع مزيدًا من أراضيها مستغلة في ذلك ضعف الجيش السوداني، وعدم وجود داعمين حقيقيين لوحدة الصومال، والحفاظ على مؤسساتها، وخاصة العسكرية والأمنية الفاعلة في مواجهة أطناع الخارج.
مصالحة حتمية
قد يكون التصعيد العسكري الاثيوبي المصري طريقًا للعودة من حافة الهاوية التي تدفع إليها حكومة أبي أحمد المنطقة، حيث يمكن أن يستعيد صناع القرار في أديس أبابا عقولهم وتفتح الجسور للوساطات الإقليمية والدولية لوضع اتفاق شامل في منطقة القرن الإفريقي يتضمن تحقيق مصالح جميع دول المنطقة، وعدم اقتصارها فقط على إثيوبيا.
ويجمع المراقبون على أن أي اتفاق للمصالحة مع إثيوبيا لا يمكن أن يتم ويصبح شاملًا ومستمرًا دون اعتراف قانوني وملزم من طرف الدولة الإثيوبية لحقوق مصر والسودان في الوصول الآمن إلى احتياجاتهم المائية والشراكة في مشروعات تنموية كبرى تعود على دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي بالنفع العام.
كما أن محاولات إثيوبيا لتحدي القوانين الدولية والإصرار على التدخل في دول الجوار، ومحاولة تقسيمها، وضم أجزاء لأراضيها لابد أن ينتهي وتتراجع عنه أديس أبابا امتثالًا لهذه القوانين في إطار اتفاق شامل تحت إشراف دولي وبشهود منظمة الأمم المتحدة.
ويبقى أمام صانع القرار الإثيوبي مسارين إثنين فقط، أحدهما الامتثال للشرعية الدولية، وعقد اتفاقات تنهي جميع الصراعات والنزاعات في المنطقة لدخول عصر التنمية والنهضة الجماعية، وتحقيق الرفاهية والسعادة لشعبها، والمسار الثاني هو إصرارها على مواقفها المناهضة للشرعية الدولية ولدول المنطقة ومن ثم الدخول في صدامات عسكرية واقتصادية تدخل الشعب الإثيوبي في محرقة حرب لن تنتهي قبل قتل الملايين من الشعب الإثيوبي، ومن شعوب المنطقة.