الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

وكالة ” شينخوا” الصينية تورد تقريرا من الخرطوم : أسواق مؤقتة تبث الأمل وتعيد الحياة للعاصمة السودانية

_______

الخرطوم 12 أكتوبر 2025 (شينخوا) في الأحياء الطرفية بمدن الخرطوم الثلاث، نصب تجار سودانيون طاولات خشبية بسيطة، وخياما من القماش، وأكشاكا من بقايا حديد وخشب لعرض السلع والبضائع لتظهر في العاصمة “أسواق مؤقتة” بديلة عن الأسواق الرئيسية التي دمرتها الحرب المتواصلة منذ عامين ونصف العام.

وخلال الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعرضت الأسواق الرئيسية في العاصمة السودانية، ومن أبرزها سوق أم درمان الكبير، والسوق العربي بمدينة الخرطوم، وسوق سعد قشرة بالخرطوم بحري، لتدمير واسع، ما دفع التجار للانتقال إلى أطراف المدينة، لإقامة “أسواق الظل” أو “أسواق الأمل” كما يصفها السودانيون.

وتشهد هذه الأسواق، التي تعمل بلا كهرباء أو مخازن أو ميزان موثوق، انتعاشا كبيرا، حيث تتولى لجان أهلية مهمة إدارتها وتنظيمها.

ولا يتوفر إحصاء دقيق لعدد هذه الأسواق أو حجم التجارة فيها.

وفي منطقة جنوب الخرطوم، يعتمد نحو 70% من سكان المنطقة على سوق مؤقت لتلبية الاحتياجات الأساسية.

وقال السوداني عبد الرحمن الطيب، وهو أحد مسؤولي اللجنة الأهلية لإدارة السوق المؤقت بجنوب الخرطوم، لوكالة أنباء ((شينخوا)) “بعد الدمار الذي طال الأسواق الرئيسية بالمنطقة، خاصة السوق المركزي، وجدنا أنفسنا أمام فراغ اقتصادي كامل، ولم يكن أمام التجار والمواطنين سوى البحث عن بديل قريب وآمن”.

وأضاف الطيب “أن فكرة هذه الأسواق بدأت بمبادرة أهلية خالصة، واعتمدنا على نظام اللجان الأهلية لتتولى مسؤولية الإدارة والتنظيم، النظافة، وتوزيع المواقع”.

وتابع “لدينا تواصل وتنسيق مع الجهات الرسمية التي تمثلها محلية جنوب الحزام”، مؤكدا أن السوق المؤقت بجنوب الخرطوم يحظى بإقبال كبير.

وأوضح الطيب “يمكن القول إن 70 بالمائة من سكان جنوب الخرطوم يعتمدون الآن على هذا السوق لتلبية احتياجاتهم اليومية”.

وتعمل السلطات الحكومية في الوقت الحالي على إعادة تأهيل السوق المركزي، وهو السوق الرئيسي لجنوب الخرطوم، بعدما تعرض لتدمير وتخريب طال أبرز محلاته التجارية.

وفي مدينة الخرطوم بحري، مازال سوق “سعد قشرة” مغلقا بعد تعرضه للتخريب واحتراق معظم المحلات التجارية، فيما بدأ سوق “أم درمان الكبير”، وهو أكبر سوق تاريخي في السودان، يعود تدريجيا لاستئناف نشاطه التجاري.

وفي 21 مارس الماضي أعلن الجيش السوداني استعادة السيطرة على القصر الجمهوري وسط العاصمة بعد معارك مع قوات الدعم السريع قبل شهرين من إعلانه اكتمال “تطهير” ولاية الخرطوم وسط البلاد وخلوها “تماما” من قوات الدعم السريع.

وترى السودانية أمينة محمد، وهي أرملة وأم لخمسة أطفال، في السوق المؤقت بجنوب الخرطوم “أكثر من مجرد مصدر رزق”.

وقالت “هذا السوق ليس مجرد مكان للبيع، بل مركز حياة اقتصادية صغيرة، النساء يفترشن الأرض لبيع الخضار والفواكه والبهارات، بينما يوزع الشباب المناديل وعبوات المياه على المارة، والأطفال يشاركون في البيع أحيانا”.

ويحاول التجار من خلال الأسواق المؤقتة استعادة النشاط التجاري في العاصمة، وفق التاجر جاد الله أحمد سليمان.

وقال سليمان لـ ((شينخوا)) “خسرت كل شيء، لكن لا يمكنني أن أجلس مكتوف اليدين، فمن هذه الطاولات المهترئة سنبدأ حياتنا من جديد”.

فيما قال تاجر الخضر والفاكهة محمد أحمد بشير “إن كل قطعة خضار أبيعها، وكل جنيه أكسبه، يمنحني شعورا أني ما زلت أملك شيئا في هذه المدينة التي فقدت كل شيء فيها”.

وأضاف “هذا السوق أعاد لي شيئا كنت أفتقده منذ اندلاع الحرب، إنه شعور الانتماء، فرغم الخراب الذي حل بالخرطوم، نحن نعيش مرة أخرى”.

وفي زاوية أخرى من السوق المؤقت بجنوب الخرطوم، يعمل الطالب الجامعي محمد عمر أبكر، بدوامٍ جزئي في بيع العصائر والمياه الباردة.

ويعتبر أبكر أن هذا السوق لم يعد مكانا للبيع بل “مدرسة للحياة”، حيث يتعاون الجميع لتقاسم ما تبقى من موارد ولإحياء الأمل من جديد.

وتابع الطالب الجامعي “هذه تجربة تعلمت منها كيف يمكن إعادة البناء خطوة بخطوة، وكيف يكون العمل الجماعي أهم من أي راتب”.

وباتت الأسواق المؤقتة بالخرطوم تمثل ما يعرف بـ”اقتصاد الضرورة”، وفق الخبير الاقتصادي السوداني عبد الخالق محجوب.

وقال محجوب “إن هذه الأسواق المؤقتة تمثل أساليب بديلة للبقاء على قيد الحياة وسط انهيار السوق الرسمي، وهي أيضا بوابة لإعادة النشاط التجاري تدريجيا، إذ يبدأ التجار بإعادة تشكيل شبكاتهم، والاتفاق على الأسعار، وتنظيم البيع والشراء بشكل أكثر انتظاما”.

وأضاف “الأسواق المؤقتة هي جزء من جهود أوسع لإعادة الحياة إلى الخرطوم، فهي تساعد على إعادة تدوير البضائع والخدمات الاقتصادية الصغيرة، وتوفير فرص عمل مؤقتة للأسر التي فقدت مصادر دخلها”.

بينما يري الناشط الاجتماعي حسن علي، أن هذه الأسواق تجربة صغيرة لاختبار قدرة المجتمع علي الصمود والتعاون.

وقال علي لـ((شينخوا)) أن هذه الأسواق “قد تكون مؤقتة في شكلها، لكنها دائمة في معناها، فهي تجسيد لإصرار الناس على استعادة إيقاع الحياة، وإعادة تعريف الأمل في مدينة تتعلم من جديد كيف تبني مستقبلها”.

وتابع “إذا صمد الناس هنا، ستنهض المدينة بأكملها لاحقا، هذه الأسواق باتت الآن نموذج حي للتعافي”.

ويجسد الستيني الحاج عمر، الذي فقد متجرا كبيرا في السوق العربي بعدما التهمته النيران في أيام الحرب الأولى، صمود السودانيين، إذ يفرش بضاعته فوق طاولة خشبية صغيرة صنعها بنفس.

وقال الحاج عمر وهو يجلس تحت مظلة من القماش البالي، بابتسامة يشوبها التعب “المال مهم، لكن الأهم أن أشعر أني ما زلت أساهم في حياتي وحياة أسرتي”.

وأضاف الرجل “كل حزمة بصل أبيعها، وكل زبون يمرّ، يعني لي انتصارا صغيرا على الخراب، السوق هو بيتي الثاني، فصوت الموازين ونداءات الباعة تؤكد لنا أن الخرطوم تنهض من جديد”. 

اترك رد

error: Content is protected !!