✍مكي المغربي
عندما كنت أبدي إعجابي بالنور حمد وأردد أنه لو اختير وزير دولة بالخارجية وتولى ملف علاقات السودان مع القارة السمراء فإنني أرى أنه الرجل المناسب في المكان المناسب كان هنالك من الإسلاميين من ينتقدني أنني أمتدح رجلا جمهوريا، ويضربون مثالا بالقراي ويعممون النظرة على كل الجمهوريين، وعندما أعود وأؤكد أن النور وان كان يشارك الجمهوريين في نقد الإسلاميين إلا أنه مستقل ومتقدم علي الجمهوريين وعلى كثير من المفكرين في جوانب عديدة، وهنا أيضا يرى البعض أنني أبالغ، ولكن عندما جهر النور حمد برأيه عن تصوره للعلاقة مع الإسلاميين وانتقد “التكفير اليساروي” الذي يريد أن يلغى وجود الإسلاميين بإجراءات الدولة وسيفشل .. صار الإسلاميون ودعاة المصالحة هم من يروجون لآراء النور حمد الذي عابوا علي الاعجاب به يوما ما.
القراي قطعا هو أكثر من سبب ضررا للجمهوريين في تاريخهم وتسبب في تجديد القطيعة بينهم وبين عامة السودانيين وضرب فرص انتشارهم الجماهيري تماما .. وتلك قصة أخرى.
بصورة عامة، رأيي – ولا يزال – أن التصنيف الفكري والسياسي في تولي العمل التنفيذي في هذا الظرف الحرج لا محل له من الاعراب، إذ قد يوجد “علماني قح” ولكنه أصدق في ايمانه بالحريات والعدالة من آخر رافض للعلمانية لكنه متشنج سياسيا ضد خصومه لدرجة تجعله يفكر فيهم أكثر من نجاحه في واجبه تجاه الشعب السوداني، بل قد يكون هنالك اتحادي ديموقراطي.. ولا هو اتحادي ولا هو ديموقراطي.. ودونكم الدليل في قصة “الشريف الرضي” و “هدم سد مروي” ومثل تلك التصريحات التي ستدرس يوما ما في علوم السياسية ضمن نماذج الانحطاط السياسي!
المرحلة الانتقالية تحتاج الى اعتدال وتوازن وكفاءة تنفيذية في الموقع التنفيذي وكفاءة سياسية في الموقع السياسي.
وصفات أخرى .. في المنصب الولائي ومعايير أخرى في الدبلوماسية وغيرها في التخطيط وغيرها في التفاوض.
وهذه المعايير في كل حالة قد تنطبق على اتحادي، أمة، جمهوري، اسلامي، يساري، رأسمالي، بشرط واحد أنه لا يتخذ من الموقع أداة لفرض فكره أو توظيف منسوبيه أخيارا كانوا أم أشرارا.
نعود مرة أخرى للقراي الذي ارهق الدنيا والعالمين .. هل فشل لانه جمهوري .. ابدا .. أصلا مؤسس المناهج خواجة انجليزي وهو مستر قرفيث.. ولكنه لم يفرض دينه ولا ثقافته على مناهج السودان، لم يحذف الفتوحات الإسلامية ويضع مكانها الحروب الصليبية، لم يجلس في مؤتمرات صحافية ليقول أن الاستعمار الانجليزي خلص السودان من دولة المهدية ولم ولم.
المأساة ليست في الانتماء ولكنها تحدث عندما يفرض المنتمي فكره ويرفض التصالح مع غيره ويلجأ لسلطة الدولة وقبضتها وإجراءاتها في تصفية خصومه الفكريين .. وبذلك يفشل ولو كان ختميا يقرأ البراق كل يوم لانه سيفرض موقف الختمية من الامام المهدي .. وهكذا.