الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

وزارة الحرب و التربية و التعليم

محمد الحاج

في ظل ما يشهده السودان من تحديات وجودية، تتصدر القوات المسلحة المشهد الوطني في مواجهة مليشيات الجنجويد الإرهابية، مدعومة بتضحيات رجالها وبسالة مواقفها. وقد تجلت في الأيام الأخيرة صور مشرقة من التكاتف الشعبي، تمثلت في التبرعات السخية التي قدمها عدد من رجال الأعمال الوطنيين دعماً لمتحركات “خلاص الفاشر”. هذا الدعم يعكس إدراكًا عميقًا بأن الدفاع عن الوطن مسؤولية جماعية، تتجاوز حدود الميدان العسكري لتشمل كل من يؤمن بوحدة السودان وسلامة أراضيه.

ومع ذلك، فإن هذه اللحظة تستدعي تأملًا أعمق في جذور الأزمة. فالحرب التي اندلعت ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات من الجهل والتهميش، سمحت لفئات من المجتمع بأن تُستغل وتُدفع نحو تدمير وطنها بأيديها، بل وبمساعدة مرتزقة أجنبية. إن غياب الوعي، وتفشي الأمية، وانعدام فرص التعليم، هي عوامل أساسية ساهمت في اتساع دائرة النزاع، وأوجدت بيئة خصبة لتغذية الفتن والانقسامات.

من هنا، يبرز سؤال جوهري لا بد أن يُطرح على طاولة الحكومة، وعلى رأسها رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس: كيف يمكن للسودان أن يتفادى تكرار هذه الحرب في أي منطقة أخرى؟ وهل من الحكمة أن تُوجه التبرعات فقط نحو دعم الآليات العسكرية، بينما يمكن أن تُستثمر في بناء المدارس، وصيانة ما تهدم منها، وتوفير بيئة تعليمية تليق بأبناء هذا الشعب العظيم؟ إن تحويل جزء من هذه الموارد نحو التعليم ليس تقليلاً من شأن القوات المسلحة، بل هو تعزيز لأمن الوطن من جذوره، فالمؤسسة العسكرية قادرة على تأمين احتياجاتها، لكن التعليم يحتاج إلى دعم مستمر وإرادة سياسية جادة.

إن الجهل هو العدو الأول، والتعليم هو السلاح الأقوى لمحاربته. فالقلم لا يقل أهمية عن البندقية، بل يتفوق عليها حين يتعلق الأمر ببناء الإنسان، وتحصينه ضد التطرف، وتمكينه من أداء دوره الوطني بوعي ومسؤولية. من هذا المنطلق، تنبع فكرة “وزارة الحرب والتعليم” كمفهوم رمزي يجمع بين الدفاع عن الأرض والدفاع عن العقل، ويعكس إدراكًا بأن المعركة الحقيقية لا تُخاض فقط في الميدان، بل في الفصول الدراسية، وفي المناهج، وفي عقل الطفل السوداني.

إن إعادة بناء السودان تتطلب رؤية جديدة تضع التعليم في صدارة الأولويات، لا كمجرد قطاع إداري، بل كمشروع وطني جامع. يجب أن يُعاد تأهيل المدارس، وتدريب المعلمين، وتحديث المناهج لتغرس قيم المواطنة والسلام، وتُدمج التكنولوجيا في العملية التعليمية لتقليص الفجوة بين المركز والهامش. كما ينبغي أن يُعاد الاعتبار للتعليم الفني والمهني، ليكون بوابة للشباب نحو سوق العمل، لا مجرد خيار اضطراري.

السودان لن ينهض بالبندقية وحدها، بل بالكتاب الذي يفتح الأفق، ويزرع الأمل، ويصنع الإنسان القادر على البناء لا الهدم. إن وزارة الحرب والتعليم ليست مجرد فكرة، بل دعوة لإعادة ترتيب الأولويات، وتوحيد الجهود نحو بناء وطن لا يُخترق من الخارج، ولا ينهار من الداخل. فالوطن الذي يُحصن بالعقل، لا يُهزم بالسلاح.


٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!