(1)
في أوائل الإنقاذ ١٩٨٩م، أنتشر بين الصحفيين والإعلامية منشور تهديدي ، يحذر الحكومة الوليدة من بعض سياساتها وينذر بعواقب وخيمة ما لم تتراجع الحكومة عن توجهاتها ومن ذلك الحصار والعقوبات والضغوط وقطع المعونات، وقد شاع على نحو واسع ان المنشور صادر عن السفارة الأمريكية، وقد انكرت السفارة في ذلك الوقت، ولكن الواقع يشير إلي أن كل ذلك تحقق.. فقد حوربت الحكومة الوليدة وحوصرت.. وتم إعادة سفن المساعدات من ميناء بورتسودان وتم توجيهها إلى الصومال.. فقد كان السودان وأمثاله محظور عليهم إتخاذ قرار مستقل وإرادة مستقلة وفعل مستقل.. فهل كانت حكومة قوى الحرية والتغيير كذلك؟.. وهل وردت حقائق مجردة في ورشة تقييم الفترة الانتقالية..
لقد جعلت الحكومة كل همها إرضاء الغرب وتنفيذ سياسات مريبة، والتسابق لذلك لدرجة ان راس الدولة (السيادي) وراس الجهاز التنفيذي (الحكومة)، كانت زياراتهما لبعض الدول سوياً أو كل واحد يتبع أثر آخر بالتحسس أو مسح الأثر..
و لدرجة ان موازنة السودان في العام ٢٠٢٠م لم تجاز لان ٥٦٪ منها منتظرة من وعود لم تأت اصلاً..
و لدرجة اننا فوجئنا ذات صباح اول يناير ٢٠٢٠م ان رئيس وزراء البلاد قدم طلباً للأمم المتحدة يطلب ما يشبه (الوصاية الدولية).. ولو تدخل مجلس الأمن والدفاع الوطنى لاصبحنا مستعمرة حديثة، ومع ذلك فإن آثار ذلك الطلب باقية وتنذر بخطر كبير.. فهل هذا موقف إستقلالية القرار الوطني وعلاقات متوازنة؟ هذا عار يلاحق قحت على مر التاريخ؟
وما زالت قوى الحرية والتغيير تراهن على الخارج، وادخلت البلاد في معادلات معقدة، بسبب سياسات رعناء وطائشة..
(2)
في يوم ١٠ ديسمبر ٢٠٢٠م أقر الكونغرس الأمريكي وبمسايرة من بعض نشطاء قوي الحرية والتغيير قانون (الإنتقال الديمقراطي والمساءلة والمحاسبة والشفافية المالية ٢٠٢٠م)، وهو احد نتائج حملات (تقديم القرابين) في إرضاء بعض القوى الخارجية الساعية لتفكيك السودان واحد صميم ركائزه القوات المسلحة، والقانون في غالبه يركز عليها..
وهو جزء لا ينفصل عن حملة (كنداكة جاء وبوليس جري) و (معليش معليش ما عندنا جيش).. وفي نفس الوقت لإعلاء قيمة الحركات المتمردة وإضفاء الوطنية عليها..
وفي ذات السياق حل النقابات ومصادرة دورها، والمؤسسات الإجتماعية الكبرى وزعزعة البنية الإجتماعية.. وتبديد قيم السماحة بين أبناء الوطن وإشاعة خطاب الكراهية والإقصاء للاخرين، وقد أصدرت لجنة التمكين تعميماً في ٧ فبراير ٢٠٢١م بفتح بلاغات تحت مواد جنائية وغسيل أموال وإرهاب في مواجهة كافة رموز المؤتمر الوطني وقياداته وواجهاته بالمركز والولايات.. واعتقل الالاف من بينهم أطفال أحدهم لم يتجاوز ١١ عاماً.. لم يكن مجرد مواقف وخلافات سياسية وإنما أجندة متهورة..
(3)
في يوم ٢٥ يوليو ٢٠٢١م أصدر رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك قراراً بتعيين مستشارين منهم ياسر عرمان وعلى كرار للحكومة وحسان نصرالله للسلام و عائشة حمد محمد مستشاراً لشؤون النوع الاجتماعي، جاء ذلك بعد حملة على جمعية القرآن الكريم ومصادرة ممتلكاتها، وبعد حل منظمة الدعوة الإسلامية وإلغاء بعض المدارس القرآنية، وحملة واسعة على مظاهر التدين في البلاد، لدرجة عدم إستصحاب رأي هيئة العلماء في لجنة تعديل قانون الأحوال الشخصية، ناهيك عن قرارات إباحة الخمر والمسكرات.. تلك مظاهر وخطوات لتفتيت البنية القيمية للمجتمع.. دون أن (تتلعثم) قوي دينية مثل حزب الأمة القومي، فقد تم تقليم أظافر البعض..
وفي المقابل تشجيع حركات وجماعات مثل الجمهوريين وعقد مؤتمر متخصص وبمشاركة عالمية وتمويل بذخي.. لم يكن الأمر مجرد حالة وإنما خطة منهجية..
(4)
أشتعلت النزاعات في دارفور ولم تحرك الحكومة ساكناً وسقط عشرات الضحايا وحدثت صدامات مجتمعية فى بورتسودان و مات العشرات ولم تظهر جماعات المتاجرة بالدماء، وتفاقمت الأوضاع في كسلا وجنوب دارفور، ولم نسمع للحكومة حساً، فقد تم تعيين الولاة دون مراعاة للخبرة والكفاءة وطبيعة التكوين المجتمعي..
بل تحولت الخرطوم لساحة من إنعدام الأمن والطمأنينة والسلامة، تلك ايام قحت المأساوية..
ولم ترد كل هذه الوقائع في ورشة تقييم الفترة الانتقالية، مع ان رئيس الوزراء مسوؤل عن الشرطة ورشح مديرها..
(5)
تشير الأرقام والإحصاءات، إلى أن السودان تحول إلى جحيم في أيام قوي الحرية والتغيير..
وفي تقرير تكاليف المعيشة للعام 2021م، أشارت مؤسسة “cost of living”، أن الخرطوم من العواصم ذات التكاليف العالية للعيش، وأوردت أن تكلفة أسرة مكونة من أربعة أشخاص (دون إيجارات) تصل إلى 1963 دولار شهرياً، ومع قياس الإيجارات المساكن وللمواصلات فإن الخرطوم يصعب العيش فيها.
وآخر التقارير الدولية تشير إلى أن السودان أكثر البلدان الأفريقية في نسبة التضخم الاقتصادي (٤٢٤ )، وقد تجاوزنا زيمبابوي (250 ٪)، وتجاوزنا كذلك أكثر البلدان العربية تضخماً؛ لبنان (224 ٪) وسوريا (139 ٪).
وفي تقرير مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية العالمية للعام 2021م، حل السودان في المركز 164 من أصل 180 دولة، تتذيلها دولة جنوب السودان. ومن الدول العربية، حل لبنان في المركز 154، والعراق في المركز 157، وليبيا في المركز 172، واليمن في المركز 174، والصومال وسوريا في المركز 178، وهذه القياسات تتم من خلال قراءة موضوعية لأداء المؤسسات في الدولة وسلامة الأداء والالتزام بالمعايير المحاسبية والمالية وسيادة حكم القانون.. تلك أسوأ تجربة حكم في بلادنا..تفكيك وتفتيت وإفقار.. ذاك حصادكم..