
أما الشاعر فهو عبدالله عبد الرحمن الأمين الضرير( ١٨٩٠ – ١٩٦٤) ، خريج مدرسة العرفاء” المعلمين” بكلية غردون وصاحب :
- كتاب : (العربية في السودان) .
- ديوان : (الفجر الصادق).
- (ديوان العروبة ) .
وأما ” ابولو” فهي المجلة المصرية التي كان يصدرها الدكتور أحمد زكي ابو شادي ( ١٨٩٢ – ١٩٥٥) وذلك في الفترة من عام ١٩٣٢ الي العام ١٩٣٤.
وبما ان “ابولو” كانت منبرا لما يعرف بشعر التجديد أو الشعر الحديث المتحرر من قوافي وموضوعات الشعر التقليدي، فقد كان نشر قصيدة لشاعر من شعراء المدرسة الشعرية التقليدية ، يعتبر اقتحاما لخصوصية هذه المجلة واختبارا لأهدافها المعلنة في عددها الاول
الصادر في ١ سبتمبر من عام ١٩٣٢ . فقد جاء في كلمتها الافتتاحية بقلم ابي شادي انها تنبه الي الحاجة للنهوض بالشعر العربي الذي تسامي وانحط في آن..تسامي حين تأثر بالحضارة ونزعاتها الإنسانية وروحها الفنية..وانحطً بما أصاب معظم رجاله من عزوف عن الانتاج الفني الذي يطالبهم بالحهد والتدبًُر ، ولذلك جاءت هذه المجلة لتتغني بذكريات الميثيلوجيا الإغريقية المتمثلة بالإله “ابولو” رب الشمس والشعر والموسيقي والنبوة التي اصبحت عالمية ، وبكل مايسمو بجمال الشعر العربي ونفوس شعرائه.
وبرغم ماجاء في هذه الكلمة الافتتاحية من آراء وافكار تتعارض مع ثقافة شاعرنا عبدالله عبدالرحمن وتوجهاته واساليب البناء الشعري في قصائده ، إلا انه آثر ان يرسل – من ود مدني – قصيدة من أربعة وثلاثين بيتا عنوانها : (ملجأ القرش ) ، فنشرتها “ابولو” في عددها التالي الصادر بتاريخ ١ اكتوبر، وقد استهلًها بقوله :
أبي الخًطب إلا أن تنام
غِرارا.
وتْدري دموعا ما تكفٌ
غِزارا.
وختمها بقوله :
رعي الله شعبا ارّقته
ضعافه ،
فقام إلي إسعافهم يتباري.
غير ان الطريف في الامر أن ابا شادي قدٌم القصيدة بما يشبه مقولة السودانيين الشهيرة : (يفلق ويداوي). فقد قال بصريح النص مايلي :
” نشرنا هذه القصيدة لصديقنا الأديب اللغوي والشاعر المطبوع لأنها مثال بارز للنظم الكلاسيكي القديم حتي كأنها من شعر رؤبة بن العجاج لولا انها تتناول موضوعا إجتماعيا عصريا. والملحوظ أن عددا من أعلام شعرائنا بفطرته وبحكم ثقافته ايضا ، لا يحتاج إلي غير النظم ذي القافية الواحدة ولا يستطيب سواها. وهو يفعل ذلك عن سابقة لا من محاكاة . وقد اتقن هذا الضرب من النظم ايما إتقان بحيث يستطيع بسهولة ان يمزج ألفاظه بمعانيه واخيلته مزجا فنيا موسيقيا رائعا”.
ثم يستدرك – بعد ذلك – فيقول :
“ومهمتنا الدعوة للتجديد ومحاربة الدجل اللفظي والصناعة اللفظية والقضاء علي تسخير الشعر لأعراض الحياة وقشورها ولكن هذا لا يجيز لنا الحجر علي إنتاج اؤليك الشعراء الممتازين إذا كانت طبائعهم لا تجاوب بينها والأساليب النظمية ولا تتاثر بغير الالحان القديمة ، وإن كانت نظراتهم إلي الحياة نظرات عصرية فنية شريفة ..والزمن كفيل بان يبدل بالأذواق اذواقا أكثر تمشيا مع الروح العصرية الحرة.”
وهكذا يتلجج أبو شادي ويتأرجح بين قناعاته التي تتوق إلي سيادة الشعر الجديد وإحساسه بهيبة ومكانة الشعر التقليدي القديم ، والسبب اقتحام عبد الله عبد الرحمن لمنبر “ابولو” في الشهر الثاني لصدورها مباشرة.