الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

وثائق ثقافية(٦).. مقدمة “المرشد” وما ادراك ماهي؟

عبدالله حميدة

المقصود ب: “المرشد” الوارد في عنوان هذا المقال ، كتاب ” المرشد إلي فهم اشعار العرب وصناعتها ” الذي الًفه ونشره العلامة عبد الله الطيب منذ سبعين عاما وصدًره الدكتور طه حسين بمقدمة ملأت الدنيا وشغلت الناس واشهرت الكتاب واخرجته من ضيق المحلية إلي سعة العالم الفسيح .
وقد حرص المؤلف علي مقدمة لكتابه يكتبها د. طه حسين ، حرصا يلفت النظر ويفوق كل تصور لما فيه من إكبار وتقدير لكاتب المقدمة كشفته الرسائل الشخصية التي كان يبعث بها – تباعا – إليه . فقد نشرت مجلة (القاهرة) المصرية هذه الرسائل في عددها رقم ١٥٩ ألصادر بتاريخ ١٢/٣/١٩٩٦ دون ان تشير إلي الجهة التي حصلت عليها منها ، ونحن نقتبس منها شذرات نقيم عليها فكرة هذا المقال.
ففي الفترة من ١٧/١٠/١٩٥٣ إلي ٢/٥/١٩٥٥ ، كتب عبد الله الطيب إلي طه حسين – في هذا الخصوص – ست رسائل – ضمن رسائل اخري – كان يعبًر فيها عن لهفته وانتظاره لتلك المقدمة بما لا يخلو اي من تلك الرسائل من كلمة افتتاحية هي: (مولاي).
ففي الرسالة الأولي التي كتبها من (بخت الرضا) في١٧/١٠/١٩٥٣ مخاطبا طه حسين ، يقول إنه لايري فائدة من نشر الكتاب بدون هذه المقدمة لان الكتاب اذا شملها سيظهر وفيه (فخر الأبد لي) بها.
وفي ٢١/٧/ ١٩٥٤يقول له: (هل تأذن لي بان أذكرك بامر المقدمة ، ولا شك أنك ذاكر لها ..أما أنا فجسدي ليحمي ويرتعد منذ الآن لمجرد التصور لفكرة ان اسمي سيقترن باسم مولاي العظيم في كتاب واحد .علي اني بعدُ حريص أن يكون سيدي أول ناقد لكتابي واول من يقدمه إلي قراء العربية) .
وفي ٢١ /٩/١٩٥٤ كتب اليه يستفسره عما اذا كان ناشر الكتاب قد اتصل [بمولاي] في امر المقدمة.
وبعد اقل من شهرين بعث إليه رسالة يقول فيها : (وقد تحدثت إلي آل الحلبي ” يعني الناشرين للكتاب” ان يتصلوا بسيدي ليحصلوا منه علي المقدمة. وإني لأعلم أنك الآن حق مشغول ، ومع ذلك فإني أطمع أن تختلس من وقتك الثمين خطفةَ تسطر فيها هذه الكلمات التي انا وكتابي إليها لفقيران وبدونها صفران صغيران).
وفي ٥/٢/١٩٥٥يواصل سؤاله عن المقدمة ويؤكد أهميتها فيقول :(وإني لأخشي ان يتضاءل كتابي تضاؤل الحسناء في الأطمار بدون مقدمة من مولاي).
واخيرا يكتب طه حسين المقدمة المرتجاة ، فيفرح بها عبد الله الطيب ايما فرح ويبعث إليه بقصيدة عصماء من سبعة عشر بيتا استهلها بقوله :
عصتني الطائعات من
القوافي
فما أدري وحقك ما
اقول.
واعياني البيان وكيف يجزي
جميلك أيها الشيخ الجليل.
فماذا كتب طه حسين حتي يستاهل كل ما اسلفنا من لغة عبد الله الطيب المتشوقة الهائمة المتطلًعة إلي تلك المقدمة ؟
الحق ان طه حسين يستحق من عبد آلله الطيب كل ما قاله عنه. فقد دبًج مقدمة من اربع صفحات سكب فيها كل مقدراته الأدبية وعواطفه الصادقة ، فجاءت كما توقعها صاحب “المرشد” جزالة وتقويما وإعجابا بالكتاب ، نقتبس منها ما يلي :

  • ( هذا كتاب ممتع إلي ابعد غايات الإمتاع ، لا اعرف أن مثله اتيح لنا في هذا العصر الحديث).
  • (كتاب فذ ، كان الشعر العربي في اشد الحاجة اليه.)
  • (رأيت الرضي عنه والإعجاب به يُفرضان عليً فرضا ).
  • (انا سعيد حين اقدم إلي قراء العربية هذا الأديب البارع لأني إنما اقدم إليهم طرفة ادبية نادرة حقا.)
  • ( هو طرفة بأدق معاني هذه الكلمة..شديد الأسر ، متين اللفظ ، رصين الاٌسلوب.)
  • (إني اهنيء نفسي واهنيء قراء العربية بهذا الكتاب الرائع واهنيء أهل مصر والسودان بهذا الأديب الفذ الذي ننتظر منه الكثير).
    وبعد ، فهذا هو “المرشد”.
    وما أدراك ما المرشد !

اترك رد

error: Content is protected !!