(1)
(منزلقات الإنتقال كثيرة في تاريخ الأمم ، وقليلة السوانح والفرص للإنطلاق للأمام ، وهذا المشهد احدها).. موكب نداء السودان اليوم السبت 29 أكتوبر 2022م..
التفاصيل الدقيقة والإشارات التي تبدو صغيرة في خضم الاحداث الكبرى تهزني ، شابة في مقتبل العمر تحمل (صينية) حلويات تطوف الموكب ، رجل ثمانيني تخضلت لحيته بالدموع وما زال يهتف ، وإمرأة متوسطة العمر ومسبحة في يدها وتردد يارب احفظ السودان سلام وأمان ، ورجل ارتجل أبيات من الدوبيت ببديهة اليقظة ووجدان سليم :
الدرب أنشحط واللوس جباله اتناطن..
والبندر فوانيسه البيوقدن ماتن..
بنوت هضاليم الخلاء البتناطن..
اجدع قودع أمسيت والمواعيد فاتن ..
هكذا الطبيعة النقية تتسق والمشهد وتعبر عفو الخاطر ، فقد اتضح المسار بعد إن كادت الظلمة تغطي علي ضياء الوطن وهويته ووجدانه وجميل عاداته..
لم يهتفوا لأحد ، لم يطالبوا بسلطة ، وإنما هتفوا للوطن ، لبلادهم وقد تكالبت عليها الجماعات والمجموعات والنطيحة..
خرجوا في الخرطوم والفاشر ونيالا وكوستي ودنقلا وكسلا ، وفي كل مدينة وقرية..هذا صوت الشعب وهدير الشعب وخيار الشعب..
(2)
هنا الجميع ، بسحناتهم ، وأزياءهم والنوبة والنحاس والهتاف والزغرودة ، من أعمار شتي ، ومهن شتي ، جاءوا بإسم المهنيين ، وجاءوا بطرقهم وجاءوا باحزابهم وجاءوا بقبائلهم ، يجمعهم صوت واحد (نداء السودان)..
فأهلا بكل وطني غيور ، هذا يوم لقبول الآخر ، هذا يوم لوحدة الوطن ، هذا يوم الانتصار لإستقرار بلادنا ووحدتها وأمنها..
لقد أنهكتنا الصراعات وشتت قوتنا الخلافات وسرقت سمحة وطننا الإنقسامات والإقتتال القبلي ، ومع ذلك عانينا مسغبة الجوع والامراض وإنعدم الأمن ، وإبليس المجتمع الدولي يحاور نفسه ومستشاريه ويسرق أحلام شبابنا ومستقبل اولادنا .. لا يهمه سوي أوهام كذوب وأجندة خبيثة.. هذا الوطن لأهله كافة بلا تميبز..
(3)
منزلقات الإنتقال كثيرة في تاريخ الأمم ، وقليلة السوانح والفرص للإنطلاق للأمام ، وهذا المشهد احدها ، وحين كادت التحالفات المريبة والإتفاقات الثنائية البائسة ، والتكالب النهم علي ثروات البلاد ومواردها إن يعصف بكل شىء يبرز هذا الحدث بوقعه وتأثيره وعمقه لإعادة ترتيب الأوراق ورص الصفوف من جديد ، والتذكير لمن غشيتهم الغفلة أن هذا الوطن بأهله.. فلا تعبثوا..
نحن بحاجة للمجتمع الدولي ، للمساعدة في دفع السلام والتعبئة لتحقيق التنمية الاقتصادية وفك الحصار ومعالجة الديون وليس تشتيت قوتنا وتقسيمنا (لأصحاب مصلحة) و (بقايا نظام سابق).. هذا وطن للجميع ومن حقهم المشاركة في تقرير مصيره ، بهذه البساطة والوضوح..
(4)
وهذا توقيع بالأقدام، هذا صوت الشعب وإرادة الشعب، لا تجدي محاولات التقليل والتخذيل والإتهامات الجزاف، ولو الشعوب تحركها الاموال فقد دفعت السفارات وبعض الدول ما يسيل له اللعاب دون إن توحد صف الحاضنة السياسية المخذولة ناهيك ان تحرك الشارع ، فالشارع تحركه قضية ومبدأ وغاية ، وقبل ذلك توفيق من الله (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (الأنفال 63)..
وقد كان موكب اليوم كل ذلك .. هذه صفحة جديدة وهذا بداية مرحلة بإذن الله..