الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

هل يقع السودان في مصيدة ترامب؟

خالد محمد علي نائب رئيس تحرير ” الأسبوع ” المصرية

تقرير : خالد محمد علي

في إطار خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لصناعة بطل سلام على وقع الصواريخ والدبابات، أدخل ترامب السودان ضمن محطاته التي يحاول من خلالها تنفيذ خطة السلام المبني على الغطرسة والغرور.

وبعد أن أكمل السودان أكثر من عامين من حربه التي اشعلها تمرد الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023 وبعد عمليات تدمير موسعة لكل المنشآت الحيوية والاستراتيجية والخدمية على أيدي قوات التمرد وبعد استخدام حرب التجويع وقتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوداني وتدمير اقتصاده ومحاولة تخريب مستقبله، يأتي مسعد بولوس ممثل الرئيس الأمريكي ليقول إن رئيسه مهتم بالسودان وبإنجاح خطة الرباعية في تحقيق السلام في البلاد.

ولا يمكن فهم الدور والأهداف الأمريكية في السودان إلا من خلال منظورين، الأول علني وهو ما يصرح به ترامب ومسعد بولوس والآخر خفي وهو ما تهدف إليه إدارة ترامب بشكل حقيقي.

الأهداف العلنية لإدارة ترامب

تزعم الولاليات المتحدة الأمريكية أنها تريد تحقيق السلام في السودان عبر وقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات التمرد بزعامة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، ولتحقيق ذلك تقود الآلية الرباعية التي تضم إلى جانب واشنطن مصر والسعودية والإمارات، وتقول إدارة ترامب إن هناك جرائم مرفوضة تقوم بها قوات الدعم السريع وخاصة إدانة مسعد بولوس الأخيرة لهجوم قوات التمرد على أحد مساجد الفاشر وقتل 75 من قيادات المدينة وهم سجودًا في صلاة الفجر، كما صدرت إدانات أمريكية وأوروبية ضد سياسة الحصار والتجويع التي تقوم بها قوات حميدتي في الفاشر.

وزعمت الإداراة الأمريكية أنها قدمت وستقدم ملايين الدولارات لإنقاذ الجوعى والمنكوبين من أبناء الشعب السوداني في مدينة الفاشر شمال دارفور وغيرها من مناطق النزوح المختلفة.

وكانت أمريكا قد ضغطت مع السعودية والإمارات بالرباعية في واشنطن لمحاولة تجاوز الحكومة المدنية التي شكلتها الشرعية في السودان برئاسة الدكتور كامل إدريس، وخرج البيان الأخير يدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية مدنية متجاوزة وقائع حقيقة الأمر بأن هناك حكومة تدير أعمالها في معظم أنحاء السودان وحضر رئيسها كامل إدريس في اجتماعات الجمعية للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي ممثلا عن دولته إضافة إلى استقباله معظم الرؤساء والفاعلين الإقليميين والدولين.

وتتلخص المطالب الأمريكية العلنية في وقف الحرب وتشكيل حكومة وحدة وطنية وفتح ممرات الإغاثة الدولية، إضافة إلى تهيئة الظروف لإعادة إعمار السودان ولكن وفقًا لأراء الكثير من الخبراء فإن هناك أجندة خفية ظهرت ملامحها في كثير من تصريحات وكتابات الفاعلين في الإدارة الأمريكية تكشف عن هذا الاهتمام الأمريكي في السودان الآن.

الأهداف الخفية لترامب في السودان

يرى المراقبون أن السودان قد تم وضعه في مأزق كبير من خلال العقوبات المتعدة والمتتالية التي فرضتها الإدارة الأمركية على الدولة السودانية والجيش السوداني وخاصة منع تسليح الجيش والسماح بحصول قوات الدعم السريع على أسلحة متقدمة وعالية التقينة تستخدم بعضها في ضرب المدن والعاصمة الخرطوم بواسطة المسيرات الاستراتيجية حتى الآن.

كما تقوم الإدارة الأمريكية بوصم بعض قيادات الجيش السوداني والمقاومة الشعبية بالإرهاب وملاحقة هؤلاء بعقبوات دولية بقصد إحكام الخناق على الجيش السوادني، وتسمح إدارة ترامب لأنصارها الإقليميين بتقديم الدعم المالي واللوجيسيتي والعسكري والاستخباري للدعم السريع مما ممكنها من الاستيلاء على 4 ولايات من دارفور وحصار مدينة الفاشر لأكثر من عامين.

وفي هذا الإطار يشير المراقبون إلى أن الأهداف الأمريكية في السودان تتلخص في إدخال البلاد في مصيدة الرئيس الأمريكي الخداعية التي تقوم على اقناع أعدائها بالدخول إلى ملعب السلام ثم وضع مبادئ عامة يتم تفسيرها أمريكيا دون السماح للأطراف الحقيقية بتدقيم أي تفسير سواء كان وطنيًا أو قوميًا أو استراتيجيًا وعلى هذا الأساس تهدف أمريكا إلى:

1 تفكيك الجيش السوداني وأجهزة الاستخبارات بحجة أنها تخضع للإسلاميين المتطرفين في السودان.

2 نشر قوات أمريكية ودولية بحجة حفظ السلام والفصل بين المتحاربين، وفي الواقع هي تثبيت قوات احتلال لتحقيق الأهداف الأمريكية بالقوة العسكرية.

3 إجبار السودان على الإنضمام إلى مسيرة ما يسمى بسلام إبراهام ومنح إسرائيل بعض المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية في البلاد.

4 الاستيلاء على ثروات السودان المعدنية والزراعية عبر إدخال شركات أمريكية بحجة تطويروتعظيم هذه الثروات.

5 استبعاد أي دور لمصر سياسي أو اقتصادي أو حتى اجتماعي في البلاد، وربما خلق بيئة تلوث العلاقات بين البلدين.

6 من الأهداف المعلنة لترامب ونتياهو هي إقامة إسرائيل الكبرى والتي تستوجب بالضرورة تقسيم الدول العربية إلى مجموعة من الدويلات الفقيرة والمتناحرة حتى تصبح إسرائيل كبرى وأمريكا عظمى. 

ويبقى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تصر على عقد اجتماع الآلية الرباعية في واشنطن الجمعة المقبلة تحاول من خلاله فرض رؤيتها عبر توظيف بعض الأطراف داخل الرباعية من ناحية والتلويح لاستخدام القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية وسيف العقوبات من ناحية أخرى، وإن كان الموقف المصري الذي تم تأكيده عبر لقاء السيسي-البرهان الأسبوع الماضي في القاهرة والخاص بعدم الاعتراف بأي أجسام سياسية أخرى غير مجلس السيادة برئاسة البرهان يشكل العقبة الكبرى أمام الخطة الاستعمارية الجديدة في السودان.

وقد أعلنت القاهرة بوضوح أنها مع مؤسسات الدولة في مجلسها السيادي وجيشها وحكومتها ووحدة وسلامة الأراضي السودانية واستقلال قراراها السيادي، وتلك الثوابت الوطنية والقومية هي التي تشكل الدرع الواقي للسودان حتى الآن وإن كانت تحتاج لاتفاقات استراتيجية لاغلاق الطريق على مصيدة ترامب وجحافر الاستعمار الجديد.

اترك رد

error: Content is protected !!