الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

هل كان تهديد محمد الفكي أمس للفريق البرهان تمهيدا لإعلان الحكومة اللقيطة في نيالا.. () استنكر مشاركة ٥٠٠٠ من المقاومة الشعبية وسكت عن ٢٠٠ الف من المرتزقة مع المليشيا!!

الرواية الاولى

كتب : المحرر السياسي

نشرت جريدة نيويورك تايمز في ٢١ سبتمبر ٢٠٢٤ تحقيقا استقصائيا عن دور الإمارات في حرب السودان، نقلت فيه عن مذكرة سرية لسفير الاتحاد الأوروبي للسودان في فبراير من نفس السنة أن ما لا يقل عن ٢٠٠ ألف من المرتزقة، الذين تمولهم الإمارات، يقاتلون جانب مليشيا الدعم السريع (الجنجويد).

رغم خطورة هذه المعلومات، ومصدرها – الاستخبارات الأوروبية العاملة في المنطقة- وأنها آخر من يتهم بالانحياز لحكومة السودان أو التحامل علي الإمارات، وكون ذلك العدد يفوق ما كان معروفا من حجم قوات المليشيا، بل يماثل أضعاف العديد من الجيوش الوطنية لبعض دول المنطقة، مع ذلك كله، مر هذا مرور الكرام. لم تعقد بشأنه جلسة لمجلس الأمن، ولم يصدر الإتحاد الأفريقي، ولا الجامعة العربية بيانا حوله، مع أنه عمليا يعني أن دولة بأهمية السودان موقعا وتاريخا، بصفته أحد أقدم الأعضاء الأفارقة في الأمم المتحدة ومؤسسا للاتحاد الافريقي، يتعرض لغزو أجنبي.
ومع توالي افتضاح حجم مشاركة المرتزقة الأجانب في الحرب علي الشعب السوداني من أقاصي الدنيا – كولومبيا مثلا- وتوثيق ذلك بواسطة الإعلام الاستقصائي الدولي، استمر صمت المنظمات الدولية والحكومات الغربية، وجماعة” لا للحرب” والقنوات التلفزيونية العربية التي تتابع الشأن السوداني دقيقة بدقيقة و” تفلفل” تفاصيله.

مثلا لم تر قناة العربية/ الحدث ان الموضوع يستحق أن تستضيف حوله المعلقين والسياسيين، كما فعلت أمس بعد تقرير رويترز ، حول مشاركة من اسمتهم الوكالة “المقاتلين المرتبطين بالمؤتمر الوطني” في القتال إلى جانب القوات المسلحة ضد الجنجويد، وتقدير “مصادر عسكرية” لعددهم بحوالي خمسة آلاف فرد. وبغض النظر عن نوع ومعيار ارتباط هؤلاء بالمؤتمر الوطني، فهم في النهاية مواطنون سودانيون، من بين عدة آلاف من أعضاء المقاومة الشعبية، التي تضم كل أطياف الشعب السوداني، حتى من كانوا ضد دور القوات المسلحة في الفترة الانتقالية من أمثال “غاضبون” و”ملوك الاشتباك” ولجان المقاومة، كلهم هبوا للدفاع عن وطنهم وأنفسهم وأهليهم وأعراضهم.

غير أن متحدث صمود/ قحط، رئيس لجنة تفكيك التمكين،- الذي اتضح أنه هدفه تفكيك الدولة نفسها- صاح “وجدتها..وجدتها”، إذ اعتبر أن التقرير هو الدليل القاطع على ان الحرب أشعلها الإسلاميون وأن المؤتمر الوطني يسيطر على الدولة والجيش. ثم توعد رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة بالسقوط والمحاكمة ، إذا لم يأتمر بأمره ويفصل عدة آلاف من الجيش والخدمة المدنية يحتفظ هو بقوائم أسمائهم.

قبل أسابيع قليلة في جنوب افريقيا استنكر رئيس صمود/قحط ، حمدوك، ما وصفه ب” الشيطنة المتعمدة” للإمارات، كأن لديها boots on the ground (قوات تقاتل على الأرض في السودان)- حسب عباراته، في محاولة بائسة لاستغباء السودانيين والعبث بذاكرتهم بالاختباء خلف اللغة الإنجليزية، كأن ليس من بينهم من يعرفها. وقد كان ذلك مؤشرا للمدى الذي يمكن أن ينحدر إليه حمدوك للدفاع عن مخدمه وولي نعمته.

و صمتت قحط أيضاعندما أشهر عبد العزيز الحلو تحالفه العسكري والسياسي مع مليشيا الجنجويد، بداية هذا العام، وبدأ حملة عسكرية منسقة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، عبر نائبه جوزيف توكا في المنطقة الثانية، مما أدي لتوسيع نطاق الحرب، وتعريض مواطني جنوب كردفان بالذات لخطر المجاعة بسبب قطع حركة الحلو لطرق التجارة وحصار كادقلي والدلنج وغيرهما وانتهاج نفس اسلوب مليشيا الجنجويد في استهداف المدنيين. لم تذكر قحط الحلو ب” ميثاق نيروبي” الموقع بينهما في مايو ٢٠٢٤، والذي زعم طرفاه أنه يدعو لإنهاء الحرب، حتى ولو كان ثمن ذلك تمزيق السودان تحت شعار تقرير المصير لجبال النوبة. على العكس من ذلك، منحت قحط الحلو وبقية عضويتها الذين أعلنوا على الملأ الزواج العرفي بين قحط والمليشيا، عبر إنشاء تحالف تأسيس حكومته الموازية صك براءة وطنية لأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية. لذا انتقلت قيادات قحط برشاقة وسلاسة آلي تأسيس، فأصبح الرسمي لتقدم/ قحط، علاء نقد، هو نفسه المتحدث باسم تأسيس، وسمي محمد حسن التعايشي رئيسا لوزراء الحكومة اللقيط في نيالا، فيما ضمن برمة ناصر موقع رئاسة ما يسمى بالمجلس التشريعي. وكما هو معروف فإن عناصر حزب الأمة الموجودين في قيادة صمود يصرون على أن برمة لا يزال هو رئيس الحزب. وهذا يعني أن جناح برمة ناصر يحتفظ بعضوية صمود وتأسيس في نفس الوقت، تجسيدا للالتحام الحقيقي بينهما كوجهي العملة الواحدة.

والواقع إن قحط في متحوراتها المختلفة، تقدم/ صمود/ تأسيس/ حكومة موازية، كانت منذ البداية شريكة للمليشيا في عملياتها العسكرية، فضلا عن السياسية، عبر المجموعات المسلحة المنتمية لها مثل مجموعات الطاهر حجر والهادي إدريس وسليمان صندل الذين شاركت قواتهم في القتال إلى جانب المليشيا، خاصة في الفاشر واستخدمتها المليشيا لتهجير من استطاعت من مواطني المدينة ومن بقي على قيد الحياة من نازحي مخيم زمزم قسرا. كما وفرت المجموعة الغطاء السياسي لمؤامرة الحكومة الموازية، منذ يناير ٢٠٢٤ بتوقيع اتفاق معها في أديس أبابا ينص على إنشاء إدارات مدنية في مناطق المليشيا.
تصريحات محمد الفكي وتهديده للقائد العام للقوات المسلحة إذن هي تكرار فج لحديث حميدتي يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣ الذي دعا فيه الفريق البرهان للاستسلام أو القتل، وتأكيد للصلة العضوية بين قحط والمليشيا. ولم تكن صدفة أن تصدر قبل يوم من إعلان الحكومة اللقيطة بنيالا.

اترك رد

error: Content is protected !!