الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

هل رطن شعراء الحقيبة؟(٣_٣)

عبدالله حميدة



نورد في خاتمة هذه المقاالت، ما جاء في بعض شعر الحقيبة من الفاظ إفرنجية كانت
متداولة في ميدان كرة القدم إلى عهد قريب. وشاهدنا – هنا- قصيدة )الهالل( للشاعر عمر
البنا والتي نظمها في اإلشادة بالفريق االمدرماني المعروف.
أًلف البنا هذه القصيدة عام 1934م وتغنًى بها فنان الحقيبة والعب الهالل الشهير
عبدالكريم عبدهللا مختار الذي لقبته امه بـ)كرومه( إعجابا بشخصية المندوب السامي
البريطاني بمصر )اللورد كرومر( Cromer Lord، حين زار السودان عام 1922م فاستقبل
بحفاوة من اهالي البالد وزعمائها.
وينبغي – هنا – ان نذكر بأن ذلك اللقب لم يكن تصغيرا السم )عبدالكريم( كما يتبادر
إلى الذهن بدليل ان عمر البنا لم يكن ينادي عبدالكريم إال بـ )اللورد( وبدليل ان لفظ
)Cromer )له صيغة في النطق اإلنجليزي تهمل حرف )r )وان اثبتته رسما!
ونسبة لما حوته القصيدة من الفاظ كروية افرنجية ولما دلّ مضمونها العام علي معرفة
الشاعر للفن الكروي، فقد رأيت أن آتي بنصها كامال، ثم احصر ما جاء فيها من تلك
األلفاظ.
قال عمر البنا:
هلّ الهالل واأليام صفنلُو
وضع تاريخ للسودان بفنَّو
رياضي كل األقطار بعرفنّو
بوارق النصر بيصحبنّو
ومنتخبات جيش ما بغلبنّو
جملة )األتيام( األبنّو
شافن فنّو تجنبنّو.
)فراوده( القول قاطعنُّو
وطربوا مشجِّّعنَّو.
المنتخبات الدعنّو
مغلوبين صدوا عنّو
)الهاف باكات( ال مفر منُّو
)باص التكتيك( متقاسِّمنّو
زي شكل مثلث راسمنو
لعب الرف ما متعلِّّمنو
وصف )الباكات( شوفو كيفنّو
اسود وعرينن والفنُّو
دفاع فن ما متكلّفنّو
وعلم )التكتيك( هم مألفنّو
)القون( ثابت لو صادفنُّو
جُلل محال ما يرجفنّو
رياضي خطوطو محالفنو
حيّر عقول الواصِّفنو
طلع جبار ما فاهمنو
كل )االتيام( خايفه منّو
لو جُمعت جملة وهاجمنو
من المحال يهزمنّو
نيشان النصر الحاملنّو
الغير في النوم ما ماملنُو
الفن بمعنى محملنّو
والعازل صبرو مكمِّّلنو.
في هذا النص وردت الكلمات اإلفرنجية اآلتية:

  • األتيام : جمع تيم )Team )وهو الفريق.
  • فراوده: ومفردها )Forward )وينطقها العامة )فروِّد( بكسر الفاء وتسكين الراء وتعني
    المهاجم.
  • الهاف باك: )Back Half )أي العب خط الوسط المسمى بالظهير المساعد.
  • تكتيك: )Tactic )أي طريقة اللعب.
  • باص : )Pass )أي تمرير الكرة.
  • الباكات: جمع )Back )وهو المدافع او الظهير.
  • القون: ) keeper Goal )أي حارس المرمى

وهكذا يضيف عمر البنا ألفاظاً إفرنجية اصبحت متداولة الرتباطها بلعبة شعبية هي األشهر
بين كل األلعاب الرياضية في السودان.
خاتمة:
بعد استعراضنا لتنوع األلفاظ في بعض اشعار الحقيبة، يبقى السؤال الذي طرحناه في
مستهل هذه المقاالت الثالث: هل )رطن( شعراء الحقيبة؟
االجابة الدقيقة على هذا السؤال هي أنهم لم )يرطنوا( وذلك ألن األلفاظ االفرنجية التي
تناثرت في قصائدهم جاءت عفوية من خالل تواصل وتعامل بعضهم مع اإلفرنج في دواوين
الحكومة واألسواق والعالقات االجتماعية المحدودة، ومن خالل ما توفر لبعضهم من مفردات
)أعجمية( استقوها مما تهيأ لهم من تعليم نظامي محدود أو من تلمذة صناعية أو عن
طريق العمل في المرافق الحكومية والمشاريع الحديثة التي اقامتها الحكومة، أو مما
طرأ على الحياة االجتماعية الجديدة من أنشطة رياضية وحركة ثقافية وفنية في األندية
والجمعيات والمقاهي التي ارتبط وجودها وتنظيمها – إلى حد ما – بلغة السلطة األجنبية.
ورغم ذلك فإن تلك األلفاظ اإلفرنجية كانت محدودة وصفوّية إذا قرّناها بالكم الهائل من
فصاحة وجزالة لغة الحقيبة التي تفهمها وتذوّقها الجمهور العريض دون ان تؤثر فيه تلك
األلفاظ الصفوية المحدودة بل دون ان يشغل باله بأصلها وفصلها.
هذا ما وقفت عليه من األلفاظ اإلفرنجية التي دخلت عفواً على بعض شعر الحقيبة في مجاالت
مختلفة، وقد أردت بهذا البحث البسيط أن ألفت النظر إلى هذه الظاهرة التي قد تكون
لها شواهد أخرى ونماذج لم أتوصل إليها و… فوق كل ذي علم عليم.
بقي ان اقول إن هذا المقال جاء – بالصدفة المحضة – متزامنا مع انتصارات الهالل
االخيرة علي غريمه التقليدي)المريخ( فتامل !

اترك رد

error: Content is protected !!