


______________
تقرير : اقتصادي الرواية الأولى
يشهد الاقتصاد السوداني هذه الأيام واحدة من أدق مراحله، بعد أن تراجعت قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وتفاقمت عمليات التهريب، ما جعل ضبط السوق وإنعاش موارد الدولة أولوية قصوى. وفي هذا السياق، جاء اجتماع لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء دكتور كامل إدريس ليضع مجموعة من القرارات الجريئة التي اعتُبرت بمثابة خارطة طريق لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
خلفية الأزمة
منذ سنوات، يعاني الاقتصاد السوداني من ضغوط متراكمة أبرزها التهريب الواسع للذهب والسلع، وعجز ميزان المدفوعات، وغياب الرقابة الصارمة على عمليات الاستيراد والتصدير. وقد انعكس ذلك في انخفاض متسارع لسعر صرف العملة الوطنية، ما أرهق المواطن وزاد من تكلفة المعيشة اليومية.
وزاد من عمق هذه الأزمة ما كانت تمارسه مليشيا آل دقلو من تخريب للاقتصاد الوطني قبل الحرب، عبر تهريب الذهب واحتكار السلع الاستراتيجية لمقربين منها، وهو ما شكل استنزافًا مباشرًا لموارد البلاد. ثم جاءت الحرب الغادرة التي شنتها المليشيا على الدولة لتضاعف الأضرار، إذ ألحقت خسائر فادحة بالمصانع، وقطعت طرق النقل والإمداد، وعطّلت المرافق الاقتصادية، ما أدى إلى شلل في قطاعات إنتاجية وخدمية حيوية.
تفاصيل القرارات
في الاجتماع الأخير للجنة الطوارئ الاقتصادية، الذي شارك فيه عدد من الوزراء والمسؤولين وممثلي الأجهزة ذات الصلة، أُقرت حزمة إصلاحات جوهرية تهدف إلى السيطرة على الفوضى الاقتصادية وتعزيز موارد النقد الأجنبي.
وقد أعلن الأستاذ خالد الإعيسر، وزير الثقافة والإعلام والسياحة، أبرز هذه القرارات التي شملت:
1-تشكيل لجنة عليا للطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء لمتابعة التنفيذ اليومي للقرارات.
2-ضبط عمليات الاستيراد وربطها بالضوابط المصرفية والتجارية، مع منع دخول أي بضائع غير مطابقة للمواصفات.
3-تعزيز قدرات قوات مكافحة التهريب بالوسائل والمعينات التي تمكّنها من أداء مهامها بكفاءة.
4-تجريم حيازة أو تخزين الذهب دون مستندات رسمية باعتبارها جريمة تهريب مهما كان الموقع.
5-إخضاع الذهب المنتج لرقابة دقيقة حتى التصدير، وقصر تسويقه وشرائه على جهة حكومية واحدة تلتزم بتوفير النقد الأجنبي للمستوردين.
6-إنشاء منصة قومية رقمية لمتابعة حركة الواردات والصادرات لحظة بلحظة.
7-مراجعة سياسات استيراد السيارات وضبط الاستيراد غير المقنن المعروف بـ “الطبالي”.
8-إلغاء الجبايات غير القانونية التي تفرضها بعض الولايات وتثقل كاهل المواطن.
9-إزالة المعوقات أمام الصادرات لتعزيز موارد النقد الأجنبي وتدفقه بانسياب.
الأبعاد والرسائل
القرارات الجديدة لا تقتصر على كونها إجراءات اقتصادية عاجلة فحسب، بل تحمل دلالات سياسية ورسائل مباشرة أهمها:
•استعادة ثقة الشارع في قدرة الحكومة على مواجهة التحديات.
•إغلاق منافذ التهريب التي ظلت تستنزف موارد البلاد.
•تهيئة بيئة اقتصادية أكثر شفافية من خلال المنصة الرقمية التي تسمح بمتابعة دقيقة لحركة التجارة.
•تخفيف الأعباء عن المواطن عبر إزالة الجبايات غير القانونية ومراقبة أسعار السلع الأساسية.
التوقعات المقبلة
يرى مراقبون أن هذه الإجراءات إذا نُفذت بصرامة والتزم بها الجميع، فإنها ستسهم في وقف تدهور العملة الوطنية واستعادة التوازن المالي للدولة، إضافة إلى تعزيز قدرة السودان على تمويل مشروعات التنمية والإنتاج. كما تمثل هذه القرارات فرصة لإعادة رسم صورة الاقتصاد الوطني على المستويين الإقليمي والدولي.
خاتمة
يُجمع كثير من الخبراء على أن الاجتماع الأخير للجنة الطوارئ الاقتصادية يمثل منعطفًا تاريخيًا في مسار الإصلاح، وأن الحزم في التطبيق هو الضمان الوحيد لنجاح هذه القرارات. وبينما ينتظر الشارع السوداني نتائج ملموسة، تبعث الحكومة برسالة واضحة مفادها أن زمن الفوضى قد ولى، وأن مرحلة الإنقاذ الاقتصادي قد بدأت بالفعل.