خلال الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر الحالي وافق صندوق النقد الدولي على منح قرض لمصر بقيمة 3 مليار دولار، مع تسهيلات تتيح الحصول على 13 مليار دولار من شركاء التنمية والمانحين الآخرين.
درج الكثيرون من المحللين الاقتصاديين على ربط موافقة الصندوق والبنك الدوليين بما يسمى بروشتة البنك الدولي، والتي تتضمن رفع الدعم السلعي، وتحرير سعر العملة الوطنية، كعناصر رئيسة لخفض عجز الموازنة العامة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي حسب رؤية خبراء الصندوق والبنك الدوليين. غير أنه من المعلوم بتنفيذ هذه الوصفة أو الروشتة يترتب ارتفاع هائل في الأسعار الداخلية وأسعار الخدمات الصحية والتعليمية، ومجموع كل ذلك يؤدي لثورة الفقراء والجياع.
نجحت مصر بفضل الخبراء المحاورين، وبعد جهود ومباحثات مضنية وشاقة، بالخروج بصيغة اتفاق تحقق هدف الاستقرار الاقتصادي من ناحية، ومراعاة أوضاع وظروف الفقراء من الناحية الثانية. فقد وافق البنك الدولي، ضمن اتفاقية القرض الأساسية، على تقديم تمويل بقيمة 500 مليون دولار، لتوسيع قاعدة المستفيدين من شبكة الأمان الاجتماعي في مصر، المعروفة بـ«تكافل وكرامة».
تستهدف شبكة الأمان الاجتماعي في مصر مساعدة المواطنين المستهدفين على الخروج من دائرة الفقر، وإنشاء برنامج للتحويلات النقدية يتسم بالكفاءة والفعالية، وإكسابه القدرة على التكيف مع التحديات الاقتصادية العالمية والصدمات الخارجية، التي برزت جليا خلال انتشار جائحة كورونا واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
يتم السعي إلى توسيع نطاق تغطية البرنامج من خلال تعزيز التحويلات النقدية، وتدعيم القدرات المؤسسية، وتقديم المساندات الفنية، بما يؤدى إلى إدماج الفئات المستهدفة في أنشطة إنتاجية لربطهم بفرص التوظيف وتمكينهم من الحصول على الخدمات المالية، مع الأخذ في الاعتبار أن مظلة برنامج تكافل وكرامة شملت 3.69 مليون أسرة، ونحو 12.84 مليون مواطن حتى يونيو 2022، وتمثّل النساء 74% من حملة البطاقات، المستفيدين المباشرين. كما أن 67% من مبالغه النقدية يتم توجيهها للمستفيدين في الصعيد، لمواجهة إشكالية التنمية غير المتوازنة التي سادت على مدى عقود.
تعليق: اتفاق حكومة السودان مع البنك الدولي وفق مذكرة المشاركة الموقعة في أكتوبر 2020 تضمن انسياب تمويلات بقيمة 2.7 مليار دولار، مع حزمة دعم اجتماعي بقيمة 820 مليون دولار تنفذ من خلال برنامج دعم الأسر (ثمرات) على مدى ثلاثة أعوام تتضمن منح الفرد في الأسرة مبلغ 5 دولار شهرياً. توقف البرنامج بقرارات القائد العام للقوات المسلحة في أكتوبر 2021 فضلاً عن صعوبات إدارية صاحبت تنفيذه.
غير أن الملاحظة الأساسية والفرق بين البرنامج المصري والسوداني أن الأخير يتضمن التحويلات النقدية فقط، في حين أن الأول يتضمن تدعيم القدرات المؤسسية مثل التدريب، وتقديم المساندات الفنية كعمليات التسويق وشراء مدخلات الإنتاج بالجملة، وإدماج الفئات المستهدفة في أنشطة إنتاجية لربطهم بفرص التوظيف، وتمكينهم من الحصول على الخدمات المالية (الشمول المالي).
بعد استعادة العلاقات مع المنظمات المالية الدولية والمانحين، ليتنا نستفيد من التجربة المصرية في التفاوض مع خبراء الصندوق والبنك الدولي، وتوسيع نطاق ورؤية المساعدات التي تقدم للفقراء. والله الموفق.