رصد الرواية الأولى
القاهرة – آية أمان :
لم تقف الشائعات والاتهامات ضد القاهرة داخل الشارع السوداني منذ بداية الثورة السودانية وسقوط نظام عمر البشير الذي لم يكن أيضاً على وفاق دائم مع مصر، إلا أن امتداد الاحتجاجات الشعبية إلى شمال السودان سبب مزيد من التوتر مع غلق المعابر البرية بين مصر والسودان وفتح الباب لعشرات الشائعات ضد النظام والحكومة المصرية والاتهامات باستغلال موارد السودان والإحالة دون وصول المدنيين للحكم.
ويغلق محتجون سودانيون من أهالي ولاية شمال السودان منذ منتصف يناير الماضي طريق شريان الشمال الذي يربط بين مصر والسودان بهدف الضغط على الحكومة المركزية في الخرطوم بعد قرارات الزيادة في أسعار الكهرباء وحصص الولاية من مواردها الطبيعية، وهو ما تسبب في شلل تام لحركة التجارة بين مصر والسودان بعد استمرار احتجاز مئات الشاحنات لنقل البضائع المصرية والسودانية عبر الطريق.
كان السفير المصري في الخرطوم قد اشتكى في تصريحات للصحف المحلية بالسودان في 23 يناير من “شائعات تستهدف مصر” متهماً جهات دون تسميتها بالوقوف خلف هذه الشائعات، وذلك عقب تداول أنباء عن منع الأمن المصري تأشيرات الدخول للسودانين إلى الأراضي المصرية، والتقليل من جودة الصادرات المصرية للسوق السوداني في مقابل الحصول على المواد الخام السودانية وإعادة تصديرها بعد تصنيعها في مصر.
وتداولت وسائل التواصل الإجتماعي داخل السودان بشكل واسع تصريحات – غير رسمية- منسوبة لوزير الدفاع المصري تفيد بعدم قبول مصرغلق طريق شريان الشمال لنقل المنتجات الزراعية والحيوانية السودانية إلى مصر والتهديد بعدم صبر مصر على هذه الأعمال.
وقال مسئول دبلوماسي مصري على اطلاع بالملف السوداني في حديث مع “المونيتور” أن “هناك مشاورات مع مجلس السيادة الانتقالي والجهات المسئولة في السودان لحل المشاكل المتعلقة باغلاق الطريق البري بين البلدين والتي نتجت عن توقف حركة التجارة والخسائر اليومية التي يتعرض لها الجانبين جراء الإغلاق المتكرر للمعابر البرية”.
وأكد المسئول الذي فضل عدم ذكر اسمه أن :”الملف السوداني على رأس الملفات الاستراتيجية للإدارة المصرية، ولا ننكر وجود العديد من الجهات التي تسعى لتخريب العلاقات بين البلدين سواء قوى داخلية أو اقليمية ليس من مصلحتها وجود توافق وتنسيق بين مصر والسودان”.
وأوضح المسئول:”نرصد ونتتبع مصادر انتشار الشائعات التي تستهدف الإضرار بالمصالح الاستراتيجية بين البلدين، والبعثة الدبلوماسية المصرية في السودان تبذل مجهود كبير لتوضيح الحقائق وتأكيد أهمية واستراتيجية العلاقة بين شعبي البلدين وصرورة التنسيق المستمر لإدارة ملفات التعاون السياسية والاقتصادية والأمنية”.
مع تأزم المشهد السياسي في السودان والاحتجاجات المتتالية في الولايات السودانية، قدمت مصر أشكال مختلفة من الدعم الإقتصادي والأمني للسودان منذ اندلاع ثورة ديسمبر 2019 وإزاحة نظام البشير، حيث تم فتح الموانئ المصرية للسودان في ديسمبر 2020 بعد أزمة غلق ميناء بورتسودان إثر احتجاجات قبائل البجا في شرق السودان وتفاقم أزمات نقص القمح والأدوية والوقود، فضلاً عن العديد من برامج التعاون والتدريب المشترك بين القوات المسلحة المصرية والسودانية.
وفق أخر احصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر حتى 2020 فإن التبادل التجاري مع السودان بلغ 290 مليون دولار، وهو ما لا يزال ضعيفاً مقارنه بدول الاتحاد الأوروبي ودول عربية أخرى، حيث يصل حجم الصادارات المصرية للسودان 496 مليون دولار، ويصل حجم الورادات السودانية لمصر 215 مليون دولار ، فيما بلغت اجمالي الصادرات المصرية خلال عام 2021 إلى 31 مليار دولار.
يقول عادل عبد العزيز الفكي، الباحث والمحلل الاقتصادي في حديث مع المونيتور من الخرطوم، :”هناك بعض الأحزاب السياسية في السودان تتعمد الدفع باستمرار غلق الطرق البرية مع مصر والإساءة للعلاقات المصرية السودانية عبر نشر معلومات مغلوطة تتعلق بالاستفادة المصرية من موارد السودان، حيث ترى هذه الممارسات مساراً للضغط على السلطة الانتقالية العسكرية في السودان”.
ويرى الفكي: “حجم التجارة المصرية مع السودان مقارنة بدول العالم ضئيل جداً، فيما تستورد السودان من مصر سلع هامة كمواد البناء والدقيق وزيوت الطعام والفواكهة والخضروات”. لافتاً أن “الصادرات السودانية لمصر باستثناء اللحوم هي مواد خام بسبب ضعف القاعدة الصناعية في السودان، والعجز في الطاقة الكهربائية المحركة للمصانع، وافتقار التقنيات الصناعية الحديثة”.
يوضح الفكي: “نتيجة لإغلاق المعابر السودانية مع مصر اتجه مستوردي اللحوم المصريين لجيبوتي والصومال، عبر موانئ ومحاجر الغردقة وسفاجا والسويس، وهو ما يثير التخوف من افتقاد السودان للسوق المصري، بما قد يعكس خسارة كبيرة للاقتصاد السوداني بخاصة فئة المنتجين من صغار المزارعين ومربي الماشية”.
وتتخوف بعض القوى المدنية في السودان من دعم مصري للمكون العسكري في السودان بخاصة بعض التوتر في العلاقة بين المدنيين والعكسر في السودان مع انقلاب أكتوبر 2021 وإزاحة المكون المدني عن ادارة المرحلة الانتقالية، وهو ما يفسره مراقبون للعلاقات المصرية السودانية بأنه السبب الرئيسي وراء انتشار الشائعات والاتهامات بحق مصر.
على المستوى الدبلوماسي تجنبت القاهرة أي تعليق رسمي حول تطورات المشهد السياسي في السودان منذ انقلاب أكتوبر 2021، أو إظهار أي دعم لأي من أطراف الأزمة سواء المدنيين أو العسكر، والاكتفاء بالدعوة لضبط النفس والتوافق الوطني.
تقول سمية سيد، الكاتبة الصحفية السودانية المختصة بالشأن الإفريقي في حديث مع “المونيتور”، ” استمرار غلق الطرق مع مصر أصبح مشكلة سياسية فهناك من يعتقد أن الحكومة المصرية تدعم المكون العسكري، وبالتالي فإن اغلاق الطرق مع مصر قد يمثل ضغوط لإعاقة هذه العلاقات، لكن الأزمة في السودان مشكلة داخلية بالأساس وحلها لن يأتي إلا من داخل السودان رغم التدخلات الخارجية”.
تضيف سيد: “هناك دول وأطراف خارجية لديها مصلحة في توتر العلاقة بين مصر والسودان لكن الشعبين تخطوا العديد من التوترات خلال السنوات الماضية على اختلاف الإدارات الحاكمة، ويجب أن يكون هناك تصدى للتصعيد الإعلامي للإحالة دون الإضرار بخصوصية العلاقات والقضايا المصيرية بين البلدين”.
وترى سيد :”الضرر المترتب على غلق الطرق مع مصر ومنع الشاحنات المصرية والسودانية من المرور بمثابة جرس تنبيه للإدارة السودانية باتخاذ اجراءات لتعزيز القيمة المضافة للموارد السودانية ووقف تصدير المواد الخام السودانية مثل الحبوب الزيتية والمواشي الحية خاصة وأنها مشكلة سودانية بالأساس وليس لها أي علاقة باستغلال مصر لموارد السودان مع فشل الحكومات السودانية المتعاقبة من وضع سياسات أو بنية تحتية لدعم الصناعات التحولية”.
وتبقى العلاقة بين مصر والسودان رغم أهميتها الخاصة التي تمتد لأبعد من مفهوم الدولة الجارة محوراً للتوتر المستمر، رغم تصنيفها وفق الدبلوماسية المصرية ضمن محاور المصالح الحيوية والمصيرية، وهو ما يزيد من حساسية التعامل من قبل الإدارة المصرية مع الملف السوداني لتخطي كافة العقبات والإحالة دون الإضرار بالمصالح المصرية في السودان.