رصد : الرواية الأولى
القاهرة : آية أمان:
أثارت دعوة رئيس الوزراء الاثيوبي أبي أحمد للتعاون حول سد النهضة، تساؤلات عن مدى جدية الإدارة الإثيوبية في الانخراط من جديد في مفاوضات تستهدف التعاون الإقليمي بين الدول الثلاثة في سد النهضة مع استمرار الخلافات الجوهرية في مواقف الدول بشأن ملئ وتشغيل السد.
وتحدث رئيس الوزراء الإثيوبي في البيان التي نشره عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي في 20 يناير عن اهتمام بلاده في تبنى مشروعات طاقة نظيفه في ظل امكانيات الطاقة المائية المتوفرة لدى إثيوبيا رغم حرمان أكثر من 53% من السكان من امدادات الطاقة وهو ما يؤكد تمسك الدولة باستغلال مياه النيل بشكل معقول ومنصف لصالح جميع شعوب الدول المشاطئة، دون التسبب في ضرر كبير.
ولم يشير بيان رئيس الوزراء الإثيوبي إلى خارطة طريق أو رؤية واضحة لشكل وكيفية التعاون في ظل تجمد مسار المفاوضات مع مصر والسودان وفشل جميع مبادرات الوساطة الإقليمية والدولية إلا أنه أكد أن :”السد يحمل فوائد متعددة لدولتي المصب( السودان ومصر)، عبر تنظيم التدفق المتغير للنهر وتقليل الفيضانات”.
وتأتي دعوة أبي أحمد للتعاون قبل انعقاد القمة 35 الاتحاد الافريقي في 4 فبراير، حيث تم التوافق على انعقادها في أديس أبابا رغم التوتر الأمني بسبب الحرب على التيجراي وتدهور الأوضاع الصحية جراء تفشي وباء كورونا، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي في بيان في 16 يناير: “أثيوبيا حزينة من تصرفات من يضغطون لعقد قمة الاتحاد الإفريقي خارج أديس أبابا، تحت ذريعة الأوضاع الأمنية، وأشكر قرار أعضاء قادة الاتحاد الأفريقي بالموافقة على عقد قمة الاتحاد في أديس أبابا”.
وجاء رد القاهرة على الدعوة الإثيوبية متمسكاً بمسار المفاوضات لحل أي خلاف حول سد النهضة، حيث أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي في بيان رسمي في 25 يناير: “مصر تؤكد حرصها على التوصل لاتفاق ملئ وتشغيل ملزم قانونياً يحقق المصالح المشتركة من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة في مجال توليد الكهرباء والتنمية المستدامة مقابل عدم حدوث ضرر لمصر والسودان”.
واعتبر البيان المصري أن “امكانية الوصول للاتفاق المنشود لسد النهضة قد يؤسس مرحلة جديدة من التعاون من أجل تحقيق الاستقرار الاقليمي”.
وقال مسئول حكومي مطلع على مسار التفاوض حول سد النهضة في حديث مع “المونيتور”، “مصر لا تزال منفتحة على أي مبادرات جادة للحوار مرة أخرى مع إثيوبيا وحل المسائل العالقة بشأن قواعد ملئ وتشغيل السد، ولكن المواقف المصرية فيما يتعلق بالمسائل القانونية والفنية لم تتغير كثيراً بخاصة فيما يتعلق بالإلزامية القانونية للاتفاق المزمع مع إثيوبيا، وإيجاد ضمانات للتعاون في فترات الجفاف والجفاف الممتد”.
وأوضح المسئول الذي طلب عدم ذكر اسمه :”نراقب التحركات الإثيوبية الجارية بشأن الاستعدادت للملئ الثالث للسد مع الموسم المطري المقبل، ولن نقبل أي قرارات منفردة تعرض مصالح مصر المصيرية في مياه النيل للخطر”.
وأضاف المسئول :”سيكون هناك ترتيبات لطرح ملف سد النهضة على أعمال القمة الإفريقية في فبراير المقبل للنظر في أهمية ايجاد حل أفريقي وفق توصيات البيان الرئاسي لمجلس الأمن، مع استمرار تعذر الاتحاد الإفريقي في حلحلة الأزمة وفك الجمود في المسار التفاوضي”.
كانت إثيوبيا قد أعلنت في 13 يناير، اعتزامها إزالة 17 ألف هكتار من الغابات خلال شهر فبراير، تمهيدا للملء الثالث لبحيرة سد النهضة، والمنتظر أن تبدأ مع الموسم المطري في شهر يوليو، دون الإعلان عن الكميات المخطط حجزها خلال الملء الثالث أو الترتيب مع دولتي المصب.
يقول محمد نصر الدين علام، استاذ المياه ووزير الري الأسبق، في حديث مع المونيتور:”حديث أبي أحمد عن منافع سد النهضة لمصر غير حقيقية، فأي نقطة مياه تخزن في سد النهضة هي من حصه مصر، حتى أن زيادة ايراد النيل الأزرق عن مقدار الحصة المصرية المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب، كانت تساهم في الحفاظ على المخزون الاستراتيجي في بحيرة ناصر وهو ما يساهم في تحقيق التوازن الاستراتيجي للاحتياجات المصرية في فترات الجفاف، وبذلك فإن النتيجة المؤكدة لسد النهضة هو إنهاء كافة المزايا التي يحققها السد العالي لمصر، حيث تتسبب السياسات والقرارات الآحادية الإثيوبية لملء سد النهضة في خفض المخزون الاستراتيجي لمصر وسيكون من الصعب استعادة هذا المخزون مرة أخرى في ظل سد النهصة”.
وحذر علام من خطورة عدم مشاركة إثيوبيا للمعلومات المتعلقة بإدارة عملية التخزين في بحيرة السد مع مصر والسودان بما لها من انعكاسات خطيرة على مصالح الدولتين وتشتت في عملية إدارة المياه قائلاً :” قبيل الملء الثاني لسد النهضة العام الماضي أعلن وزير الري الإثيوبي اعتزامهم حجز ما يقرب من 13.5 مليار متر مكعب، ووفق لهذه الكمية اضطرت مصر لاتخاذ اجراءات مشددة لحماية المخزون المائي في السد العالي إلا أن إثيوبيا لم تخزن سوى 3 أو 4 مليار متر مكعب ولم تستفيد أي من مصر والسودان من مياه الفيضان بسبب التعتيم وعدم مشاركة المعلومات واطلاق بيانات كاذبة”.
وتوقف مسار المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا تحت الرعاية الإفريقية ممثلة في الاتحاد الإفريقي في أبريل 2021 بعد فشل التوافق على بنود تتعلق بالإلزامية القانونية والترتيبات الفنية لتنظيم عملية إدارة وتشغيل السد وعملية الملء خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد في النيل الأزرق، فيما لجأت مصر والسودان لمجلس الأمن الذي أوصى بحل الخلافات عبر الاتحاد الإفريقي.
وتقول أماني الطويل، الخبيرة في الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حديث مع “المونيتور”، :”دعوة أبي أحمد للتعاون هي مجرد كلام مرسل حيث لم يقترح أي ألية لضمان التعاون أو التفاهم بين الدول الثلاثة بشأن النقاط الخلافية”.
وترى الطويل أن ” إطلاق هذه التصريحات في الوقت الحالي محاولة لتلافي ضغوط قد تكون موجودة عليه في القمة الافريقية المقبلة خاصة أن مصر قد يكون لديها تفاهمات مع الدول الإقليمية الكبرى التي لها اهتمامات بالقرن الافريقي”.
وتؤكد الطويل:”لا اتوقع أن يكون هناك تغيرات في الموقف الاثيوبي في ضوء الموقف السياسي والعسكري في إثيوبيا، حيث أن أي تعاون حقيقي من قبل إثيوبيا قد يراه الداخل الإثيوبي بأنه تخلي من النظام عن مصالحه، بعد حملات الحشد والتحريض ضد مصر والسودان من داخل إثيوبيا طوال العاميين الماضيين”.
وترى الطويل أن “التفاعلات الحقيقية بشأن سد النهضة ستكون في مايو المقبل قبيل الملء الثالث والذي لا يزال اتمامه محل شك مع الصعوبات والقدرات الضعيفة على المستوى الفني”، مضيفة :”الموقف المصري يتبلور وفقاً لتطورات الأمور على الأرض”.
وتبقى دعوة التعاون التي طرحها رئيس الوزراء الإثيوبي رهن الإعلان عن اجراءات فعلية لعودة الحوار مع مصر والسودان بشأن النقاط الخلافية العالقة في الاتفاق الشامل لملئ وتشغيل السد.