من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

نبش الجيف لن يأسس دولة


ما يعيشه السودانيين حالياً من ويلات جرّاء حرب ١٥ إبريل التي شنّت على الشعب السوداني يخبيء بين ثناياه الكثير من الأوجاع والآلام و التي صنعتها الانتهاكات الصارخة من قبل مليشيات الدعم السريع و التي ضربت الموروث السوداني من الأعراف و العادات و التقاليد التي كانت بمثابة الدرع الواقي للسودان منذ القدم.

إن المزيج النيلي الصحراوي السوداني قد شهد كثير من الهزات في حقب تاريخية سابقة ولكن كل ذلك لم يؤثر في جذور الترابط و أسّ العلاقات بين ابناء الوطن الواحد ولكن ولد احتقانات مجتمعية فتحت الباب أمام التدخلات الخارجية والتي كان جُل همها كيفية خلقها صراعات داخلية تفدي الي تفتيت اللحمة و الارض السودانية وذلك بضرب النسيج الاجتماعي و الذي في اعتقادي قد نجح الجزء الاول منه و هو نشوب الصراعات الداخلية و ما تبقي هو خططت التفتيت و التي هي قيد التنفيذ حالياً حسب القراءات للكثير من الباحثين و المختصين في قضايا القرن الإفريقي.

إن النزيف المستمر الذي تشهده الأمة السودانية منذ فجر استقلالها عام ١٩٥٦م قد كان نتاج الصراع ما بين النخب السودانية وعلي إصرارها على عدم الالتفات إلي القضايا الأساسية و التي من شأنها أن تجعل السودان يزخر بالاستقرار بعد استقلاله’ لذلك كانت تفشل كل الجهود المبذولة و المبادرات في خلق اصطفاف موحد تجاه تشييد بناء المشروع الوطني القادر علي إدارة التنوع السوداني من قبل النخبة السودانية و التي كانت تعاني من الصراعات الجوفاء التي جُل همها كان أقصى الاخر و معاقبته و التفرّد بالسلطة و الثروات لكي يصبح صاحب السلطة المطلقة دوننا عن الاخر هذا بدوره ادي الي عدم إتاحة الفرصة امام ولادة دولة ديمقراطية سودانية حقيقية ذات طابع سوداني خالص يؤدى لحل مسالة تداول السلطة وفقاً لدستور حاكم متوافق عليه يقوم علي حماية الدولة السودانية المدنية الحديثة و التي يتساوي فيها السودانيون في الحقوق و الواجبات.

إن تجنيب السودان السقوط في مستنقعات المخططات التقسيمية الهادفة الي تفتيته يتطلب العمل علي خلق وحدة صف تلقي بظلالها علي جميع المستويات في خلق توافق وطني شامل في كيفية الخروج من الأزمة الضاربة في جذور الأمة السودانية دون نبش الجيف التي ما تبقي منها إلًا ريحتها الكريهة و الذي يجب علينا كسودانيين تخطيه بالتركيز علي تأسيس البناء الوطني الداخلي لجعل حرب ١٥ أبريل نقطة تحول أساسية في تاريخ السودان باصطفافنا و تسخير كل قدراتنا لرفع أعمدة الدولة السودانية الحديثة. فإن البناء يحتاج تحمل و قدرات عالية علي تجاوز الكثير من الأوجاع للوصول إلي وطن معافى ومتماسك. ولذلك لابد من الدفع إلي خلق هذا الاصطفاف للتأكيد أن السودان بخير وفيه من الطاقات والقيادات القادرة علي تخطي كل العثرات و الوصول إلي التوافق المطلوب وفي حده الادني من قبل جميع الأطراف الفاعلة سياسيا وعسكريا ليتجاوز السودان هذه المرحلة التاريخية الصعبة للنهوض بهذه الوطن العملاق و بزوغ نجمه في كل المحافل الدولية.
القاهرة
١ فبراير ٢٠٢٥
محمد الحاج

اترك رد

error: Content is protected !!