• المهرجان حشد الأغلبية لفعل المسرح لعشرين دورة بلا انقطاع
• المهرجان واحدٌ من أدوات التحالف مع الاختلاف
• المهرجان ظل مُنفتحاً على الجميع قطريًا وإقليميًا وعالميًا وأضحى فريضة يستطيعها أهل المسرح
عُدت يا سادتي تلك الأيام للبقعة المباركة منها (تونس) الخضراء، أشهد مهرجان (قرطاج) وانسق أول اجتماع لمديري المهرجانات العربية، بقصد التشاور والتفاهم في الكثير مِمّا يستحق النظر إليه بإمعان، لصالح المشهد الإبداعي العربي، كنت يومها أمينًا عامًا مساعداً للاتحاد العام للفنانين العرب ورئيساً لاتحاد الممثلين السودانيين، وأظنها دورتي الثالثة، وتلك حكاية أخرى.
عُدت يا سادتي وكلي أشواق للقاء الأحباب، كنا قد افتتحنا أول مسرح غير حكومي وقتها، (مسرح البقعة) في الربع الأول من تسعينيات القرن الماضي، ودور العرض المسرحية على قلتها في الوطن، لكنها تلعب أدواراً تتعاظم في تلك الأوقات في إحداث التغيير الممكن في مشهد الإبداع الوطني، رغم صعوبات، بعضها المشاق كان ممكن إزاحتها عن طريق الإبداع، ورغم عقود مضت، وكانت فرصا تغيّرها ممكنة لكنها أبت وتكلست وظلت جالسة بلا حراك، لكنها من تباعد أوساط المبدعين عن فكرة الشراكات المنتجة، وابتكار فكرة أو تطبيقات عملية، استحالت وأضحت لا تدفع في مسيرة الفنون الوطنية لتنهض بمسؤوليتها.
والبقعة المباركة (أم درمان) المدينة بتاريخها المضى زمنها تحيط بالمكان، وترجو الزمان أن ينتظر لتواصل مسيرة النجاح، وتعطي من اسمها بركات بها تتحقق فتوحات.
تلك أجواء ذاك الزمان والمبنى المستأجر ليكون (مسرح البقعة) به من النشاطات الكثير، نجلس فيه لنستمع لحوارات أولى حول حقوق الأداء العلني، وعنها مفاهيم في الملكية الفكرية، ثم قصائد وأشعار فاخرات تجعل من اسمها (البقعة) ملتقىً مباركاً للأفكار الأحدث. وبينها هذا والأغنيات العذبة، ننظر بفرح لعرض تمثيلي، رواية قصيرة. وتنتهي الأمسيات، والأسئلة تنداح ولا تنفك، تدفعنا للسؤال الأهم. ثم ماذا بعد؟؟.
ونحن أهل حركة الفنون التمثيلية، لا تجمعنا إلا لحظات الانتظار لعرض مسرحي جديد يُعيد من تحريك الساكن. والمكان موحش، والفكرة من (تونس) الخضراء تتكامل مع أشياء أخرى كانت هنا قبل سفري المتكرر للقاهرة، مقر الأمانة العامة لاتحاد الفنانين العرب، مكتبي فيها غير بعيدٍ عنها أوساط المثقفين والإعلاميين أهلها، وروحهم الحلوة، تتحلى بكل أشكال السماحة. وشارع (قصر النيل) يعج بالمُبدعين العرب، في زيارتهم للعمل، أو مشاركات في مهرجانات القاهرة الكبيرة، نعم ولعل أهمها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، نتشارك المبنى يوم كان المؤسس الراحل سعد الدين وهبة يرأس المؤسسة المصرية الأكثر عطاءً بين مواعين الثقافة المصرية العربية، وتشاركنا المبنى والمكان، نسافر معاً، والتقيه يومياً، ويوم انتقل إلى الرحمة الواسعة، وفي أصعب الأوقات، أصبحت رئيساً مكلفاً لإدارة شؤون الاتحاد والتحضير لانعقاد المؤتمر العام، وانتخبت يومها مع الراحل المقيم الدكتور فوزي فهمي أمينًا عامًا وهو الرئيس الثاني، وأمضيت هناك أكثر من ثلاث عشرة سنة، اتنقل بين عواصم العرب، التقي الملوك والرؤساء والمُبدعين، نمشي معًا سعيًا لتكون فرص الإبداع ممكنة.
يوماً سأكتب عنها تلك الأيام المزهرة من عند ديسمبر ١٩٨٦ والى العام ٢٠٠٨، يوم تركت منصبي أمينًا عامًا لصعوبة الجمع بين مسؤولية القيادة إقليميًا ودوليًا، وكنت قد اُنتخبت في مدريد ذاك العام نائبًا لرئيس الهيئة الدولية للمسرح ITI يونسكو.
أيامي الماضيات عُدت لها القاهرة الأحب، ودخلت مكتبي القديم، والتقيت بالحبيب مسعد فودة المخرج ونقيب السينمائيين المصريين ورئيس الاتحاد العام للفنانين العرب. جدّدنا الحوار للعمل المُشترك، وهو يقود الاتحاد بقوة، ويسعى بتعاون المُخلصين ليعود منظمة عربية قادرة على جمع المُبدعين، كما فعلت يوم عروض مسرحية (واقدساه). كتبها الأستاذ (يسري الجندي)، وإخراج (منصف السويسي) عليه الرحمة، ووقفنا خلفه نُساعد الدكتور والمخرج الكبير (عصام السيد) وشخصي من خارج الخشبة، ثم دخلت الخشبة مشخصاتياً كما أحب أن أكون وأهوى، وتحوّلت متفرج ممثل.
وطفنا مسارح العرب من القاهرة الى دمشق وعمان وبغداد، تلك الأيام فيها ومنها خرجت الفكرة الحلم، مهرجان للمسرح، وطني سوداني يجمع عليه صُنّاع الفرجة الوطنية.
قلتها للأحباب في جلستنا والدنيا صيف، والظل قصير، وكنت قادماً من (تونس) بعد أن سعيت مع آخرين من مديري المهرجانات العربية للتنسيق، ولا مهرجان دائماً لنا، كنت والأحباب قد سبق أن أوحت لنا تلك الأجواء مطلع تسعينيات القرن الماضي، أن نعلن ونؤسس لمهرجان الفرق والجماعات المسرحية الأول. ولم يأتِ الثاني، ثم (مهرجان نمارق للمسرحيات القصيرة) تجربة عندي والكثيرين فيها ما يستحق أن يُراجع، وينظر لها، تلك التجربة التي توقّفت بشكل مغاير الآن.
حكيت ما حكيت، واستمع الأحباب بفرح وغير ذلك مع الابتسامة مشى بعضهم بها ضحكة. وقلت نسميه (مهرجان ايام البقعة المسرحية).
وما خرجنا إلا وكنا متفقين، الاسم والموعد، وتركنا الفكرة بيننا تمشي للأحباب الشركاء في الحركة المسرحية الوطنية ويومها الرواد بيننا دعماً. ثم اخترنا اليوم العالمي للمسرح للافتتاح، السابع والعشرين من مارس، ومنها وتلك الليلة أصبحت موعداً ثابتاً للمسرح السوداني، مسرح من أجل التطوير والتنمية. نلتقي في الدورات الأولى على خشبة وفضاء (مسرح البقعة) سنويًا حتى انطلاق المهرجان وهو يبحث عنها الشراكات التي بها وفي الدورة الثانية عشرة أصبح بفضل صناع المسرح السوداني (مهرجان البقعة الدولي للمسرح).
تتلاقى في برامجه قارات العالم، وطافت لجنة الاختيار الوطنية والدولية عواصم الوطن تختار العروض للمسابقة الدولة.
دهليزي هذا يحتفي بالفكرة والتأسيس في المهرجان، أو كما قلنا ونحن نحتفي بانتقال حالته من القطرية للعالمية إنه المهرجان.
(حشد الأغلبية لفعل المسرح السوداني، هو المنتهى الذي نسعى إليه، فلتكن البقعة واحدة من أدوات التحالف مع الاختلاف، وهي الفريضة التي يجب أن يستطيعها أهل المسرح).
في دهاليزي القادمة نُوثِّق للمهرجان في دوراته العشرين الماضية، الوثائق حاضرةٌ، بعضها محفوظٌ في مؤسسات وطنية وإقليمية ودولية. وأودعت يوم ذهبت لمحاضرتي في مكتب (الكونغرس الأمريكي – واشنطن) بعضها، لأنها كانت جزءاً منها.
(أثر التصوف عَلى المسرح المعاصر)
ثم نعرض العروض في المسابقة التمهيدية بالولايات، المسابقة الدولية، المُلتقى الفكري جلسات النقد التطبيقية (خيمة البقعة)، النشر والمطبوعات، التكريم، شخصيات المهرجان من المسرحيين، رؤساء شرف المهرجان، الكُتّاب، المُمثلين، المخرجين، النقاد والباحثين، الفنيين، العمال المهرة، العلاقات العامة والدولية، المؤسسات، الشركاء، الداعمين، الضيوف الوطنيين، الضيوف من أنحاء العالم، ورش التدريب والتأهيل العلمي والمهني، مكتبة البقعة، المهرجان والمسرح الوطني، المنظمة تحتوي الكثير محفوظ بشكل علمي ومهني والحمد الله.
ثم البقعة في دورتها الواحد والعشرين قادمة وتعمل الآن الهيئة المديرة لتنظيم مؤتمرها الإعلامي، لإعلان التفاصيل.
كل عام وأنتم بألف خير، وبقعة قادمة مباركة إن شاء الودود.
نعم مايو غير بعيد.