
الأمريكي المقصود هو [جورج إنجلش] الذي صحب حملة محمد علي باشا علي السودان بقيادة ابنه إسماعيل عام 1821 .
كان جورج إنجلش مستشارا عسكريا لقائد الحملة وقد سجل يومياته عن تحركات الجيش الغازي – منذ ان غادر حلفا وإلي ان وصل سنار - في كتاب بعنوان : (قصة الحملة علي دنقلا وسنار) أصدره عام 1823 في بوسطن بالولايات الامريكية وقد وفقني الله إلي ترجمته لأول مرة إلي العربية عام 2006.
وصف إنجلش في يومياته المناطق التي مر بها الجيش ، وصوّر حياة السكان وهيئتهم وعاداتهم وتقاليدهم وادلي بإفادات طريفة عن كل ذلك ، نقتطف منها في هذه الحلقة ماجاء في يومياته عن منطقة مقرن النيلين وما جاورها من السهول في الجهتين الشرقية والغربية.
يقول إنجلش عن الأرض التي تقوم عليها مدينة ام درمان الحالية ما يلي :
( كانت المنطقة الواقعةعلي الضفة الغربية للبحر الأبيض (يقصد النيل الأبيض) بورا وخالية من السكان وجميلة المنظر وذات تربة خصبة تترامي إلي مسافة مقدّرة غربا في اتجاه الصحراء. ويبدو أن هذه المنطقة – اثناء موسم الفيضان – كانت تتحول إلي جزيرة بدليل وجود قناة جافة في مؤخرتها خربتها المياه (لعله يقصد خور ابو عنجة الحالي) ، كما يلاحظ وجود آثار لأقدام وارجل أفراس النهر علي امتداد هذا السهل).
ويصف إنجلش المنطقة المقابلة لموقع مقرن النيلين فيقول :
(وصل الجيش إلي نقطة يقترن فيها النيل مع البحر الأبيض ، حيت حط رحاله. وحال وصولي إلي تلك النقطة نهلت من ماء النهر الذي أحسب أنني أول الافرنج الذين تذوقوا طعمه . وبمزيج من الفخر والابتهاج وقفت علي ضفة هذا النهر العظيم الذي مازال حتي الآن في عزلته المجيدة . ثم غرفت غرفة من مائه داعيا بالرفاهية لجمهورية الولايات المتحدة الأمريكية العظيمة الحرة ..ارض الأحرار وموطن الرجال الشجعان. )
ثم يدلي بمعلومة طريفة هي انه يعتقد أن النيل الأبيض ينحدر من الجنوب الغربي مما يرجح – في ظنه – بأنه فرع لنهر مجهول عظيم يحتمل ان تكون له صلة بنهر النيجر! ويقول ( إنني أعتقد أن الأمر هو كذلك.)
ويصف موقع منطقة المقرن الحالية فيقول :
( وبعد أن عبر الجيش البحر الأبيض ، عسكر في بقعة من الأرض يلتقي فيها البحر الأبيض مع النيل (يقصد النيل الأزرق ويكررها كل مرة) . ثم يقول إن مياه البحر الأبيض معتكرة وضاربة إلي البياض وطعمها يتميز بحلاوة متفردة . اما مياه النيل فصافية وشفافة ولكن طعمها غير مستساغ بالمقارنة مع مياه البحر الأبيض ، وهذا ماجربته بنفسي حيث اغترفت شربة من ماء البحر الأبيض أولاَ ثم مشيت مسافة مئتي ياردة إلي ماوراء نقطة التقاء النهرين ونهلت من ماء النيل فبدا لي ماؤه ثقيل الكثافة عديم الطعم. ) .
ويشير انجلش إلي النيل الأزرق عرضا (ويسميه أيضا : نهر بروس) فيقول إن عرضه يبلغ نصف عرض البحر الأبيض الذي يبلغ ميلا قبل نقطة التقائه بالنيل اما في ماوراء ذلك فيبلغ عرضه ميلا ونصف الميل.
إن هذه الفقرات المنتقاة مما سجله إنجلش في يومياته تكشف عن ان منابع النيل كانت مجهولة لدي الغربيين وان الذي كانوا يعرفونه منها لايتعدي التخمين المضحك ، إلي أن جاء محمد علي باشا بمشروع اكتشافها الذي كان كما يقول المؤرخون أحد الأسباب الرئيسة لفتح السودان.
..ونواصل.