الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

من الفاشر إلى بارا.. نساء تحت الاغتصاب

خالد محمد علي نائب رئيس تحرير ” الأسبوع ” المصرية

خالد محمد علي

شكلت جرائم الدعم السريع في مدينتي الفاشر في شمال دارفور، وبارا في شمال كردفان علامة فارقة في تاريخ النزاع السوداني-السوداني الذي اندلع في أبريل 2023، حيث رسمت الدماء المنهمرة في شوارع الفاشر خريطة للدماء والجثث التي تعكس وحشية وانتقام يصعب معها النسيان مهما طال الزمن، وبالرغم من أن عمليات الترويع هي استراتيجية متبعة من قبل قوات التمرد إلا أن القتل المفرط لم يستثني النساء باعتبارهن الحلقة الأضعف في كل النزاعات، وقد أثرت هذه الأحداث بشكل خاص على النساء السودانيات اللواتي يواجهن جرائم عنف واسعة النطاق من حيث الطابع الجنسي والإنساني والاجتماعي.

جرائم ضد المرأة

شهدت مدينة الفاشر تقارير موثوقة عن عمليات إعدام جماعي واغتصاب متعمد ضد النساء والفتيات، حيث تحدث شهود عيان عن إطلاق النار على الأطفال والنساء بطريقة وحشية قرب مباني مهمة مثل مستشفى الولادة السعودي، الذي شهدت مذبحة بشعة، حيث قتل المتمردون 460 امرأة وطفل، إضافة إلى جميع الأطقم الطبية والإدارية بالمستشفى، وهو ما اعتبرته منظمات دولية جريمة إبادة جماعية متكاملة، وجرائم حرب تستوجب القبض على مرتكبيها وتقديمهم للمحكمة الجنائية الدولية.

ووفقًا للتقارير الصادرة عن منظمات حقوقية وأممية، شنت قوات التمرد حملات انتقامية بحق المدنيين شملت الاعتقالات التعسفية ونهب الممتلكات، وممارسة الاغتصاب والعنف الجنسي ضد جميع النساء بما فيهن الأطفال دون العاشرة، إضافة إلى قتل النساء بعد اغتصابهن، وهو ما وثقته وسائل إعلام مصورة مختلفة.

وفي مدينة بارا بشمال كردفان، تم الإبلاغ عن حالات اغتصاب جماعي لعدد من النساء، إذ نقلت إحدى الجهات الإعلامية أن 11 امرأة تعرضن للاغتصاب وتم نقلهن إلى المستشفيات لتلقي العلاج.

كما أفادت تقارير أخرى أن عمليات الإعدام والإغتيالات تمت بأساليب متعددة ضد المدنيين وخاصة النساء اللواتي يرتبطن بأُسر ينتمي أحد أفرادها إلى الجيش السوداني أو تدّعي قوات الدعم السريع أنهن يتعاون مع الجيش.

تعد هذه الجرائم منهجية استراتيجية تقوم بها قوات التمرد بقصد إجبار المدنيين على الهروب من المدن التي تسيطر عليها وتوطين أسر بديلة عنها في إطار عملية التغيير الديموجرافي الموسعة التي تنفذها منذ إعلان التمرد في 15 أبريل 2023.

تدمير المرافق الصحية

تُظهر البيانات أنّ النظام الصحي في المناطق المتضررة من النزاع قد انهار تقريبًا، إذ خرجت من الخدمة أكثر من 80٪ من المستشفيات في هذه المناطق بعد تدميرها وقتل الكوادر الطبية والفنية بها، وتحويل عددًا منها إلى مقرات عسكرية للدعم السريع.

يُضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات وفيات الأمهات بسبب غياب الرعاية الصحية الآمنة والمرافق الطبية المناسبة، خاصة في ظل انهيار خدمات الإغاثة والرعاية الصحية في الفاشر ومنطقة بارا.

ومن المؤسف أن النساء المعرضات للاغتصاب والعنف يقعن في مواجهة خطورة نقص الوسائل الصحية الأساسية مثل النظافة الشخصية وإمدادات الصحة الإنجابية، مما يزيد من معاناتهن.

كما تشير التقارير إلى تفشي حالات سوء التغذية بين الأطفال والنساء الحوامل في هذه المناطق، حيث يجد سكان الفاشر ووحدات النزوح أنفسهم في مواجهة ارتفاع معدلات الأمراض المعدية نتيجة انخفاض الحصص الغذائية ومشاكل نقص المياه النظيفة، وتُعد الأرقام المعلنة حول عدد المغتصبات في الفاشر وبارا غير مطابقة للحقيقة لإحجام الكثير من النساء عن الاعتراف باغتصابهن خوفًا من وصمة العار التي تلاحق تلك النساء، ووفقًا لشهادات متعددة لنساء من الفاشر وبارا وغيرها فإن جنود الدعم السريع يهجمن على النساء كالوحوش الضارية ويطاردهن من بيت إلى بيت، ويلاحقهن إلى مخارج الهروب والنزوح ثم يقومون بقتلهن والتمثيل بهن بعد عمليات الاغتصاب.

الهروب الجماعي

أدت الأحداث الدموية في الفاشر إلى هروب جماعي من ويلات القتل والذبح والحرق والاغتصاب، حيث فرّ أكثر من 71,000 شخص في أسبوع واحد، مما زاد العبء على المناطق الآمنة مثل مدينة طويلة التي تستقبل العدد الكبير من النازحين، وتُعرف رحلة الهروب من الفاشر بأنها رحلة العذاب والموت، إذ يواجه النازحون، وخصوصًا النساء والفتيات، اعتداءات جسدية وجنسية أثناء سيرهم عبر المسالك الوعرة والصحاري الساخنة.

يذكر العديد من النازحين أن الطريق إلى برّ الأمان لا يوفر لهم سوى المخاطر المتزايدة من الابتزاز والاعتداء الجنسي حتى مع وجود جهود إغاثية محدودة في بعض المحطات، وتواجه النساء أيضًا مشاكل إضافية مثل دفع مبالغ مالية فادحة كفدية لضمان سلامتهن، وهو ما يفاقم من سوء وضعهن الاقتصادي والاجتماعي، حيث يتم الاستيلاء على مصوغات النساء وما يحملونه من أموال قليلة ومتاع، ويتركن في الصحاري يمشين بأقدام على أقدامهن يصارعن الرمال الملتهبة والعطش والجوع والذئاب البشرية التي تتربص بهن طوال الرحلة من الفاشر إلى منطقتي طويلة والدبة.

شهادات الناجيات من المحرقة

تحدثت الناجية «رشيدة» في أحد التقارير عن تجربتها المروعة عندما دخلت قوات الدعم السريع منزلها وأطلقت النار على أفراد عائلتها أمام أعينها، حيث قُتلت شقيقتها وفقدت الكثير من الأقارب.

وقالت إحدى الناجيات دون أن تذكر اسمها: «تم اغتصابي بعد إقراري تحت التهديد بحالتي الصحية التي تسمح لهم بذلك، وتناوب علي الأفراد بأعداد كبيرة، وفقدت الوعي معها لأكثر من مرة، وهو ما ترك أثر عميق وجرح غائر لا يمكن أن أنساه ما حييت».

وأفادت شهادات أخرى بأن رجالًا قُتلوا أمام أعين النساء بغرض فرض سيطرة المتمردين وإجبار المدنيين على دفع الفدية، حيث صاحب ذلك ترويع جماعي وتمزيق النسيج الاجتماعي للأسرة والمجتمع السوداني.

تصف العديد من النساء رحلتهن الطويلة التي امتدت لأسابيع خلال الصحراء، حيث خسرت بعضهن أحبائهن وفقدن قدرتهن على الاعتماد على الدعم الاجتماعي، وتمنت الكثير من النساء الناجيات الموت بدلًا من عن كل هذا العذاب الذي مورث عليهن تحت سمع وبصر المنظمات والمجتمع الدولي دون تقديم أي شكل من أشكال الإغاثة الإنسانية أو الدعم النفسي والحماية الأمنية.

دور المنظمات الدولية

أعربت منظمات دولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، عن قلقها البالغ من حجم الانتهاكات التي يتعرض لها النساء والفتيات في الفاشر وبارا، مؤكدين على ضرورة وقف فورًا كل أشكال العنف الجنسي والهجمات غير المبررة على المرافق الصحية.

وقامت الأمم المتحدة بتوجيه تحذيرات حادة لوقف هجمات قوات الدعم السريع على المستشفيات والمراكز الإنسانية، مع الإشارة إلى أن استخدام التجويع كسلاح حرب يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.

كما تدعو منظمات حقوقية إلى فتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية وتوفير الحماية اللازمة للنازحين والناجيات، مع التركيز على ضرورة إنقاذ المستشفيات والأنظمة الصحية ومكافحة تفشي الأمراض والأوبئة في ظل الاعتداءات المستمرة من قبل المتمردين على حقوق المدنيين في الصحة والعلاج والحماية والبقاء على قيد الحياة.

اترك رد

error: Content is protected !!