الرواية الأولى

نروي لتعرف

الكتلة الحرجة / ود البلد

من الشراكة إلى التهديد: الإمارات كعامل زعزعة مباشر للأمن الوطني السعودي

في السياسة، لا تُقاس العلاقات بما تحتويه البيانات المشتركة، بل بما يُفعل في ساحات الصراع. وما كشفته تطورات شهر ديسمبر ٢٠٢٥ هو أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات خرجت من نطاق “الخلافات القابلة للإدارة”، ودخلت مرحلة أخطر: مرحلة التهديد المباشر للأمن الوطني للمملكة.
البيان الذي أصدرته الحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا، والذي طالب بانسحاب فوري للقوات الإماراتية من اليمن خلال ٢٤ ساعة، عقب استهداف شحنة أسلحة إماراتية في ميناء المكلا، لم يكن تصعيدًا مفاجئًا، بل لحظة حسم. بيان سيادي واضح، يؤكد أن الرياض لم تعد تتعامل مع التحركات الإماراتية بوصفها اختلافًا داخل التحالف، بل خرقًا استراتيجيًا يمسّ الخط الأحمر للأمن الوطنى.

اليمن: حين يصبح الحليف الافتراضي خطرًا حدوديًا حقيقيًا:


في اليمن، تخوض السعودية معركة وجودية لحماية حدودها الجنوبية ومنع تحويل اليمن إلى منصة تهديد دائم. لكن الإمارات اختارت مسارًا آخر: دعم كيان انفصالي مسلح خارج إطار الدولة الوطنية اليمنية، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، وتسليحه وتمكينه سياسيًا وعسكريًا.
السيطرة التي فرضتها قوات المجلس الانتقالي، بدعم إماراتي مباشر، على حضرموت والمهرة، تمثل تطورًا بالغ الخطورة. الحديث هنا ليس عن خلاف سياسي داخلي، بل عن إعادة رسم لجغرافيا القوة قرب الحدود السعودية، وبقوة السلاح.
قصف شحنة الأسلحة في المكلا لم يكن حادثًا عرضيًا، بل رسالة سيادية حاسمة: التحالف لا يشرعن الخيانة، والسعودية لن تسمح لأي طرف – مهما كانت صفته السابقة – بإنشاء واقع عسكري معادٍ على حدودها.

السودان: المشروع المليشياوى في مواجهة الدولة:

يتكرر النموذج نفسه في السودان، ولكن بصورة أكثر فجاجة. فقد انحازت الإمارات بشكل واضح إلى مليشيا الدعم السريع في حربها ضد القوات المسلحة السودانية، دعمتها بالسلاح والتمويل والغطاء السياسي، في مواجهة الجيش الوطني للدولة.
هذا الانحياز لم يكن خطأ في التقدير، بل خيارًا استراتيجيًا واعيًا، يقوم على: إضعاف الجيوش النظامية، تمكين المليشيات، وفتح الطريق للسيطرة على الموانئ والموارد.
بالنسبة للسعودية، يشكل هذا المسار خطرًا مباشرًا: فوضى سلاح، تهديد لأمن للبحر الأحمر، واحتمالات تمدد عدم الاستقرار إلى عمقها الاستراتيجي الغربي.
الفرق واضح بين النهجين: السعودية دعمت الدولة الوطنية، والإمارات دعمت و لم تزل تدعم المليشيا القبلية.

أرض الصومال: تطويق البحر الأحمر من الجنوب:

في القرن الأفريقى، تواصل الإمارات السياسة نفسها بدعم “أرض الصومال”، الإقليم غير المعترف به دوليًا، وتحويل ميناء بربرة إلى منصة نفوذ عسكري واقتصادي.
هذا التحرك لا يهدد وحدة الصومال فحسب، بل يفتح ثغرة خطيرة عند باب المندب، أحد أهم شرايين الأمن الوطني السعودي والتجارة العالمية. مرة أخرى، تختار أبوظبي الاستثمار في التفكيك بدلًا عن دعم الدولة الوطنية، وفي فرض الأمر الواقع بدلاً عن دعم الاستقرار الإقليمي.

ازدواجية المعايير: براجماتية بلا خلق سياسي:

هنا تتضح القاعدة الحاكمة للسلوك الإماراتي في المنطقة: المصلحة المجردة بلا التزام سياسي أو أخلاقي. تدعم أبوظبي المليشيات حين يخدمها التفكيك، كما في اليمن والسودان، حيث تعكف على إعادة تشكيل الجغرافيا عبر قوى مسلحة موازية للدولة. وفي المقابل، تدعم الأنظمة حين يخدمها التطبيع، كما في سوريا، حين تتحول البراجماتية إلى أداة نفوذ سريع، دون اكتراث بثمن ذلك على الاستقرار الإقليمي.
هذه ليست مرونة سياسية، بل ازدواجية انتقائية فى المعايير تُنتج الفوضى ثم تتبرأ من نتائجها، وتزرع الألغام ثم تطالب الآخرين بإزالة الركام.

الخلاصة:


ما يجري اليوم ليس خلافًا عابرًا، بل صدام رؤيتين:
•الرؤية السعودية: دول مستقرة، جيوش وطنية، سيادة واضحة، وأمن إقليمي يقوم على الدولة لا المليشيا. • الرؤية الإماراتية: نفوذ بلا سيادة، موانئ بلا دول، وقوى مسلحة تؤدي وظيفة ثم تُترك للفوضى.
البيان اليمني المدعوم سعوديًا لم يكن تهديدًا، بل إعلان حدود. وإشارة واضحة بأن مجال المجاملات ينتهى عندما يُمسّ الأمن الوطني.
التاريخ لا يتسامح مع من يظن أن النفوذ يُبنى على أنقاض الدول، ولا من يخلط بين البراجماتية والعبث الاستراتيجي. والمنطقة، التي دفعت ثمن المليشيات طويلًا، لم تعد تحتمل مزيدًا من المقامرات و المؤامرات.

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!