الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

من الراس إلي الكراس )٤)

عبدالله حميدة



من الاساتذة الذين كان لهم تاثير كبير علينا خلال المدرسة الوسطي ، الأستاذ فؤاد احمد عبد العظيم مدرس اللغة العربية.
تميزت شخصية هذا الأستاذ الجليل بأبعاد ثلاثة:
● خلفية أكاديمية ذات مثابرة وشغف بالتحصيل.
● اهتمام عميق بنشر الوعي وتوسيع الآفاق المعرفية للتلاميذ.
● ملكات إبداعية في كتابة الرواية .
اما خلفيته الأكاديمية فقد كانت تعبرعن شخصية عصامية جمعت بين كونه طالبا جامعيا ومعلما في ذات الوقت ، إذ أنه كان ينتسب مساءَ إلي جامعة القاهرة – فرع الخرطوم ، طالبا بكلية الآداب بينما كان يزاول مهنة التدريس في مدرسة الخرطوم بحري الأميرية الشرقية التي انتمي إليها جيلنا في ستينات القرن الماضي.
كان الأستاذ فؤاد يمثل جيلا من المعلمين الذين جمعوا بين الدراسة والتدريس مثله مثل اقرانه المنتسبين لنفس الجامعة الذين كانوا يشتغلون في دواوين الحكومة كتبة ومحاسبين ..كان جيلا مجتهدا وجادا ومسؤولا.
وبرغم هذه الصفات الاستثنائية التي ميزت استاذنا فؤاد واقرانه ، إلا ان قطاعا من المجتمع لم يكن بمستوي الوعي الذي يمكنه من ادراك قيمة تلك الصفات البناءة.
كان بعض رؤساء جيل الاستاذ فؤاد ينظرون إليهم بشيء من الغيرة وربما الحسد إذ ان مرؤوسيهم هؤلاء سيكونون غدا في حكم رؤسائهم تبعا لتاهيلهم الاكاديمي الذي يضعهم بعد التخرج في درجات وظيفية تتجاوز -بحكم قانون الخدمة العامة ولوائحها – الوضع الوظيفي الذي كان يتدرًج في نطاقه اؤليك الرؤساء.
اما اقرانهم في الجامعة الحكومية الوحيدة – حينئذ – جامعة الخرطوم فقد اتخذ موقفهم منهم منحي اخر لا يخلو من مناكفة وطرافة و(مكاواة) ..كان بعضهم يسمي جامعة القاهرة الفرع: (اين تسهر هذا المساء ؟) ، وبعضهم يطلق عليها : (فريع البان.) وصفات اخري كان يتداولها انداد اؤلئك العصاميين.
اما الجهات الرسمية فقد كانت لها سياسة تجاه خريج الحقوق المنتسب الي جامعة القاهرة – الفرع ، إذ كان عليه ان يجلس لامتحان يعرف ب : امتحان المعادلة الذي كان يفرض علي غير خريجي القانون من جامعة الخرطوم مما كان يسبب توترا واحتجاجات مستمرة ادت – لاحقا – إلي صدور قرار بجلوس جميع خريج القانون من كافة الجامعات لامتحان يعرف ب : “امتحان مهنة القانون”
واما شغف الاستاذ فؤاد ببث الوعي بين التلاميذ فقد تمثل في التشجيع العملي للتلاميذ علي القراءة من خلال مبادرة رائدة قام بها لتنظيم غرفة للإطلاع علي الصحف اليومية التي كان يشتريها من حر ماله . ولم يكن هذا العمل يتعارض مع ( جدول الحصص) لان غرفة القراءة لم تكن تفتح إلا خلال (فسحة الفطور.) ورغم ذلك فقد وجد استاذنا عنتا من ادارة المدرسة التي رأت في نشاط الاستاذ فؤاد خروجا علي التقاليد المدرسية المتوارثة التي لاتخلو من جمود.
واما ملكاته الابداعية فقد كانت عجبا ، إذ انه برغم اشتغاله بالتدريس طوال النهار وانتظامه في قاعات الدراسة الجامعية طوال الليل ، استطاع ان يقتحم الكتابة في مجال الرواية. فالًف روايتين احداهما بعنوان ” ابراج الحمام” والاخري بعنوان : (بكاء علي التابوت) كنا نفخر بان مؤلفهما هو استاذنا عيانا بيانا.من عجب ان نقادنا في مجال الادب لم يلتفتوا لهذه الظاهرة الادبية ولا يذكرونها حين يستعرضون تاريخ الكتابة الروائية الحديثة في السودان.
رحم الله استاذنا فؤاد احمد عبد العظيم ، انموذج المثابرة والتنوير والإبداع.

اترك رد

error: Content is protected !!