الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

من الراس إلي الكراس (٣(

عبدالله حميدة



تظل ذكريات ايام الطلب من اعز ما تختزنه الذاكرة من احداث وقصص واشخاص .
ويشغل المعلمون مساحة واسعة في تلك الذاكرة لما لهم من تاثير وجداني وانطباعي وعقلي ومعرفي وتربوي علي طلابهم.
في ذاكرتي اسماء واخبار لعدد من الأساتذة الذين تلقينا العلم علي أيديهم في مختلف مراحل ما قبل الجامعة ، أتوقع ان تثير في نفوس مختلف الأجيال الإهتمام والمتعة لما يتمتع به اؤليك الأساتذة من حسن السيرة والشهرة التي اكتسبوها من خلال مكانتهم الإجتماعية ومقدراتهم العلمية وتنقلاتهم بين المدارس وتاثيرهم الممتد عبر الزمان والمكان.
أذكر من اساتذتي في المرحلة الأولية (الإبتدائية او مرحلة الأساس) الذين تميزت شخصياتهم بحسن التعامل مع التلاميذ واهتمامهم بزيادة حصيلتهم من المعارف الي جانب مواهبهم ومهاراتهم الفذة في مجالات عديدة خارج نطاق المنهج المدرىسي.
كان الأستاذ حسن عبد القادر بُلة إبن العيلفون العريقة يتابع مستوي تلاميذه أثناء العام الدراسي وخلال العطلات المدرسية فيجوب بدراجته الهوائية انحاء مدينه بحري ليتعرف علي مدي الالتزام بتوجياته التي املاها علينا قبل العطلة الطويلة ، فخلق بذلك علاقات بناءة معهم لم تنقطع عند انتقالهم الي المرحلة الوسطي بل هناك حالات لم تنقطع فيها علاقته بتلاميذه إلي ان توفاه الله. فمن يصدق ان هذا الاستاذ الجليل كان يتابع التدرج التعليمي لبعصنا حتي دخولنا الجامعة وتخرجنا فيها ودخولنا الحياة العملية. فلازلتُ اعتز بتواصله معي حتي بعد ان انتدب مديرا للمدرسة السودانية بتشاد اواخر سبعينات القرن الماضي.. من يصدق أنه ارسل اليً برقية تهنئة من انجمينا بمناسب دخولي البرلمان عام ١٩٧٨ ؟
وكان الأستاذ الحاج محمد احمد الأقرع (الذي كان مرشد فصلنا ) ياتي بدراجته من كوبر مبكرا ليتاكد من عدم تخلفنا عن طابور الصباح ثم اذا دخلنا الفصل جاء لنا باحدث اعداد مجلة (الصبيان) تلمع كما المرآة وتنبعث منها رائحة حبر المطبعة الذي كُنا نستنشقه كانه مسك اليمن ، فيوزعها علينا بقرش مؤجل ندفعه او لا ندفعه.
وكان الاستاذ عباس محمد عثمان الفنان التشكيلي والمسرحي وعازف الكمان الماهر يبهرنا بجمال خطه علي السبورة وبتقييمه لما نلوًن من اشكال علي كراسات الرسم. وان انسي لا انسي الدور المسرحي الذي مثله في مسرحية عرضت علي خشبة مسرح المدرسة الانجيلية كما لا انسي معزوفة ( النهر الخالد) لمحمد عبد الوهاب التي أداها باتقان فريد في إحدي ليالي السمر بالمدرسة.
..هذه نماذج مبهرة لاساتذة جيل متميز مازالت ذكراهم تطوف بالخيال..والقائمة تطول.

اترك رد

error: Content is protected !!