
تميزت الخرطوم الثانوية القديمة بنشاط تقافي واسع ومتنوًع كان يثير الدهشة لدي طلاب السنة الأولي الوافدين علي المدرسة والذين ما كانوا يعرفون مثله في المدارس الوسطي التي جاءوا منها . فباستثناء (الجمعية الأدبية) التي كانت تعقد مرة في الأسبوع ، إلي جانب ما كان يحفل به (يوم الآباء) من برامج ترفيهية شائقة كل عام ، لم تكن هناك كثافة وتنوع في النشاط الثقافي كالذي شهدوه بعد انتقالهم إلي المرحلة الثانوية.
عرف الطلاب الجدد لأول مرة جمعيات تهتم برفع المستوي الثقافي العام للطلاب وفقا لميولهم الذاتية واهتماماتهم الخاصة التي يجدون لها متنفسا في تلك الجمعيات يخفف عنهم أعباء الضغوط الأكاديمية الكثيفة ويخرجهم قليلا من صرامة المنهج المدرسي العتيد .
فالطلاب الذين يحبون الرياضيات ، يتجهون إلي جمعية الفلك التي تتيح لهم – ليلا – تامل الكواكب ونجوم السماء فيكتشفون عجبا انها (تحتفل بالقمر) فعلا ، كما قال شاعر الحقيبة صالح عبد السيد ” ابوصلاح” ، ثم يهيمون في ملكوت السماوات كما هام ، وكيف لا وقد اتاحت لهم هذه الجمعية أن يروا عبر التلسكوب عجائب السماء من النجوم والأفلاك عن قرب قريب : [وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ] : النحل١٢
والطلاب الذين يحبون علوم الدين والتاريخ والجغرافيا واللغات وآدابها ، يجدون من جمعيات هذه العلوم ما يرفد معارفهم الدينية والتاريخية والجغرافية واللغوية بإضافات جديدة.
اما أولئك الذين تستهويهم التجارب العلمية في الكيمياء والفيزياء والأحياء ، فإنهم يذهبون إلي المعامل لتطبيق ما تلقوا من دروس نظرية، تحت إشراف اساتذة عالمون حاذقون من امثال حسن عبيد الشايقي وجرجس محارب رزق والسكري الذي كان في عٌرفنا إ سما علي مسمي.
وكانت الجمعية الأدبية منبرا لصقل ملكات الطلاب في الشعر والنثر ، ومنتدي يستضيف الأدباء والمفكرين وقادة المجتمع . ولا تزال في الذاكرة تلك المحاضرة التي القاها الدكتور طه بعشر عالم الطب العقلي والنفسي في امسية حاشدة بطلاب المدرسة ، وتلك الليلة الشعرية التي اتحفنا فيها الشاعر حسن عمر الأزهري الشهير ب : [هري] بقصائده الضاحكة الطريفة…وغير ذلك كثير.
وهكذا تعددت الجمعيات وتراكمت المعارف كمًا ونوعا في هذا المعهد القديم العريق .
في الحلقة القادمة نتناول جانبا اخر من الأنشطة الثقافية التي اثًرت في خريجي هذه المدرسة واثْرت المجتمع برموز مبدعة في مجالي المسرح وفن الغناء.