
كان طلاب الخرطوم الثانوية القديمة يصلون إلي مدرستهم بوسائل انتقال متنوعة لاتخلو من طرافة . فأغلب الذين يسكنون وسط الخرطوم وجنوبها وشرقها ، وكذلك الذين يسكنون أحياء مدينة بحري ، يٌقبِلون علي المدرسة صباحا علي دراجاتهم الهوائية مع اختلاف في نوع ولون وعمر الدراجة .فاولاد حي المطار- الذين ينتمي آباؤهم إلي طبقة كبار الموظفين والعسكريين – يمتلكون دراجات جديدة انيقة من موديل (الرالي) الذي يتميز بعضه بلون احمر بديع ، بينما ياتي اولاد بحري والبراري والسجانة والحلة الجديدة والديم ، بدراجات اقل جٍدة وجودة لان أغلبهم كانوا من ابناء العمال والحرفيين وصغار التجار والمزارعين . وعندما تصل مواكب الدرجات إلي المدرسة ، تتجه إلي الناحية الشمالية حيث أعدت إدارة المدرسة مرابط لهذه الحمير الحديدية الذكية.
وكان هناك من ياتي بمواصلات مديرية الخرطوم بتذكرة لاتتعدي قيمتها القرشين ذهابا وإيابا كانت احيانا تشكل عبئا علي هذه الفئة من الطلاب الذين قد تضطرهم ظروف العودة مساء للمدرسة كي يزاولوا بعض الانشطة الإلزامية [ مثل التدريب العسكري. ] غير أن المدرسة – تخفيفا لهذا العبء – اتفقت مع مواصلات المديرية علي إصدار بطاقة ( ابونيه) شهرية قيمتها خمسة واربعون قرشا كانت بردا وسلاما علي الفئة المذكورة لانها توفر خمسة عشر قرشا هم في اشد الحاجة إليها ، فتامًل !
وهناك مجموعة صغيرة من أبناء مايعرف اليوم بشرق النيل ( الصحيح ان نقول : شرق النيل الازرق) كانت تلقي عنتا كبيرا في الوصول إلي المدرسة لانعدام خطوط المواصلات في تلك الناحية ، مما يضطرهم إلي ركوب (لواري اللبن) التي كانت تدخل الخرطوم قبيل الشروق . ويزداد الطين بلة في الخريف الذي هو اصلا طين ووحل فيتغيًبون او يصلون إلي المدرىسة متاخرين . وما وجدت في هذا المقام ابلغ من المقولة الشهيرة) باكر بجي الخريف واللواري بتقيف.).. ورحم الله اخانا وابن فصلنا ومهندس الطيران فيما بعد ، الذي كان ياتي من جهة “حطاًب” يخوض في الوحل حتي إذا وصل الفصل خلع نعليه عند الباب قبل ان يدخل علينا مستبشرا بسلامة الوصول.
فانظر يا هداك الله كيف كان هذا الجيل من طلاب ستينات القرن الماضي يكابد بالدراجات والبصات واللواري وسيرا علي الأقدام من أجل ان يجد موضعا تحت الشمس ..شمس العلم وشمس الأمل في غد أحسن ومستقبل واعد.