
عبد الله حميدة.
الخرطوم الثانوية القديمة ، تم إنشاؤها قبيل الاستقلال – ضمن عدد من مدارس ثانوية أخري في المديريات – لتلحق بركب المدارس الثانوية الثلاث الأولي في تاريخ التعليم بالسودان وأعني بها: وادي سيدنا وحنتوب وخور طقت.
قامت المدرسة في الجزء الجنوبي من مباني ماكان يعرف ب : “ثكنات الجيش الإنجليزي Barracks ” عقب جلاء هذا الجيش عن البلاد في منتصف خمسينات القرن الماضي. وقد امتلكت جامعة الخرطوم الجزء الأكبر من هذه الثكنات وحولته إلي داخليات لطلابها حملت نفس الاسم الانجليزي القديم كما امتلكت وزارة المعارف (التربية والتعليم لاحقا) ووزارة الصحة والجيش السوداني ماتبقي من تلك الثكنات.
ضم الجزء الذي خٌصص للمدرسة مبني من طابقين كان سكنا جماعيا للجنود إلي جانب عدد من المرافق الاٌخري التي كانت تضم مكاتب إدارية ومخازن للسلاح و(زنازين) خاصة بمعاقبة الجنود فتامًل ! وللمرء ان يعجب للعبقرية الهندسية التي استطاعت ان تعيد تشكيل هذا الجزء من الثكنات ليصبح فصولا دراسية ومكاتب للمدرسين ومعامل ومكتبة وغرفا للألعاب ومرافق اخري لهذه المدرسة العريقة.
ومن اسف ان هذا المبني التاريخي قد اختفي تماما منذ سنوات عندما طالته معاول الهدم واحالته إلي مجرد امتداد شرقي لشارع الجامعة ، ولا احسب ان احدا ممن تلقي تعليمه الثانوي بهذه المدرسة يمر بهذا الشارع دون يهيجه ما اهاج امرؤ القيس في مفتتح معلقته الشجية :
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل ،
بسقط اللوي بين الدخول فحومل.
تناوب علي ادارة هذه المدرسة – في ايامنا وعقب مؤسسها الأول الاستاذ محمد احمد عبد القادر – عدد من جهابذة النظًار هم:
- الشاعر عبد القادر إبراهيم(تلودي) صاحب قصيدة الحقيبة الشهيرة : [من بف نفسك يا القطار.]
*عبد الباقي محمد : ابن الهلالية التي هي في ذاكرة السودانيين الولود الودود. - محمد الغزالي السراج عالم الرياضيات الفذ الذي طبقًت شهرته الافاق.
وإلي جانب هؤلاء المديرين الرواد ، كان هناك أساتذة اجلاء يستحقون بجدارة مقالة من قال:
قم للمعلم وفًه التبجيلا …
كاد المعلم ان يكون رسولا.
هم كثرة كاثرة ولكني ساجتهد لانتقاء نماذج منهم يمثلونهم في غزارة العلم ورحابة الصدر وسعة الأفق ، فالف معذرة لقِصر اليد عن إدراك ما تهفو إليه البصيرة.
..ونواصل