اسامة عبدالماجد
¤ ما أشبه اليوم بالامس البعيد.. واشنطن تفرض عقوبات على الخرطوم ومليشيا (دقلو اخوان) المتوحشة.. تعيد مافعلته مع الانقاذ في تسعينيات القرن الماضي.. لكن البون شاسع مابين خرطوم الانقاذ، وعاصمة حقبة القحاته والاوباش.. لذلك أختلف جملة وتفصيلا مع من يقلل من العقوبات.. او من يذكر الرئيس البرهان ان يعتبرها تحت (جزمته) كما كان يردد المشير البشير.
¤ مرد تفاؤل البعض ان منظومة الصناعات الدفاعية التي فرضت عليها الادارة الامريكية عقوبات امس الخميس.. هي ذاتها المؤسسة الضخمة التي تاسست تحت ظل العقوبات ايام حكم المشير البشير.. مثلها ومجموعة جياد وسد مروي ومشروع استخراج النفط.. وغيرها من المؤسسات العملاقة التى قامت على اكتاف رجال مخلصين عملوا وسهروا الليالي من اجل (الوطن) لا (الوطني).
¤ تغلبت الانقاذ على العقوبات.. دون الحاجة للضغط على المواطن وظلت تدعم كل السلع والدواء والوقود والخدمات.. لخمسة عوامل رئيسة ،استوقفت الراحل جون قرنق عند قدومه للخرطوم واضطرته لتغيير خطته.. وهي وجود جيش مابتداوس.. وجهاز امن شرس وذائع الصيت يمتلك قوة ضاربة.. شرطة (زيرو) بلاغ ضد مجهول.. رئيس يتمتع بشعبية وحزب حاكم متماسك يعج بالقيادات الماهرة والماكرة في ادارة التفاوض والحوار.
¤ الان قارنوا بين العوامل الخمسة اعلاة والراهن.. وقبل ان يتساءل البعض حول ماهية الطريقة المثلى التي يستوجب على البرهان واركان حربه اتباعها للتعامل مع الامر.. يجب ان يدرك البرهان ان واشنطن غير راغبه في وجوده ولا قائد المليشيا الهالك وانها – اي ادارة بايدن – تريد من فرض العقوبات اضعاف الجيش وان لا يلحق الهزيمة بالمليشا المارقة.
¤ تريد واشنطن ان تنتهي المعركة بالتعادل.. بدليل تصريحات رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي.. الذي يقول : (لا حل عسكريا قي السودان ويجب وقف القتال فورا دون قيد او شرط).. كما ان خريطة الطريق الافريقية، (الملغومة) تنص على (استئناف العملية السياسية لاستكمال الانتقال السياسي الذي قطع بسبب الحرب).
¤ وتابعت مساء امس استضافة قناة الجزيرة لمنسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي.. الذي يصر على مساواة الجيش بالمليشيا.. وقال انهما يرتكبان عنفا غير ضروري.. وكلاهما يقتلان الابرياء ويرتبكان الفظائع ويجب محاسبتهما على سفك الدماء.. ويجب عليهما القاء الاسلحة فورا والعمل على الانتقال السلمي.. وختم كيربي حديثه بالعبارة الكذوبة (نحن الى جانب الشعب السوداني الذي يستحق الغذاء والدواء).
ذ¤ بالتالي على البرهان ان يدرك ان واشنطن والغرب الاوربي يريدان اعادة قحت للسلطة.. باعتبارها مجموعة سياسية هشة ولا تملك رصيدا سياسيا ولا جماهيريا.. لتحركها كيفما تشاء، وتحقق لها اجندتها.. التي بدا في تنفيذها بكل همة ونشاط عبد الله حمدوك ونصر الدين عبد الباري وبقية شلة قحت..
¤ حسنا.. يجب ان يمضي البرهان في ثلاثة مسارات في آن واحد.. ان يواصل سحق المليشيا المارقة ولو اضطر لاستخدام اي انواع الاسلحة المشروعة.. حتى يكون الجيش في موقف قوة.. حال عاد الى منبر جدة.. إسوة بما فعل المشير البشير عقب احتلال الحركة الشعبية الجنوبية لتوريت في 2003.. سحب وفد الحكومة من المفاوضات.. ولم يعود للطاولة الا بعد تحرير توريت كما تعهد للشعب السوداني.
¤ الطريق الثاني هو المسار الدبلوماسي.. بتفعيل وتقوية قنوات التواصل مع دولة فاعلة ومؤثرة في المشهد العالمي.. مثل روسيا ، الصين، فرنسا ، بريطانيا، المانيا وتركيا وقطر.. واسناد بعثتنا في نيويورك بقيادة السفير الهمام الحارث.. وكذلك اسناد بعثاتنا في جنيف وبروكسل (مؤسسات الاتحاد الاوربي) ..فيينا (حيث وكالات ومنظمات الامم اامتحدة) وفي اديس ابابا (مقر الاتحاد الافريقي).. ويجب اعفاء السفير جمال الشيخ الذي لم يحرك ساكنا منذ تعليق عضوية السودان في المنظومة الافريقية منذ اكتوبر 2021 حتى اللحظة.. وظلت سفارتنا باثيوبيا اكبر الثغرات التى اوتيت منها بلادنا.
¤ من الضرورة متابعة عمل سفراء السودان بالخارج، واعادة تقييم اداء البعثات.. وبهذة المناسبة يجب الاسراع في ترشيح سفراء جدد وملء المحطات الخارجية الشاغرة منذ فترة.. وانعكس ذلك بالسلب على اداء الدبلوماسية السودانية.
¤ اما المحور الثالث والاخير هو امنى اعلامي.. تسند مهمة ادارته لجهاز المخابرات.. لمتابعة ورصد الامبراطورية المالية لقائد المليشيا الهالك.. وكشف شركاته في عدد من دول الجوار والدول الافريقية وفي عاصمتين اسيويتين كبيرتين.. وفضح أسماء يتخفى وراؤها (دقلو اخوان)، ظهرت كالنبت الشيطاني في السنوات الاربعة المنصرمة.. اصبحت بين ليلة وضحاها من اثرياء الخرطوم.. وشركة الجنيد تم تجفيفها ولم تعد سوى مجرد لافتة.. المخابرات مطالبة بالعمل بجد في هذا الملف وتمليكه للاعلام الوطني المخلص.
¤ كما على البرهان الاستفادة من الاستراتيجية الامريكية القائمة على تدمير علاقة المليشيا الاجرامية بمجموعة فاغنر الروسية.. واستثمار هذا الملف لصالح موقف السودان.
¤ ومهما يكن من امر.. اي تهاون من القوات المسلحة وعدم الانتباه للمخطط الامريكي او التقليل منه.. وعدم الاستفادة من الوقفة الصلبة للشعب السوداني الى جانبها.. سيظهر (الحثالة) مجددا.