بسم الله الرحمن الرحيم
مليشيا الدعم السريع ودورها في تنامي الارهاب في افريقيا
فريق / حنفي عبد الله أفندي –
مدير مركز السودان لدراسات مكافحة الارهاب
مدخل
يحظى السودان بوضع مميز وفريد من خلال موقعه الجغرافي السياسي (الجيوبوليتيكي) وذلك على الصعيدن الاقليمي والدولي؛ كونه يشكل امتداداً لمنطقة القرن الإفريقي، التي تعتبر بكل المقاييس من مناطق العالم ذات الأهمية الاستراتيجية التي تتبارى الدول الكبرى في الحصول على المزايا والمنافع المختلفة لها, كما لم يغب السودان منذ تسعينيات القرن الماضي عن خارطة جيوبولتيك انتشار نشاط الجماعات الإرهابية خاصة (تنظيمي القاعدة، وداعش) وغيرهما.
وتكمن المعضلة الكبرى في ذلك لمؤثرات موقعه الجغرافي الحساس، إذ يشارك الحدود مع سبع دول معظمها غير مستقرة وذات هشاشة امنية, ويملك خطاً ساحلياً ممتداً على البحر الأحمر مما يضع الدولة في قلب بعض أكثر المناطق التي تعرف بانتشار للنشاط الإرهابي في إفريقيا والشرق الأوسط ، كما أن السلاسل الجبلية الممتدة بموازاة البحر الأحمر وبتضاريسها الوعرة, تعتبر مناسبة لإقامة معسكرات التدريب وتصدير الإرهاب من اليمن إلى القرن الإفريقي وصولا الى امتدادات الجماعات الارهابية في الساحل الافريقي .
سوابق إرهابية ومؤشرات نشاط
شهد السودان منذ الألفية الثالثة , محاولات جماعات إرهابية لتنفيذ اجنداتها والعمل على إيجاد موطىء قدم لها , ومن تلك المحاولات اجهاض الأجهزة الأمنية عام 2012م ما عرفت بخلية (الدندر) واعتقال عناصرها ، وهي تعمل على سفر مقاتليها إلى الصومال وليبيا والعراق وسوريا ومالي.ومن 2014 حتى 2018 , كانت عمليات استقطاب تنظيمي القاعدة وداعش طلاب جامعات سودانية، وطلابا سودانيين يدرسون في بريطانيا.وفي سبتمبر 2021 كانت مواجهة خلية ارهابية تابعة لتنظيم داعش في ضاحية جبرة، جنوب الخرطوم, مما أدى الى اشتباك مسلح معها اسفرت عن مقتل 4 عناصر من تنظيم داعش، رجلين وامرأتين من جنسية مصرية، ضمن 4 خلايا للتنظيم في (جبرة).
منذ بدء الحرب المدمرة التي فرضتها مليشيا الدعم السريع الارهابية في الخامس عشر من ابريل 2023م,كثف تنظيم داعش منشوراته الرقمية استنادا لضرورة استثمار الوضع في السودان والعمل على تنشيط الخلايا و البدء بتنفيذ العمليات ضد المتحاربين بهدف السيطرة على مواقع جغرافية يمكن ان تكون بداية وجود فعلي على الأرض ، والجدير بالذكر ان حدود السودان الممتدة والتي تتشابك مع دول يوجد فيها فروع لتنظيمي القاعدة وداعش ومنها حركة الشباب الصومالية، بالإضافة الى تنظيم داعش في تشاد والكونغو الديمقراطية ،و أيضا تنظيم داعش في غرب افريقيا ، كما أنه يمكن ان تستغل جماعات العنف والتطرف الموجودة في أفريقيا الفراغ الاستراتيجي في ظل الصراع الحالي في الانتشار وإعادة تمركزها داخل السودان، وقد يتحول السودان وفق ما يمكن توقعه انطلاقا من مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع , والتي هي خارج سيطرة الدولة , تكون مصدر خطر حقيقي للإرهاب في المنطقة بأكملها .
هذه المعطيات تشير ان السودان في ظل ظروفه الحالية سيكون منفذا وبيئة استقطاب للجماعات الإرهابية الامر الذي سيزيد من مجمل التهديدات الأمنية العابرة للدول سواءا على المستوى الداخلي او الإقليمي، مما يساعد في تكون مجموعات قادرة على تنفيذ هجمات كحرب العصابات وهذا يدلل على ضعف البيئة الأمنية التي يعيشها السودان في مناطق سيطرة المليشيا , وهي بطبيعة الحال خارج نطاق اشراف سلطات البلاد الرسمية ومؤسساتها الأمنية .
نظرة الجماعات الإرهابية لجغرافية السودان:
لأسباب عديدة تتعلق بالبيئة المواتية,والموقع الجيبولتيك , ظل للسودان مكانة خاصة في وجدان عدد من الجماعات والعناصر الإرهابية، وفي هذا السياق، تم رصد اهتمام “القاعدة” بالسودان في هذه المرحلة، حيث أصدرت دار نشر إرهابية، يعتقد أنها مرتبطة بالتنظيم، كتاباً يتألف من مقولات وكتابات المدعو “أبو حذيفة السوداني”، وهو منظر متطرف، حرص على توفير مبرر أيديولوجي للتحريض ضد السودان،فضلاً عن المبادئ التوجيهية والقواعد التي من المطلوب اتباعها من قبل الإرهابيين المحتملين.
اما تنظيم داعش هو الاخر لم يخف تطلعاته لإيجاد موطىء قدم في السودان, مع العلم ان الذين هاجروا من السودان الى العراق وسوريا وليبيا بلغ 70 شخصاً، الامر الذي يعزز فرضية انضمام افراد للتنظيم في ذروة الاحداث التي تعيشها السودان الآن، كما كثف التنظيم منشوراته الرقمية استناداً لضرورة استثمار احداث السودان والعمل على تنشيط الخلايا والبدء بتنفيذ العمليات ضد المتحاربين بهدف السيطرة على مواقع جغرافية يمكن ان تكون بداية وجود فعلي على الأرض.
ومن خلال التصور الاستراتيجي لتنظيم القاعدة، رغم ضمور مؤقت للأنشطة حاليا, يعتبر السودان الخيار المناسب الذي يمكن أن يربط أهم وأخطر فروعها في العالم، ونعني بذلك فرعها في شرق إفريقيا ممثلا بحركة الشباب الصومالية , وفرعها في الساحل ممثلا بجماعة نصرة الإسلام وفرعها في اليمن. أما بالنسبة لداعش، فإيجاد موطئ قدم في السودان يعني مزيداً من الربط بين ولاياتها في شرق ووسط وغرب وشمال إفريقيا. أي من الصعب لداعش والقاعدة أن تمضيا مشاريعهما في إفريقيا والشرق الأوسط إلى نهايتها المنشودة دون وضع اليد على السودان, أو على الأقل الحفاظ على وضعه السابق كمركز لوجستي وقناة عبور. وكل ذلك يجعل من السودان بوابة محتملة لربط محاور النشاط الارهابي المتشدد في شمال ووسط وشرق إفريقيا والشرق الأوسط.
المحفزات المواتية للجماعات الإرهابية في تداعيات الحرب في السودان:
هناك بيئة مواتية توفرت في السودان زادت رقعتها جراء الحرب المدمرة التي فرضتها مليشيا الدعم السريع الارهابية ,والتي يمكن توظيفها من قبل الجماعات والتنظيمات الارهابية , وتتمثل في حالة الفوضى والإضرابات والسيولة الأمنية والتي تشكلت في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع , ومع مؤثرات استهداف المليشيا بالتدمير الممنهج للبنية التحتية ومؤسسات الدولة الحيوية, والتي تفاقم تأثيرها على سلطة الدولة في مرافقها , وانشغال القوات النظامية في الحرب، وهو ما قد تجد فيه هذه التنظيمات الإرهابية فرصة لبلورة نشاطها ابتداءا من مناطق سيطرة المليشيا واستغلال الحدود الغربية خاصة , وجعل الجغرافية السودانية وما جاورها مساحة حركة لممارسة نشاطها.
وبطبيعة الحال ستنعكس حالة الفوضى هذه في امكانية تدفقات عناصر من المجموعات الإرهابية التي تنشط داخل قارة أفريقيا؛ وبالتالي يٌصبح السودان مرتكزا لجماعات العنف والتطرف، بحيث تأتيها هذه التنظيمات من مناطق الساحل والصحراء والقرن الأفريقي. و الأخطر من ذلك أن يتحول السودان الى مركز التقاء وتنسيق التنظيمات المتطرفة، وهو ما قد يُشكّل خطراً على أمن المنطقةأيضا , خاصةً في ظل حدود هشة للسودان مع دول الجوار , وغياب الحماية أو الرقابة فيها بشكل كبير , مما يساعد على تعزيز وجود الإرهاب في السودان وانتقال مخاطره إلى الاقليم ومنطقة الشرق الأوسط وقارة أوروبا.
وعلى هذا النحو تتبلور الظروف المناسبة من انعكاس حالة الفوضى بتولد بيئة مثالية مواتية ومحفزة لوجود التنظيمات المتطرفة ولنشاطها، فدائماً ما تبحث التنظيمات المتطرفة عن مساحات تتوفر بها معدلات عالية من الفوضى حتى تستطيع أن تمارس نشاطها سواء في تنفيذ عمليات إرهابية أو في تجنيد أتباع ومقاتلين جدد، او توفير ملاذات لخلايا نائمة , فإذا لم تجد الفوضى الأمنية فإنها تعمل على خلقها ليساعدها على التمدد، ولعل الحرب في السودان توفر هذا المناخ.
وهناك مؤثرات مخاطر انتشار السلاح , بفعل ما تم توفيره من عتاد حربي بمختلف الانواع دون ضوابط حيازات , حتى لدى الاطفال الذين وظفتهم مليشيا الدعم السريع , والاسواق المفتوحة لبيع مختلف الاسلحة بأبخس الاثمان في ما اطلق عليها اسم ( أسواق دقلو ) ضمن بيع منهوبات المواطنين , فضلا عن وجود اسلحة مسبقا قبل الحرب لدى المواطنين معظمها غير مقننة , يصل تعدادها الى أكثر من 8 مليون قطعة سلاح غير نظامية في السودان، وظهور دعوات الاستنفار إلى تسليح المدنيين لمواجهة الانفلات الأمني والاعتداءات على المواطنين من قبل اللجان المجتمعية, ومع الضوابط التي وضعتها القوات المسلحة للجهد الشعبي .
الا ان الخطر الأكبر يأتي من قبل مليشيات الدعم السريع، لعدم وجود ضوابط لديهم في تسليح المستنفرين , وكثافة توزيع مختلف الاسلحة لعناصر القبائل التي تماهت معها , ومخاطر الانشقاقات وغيرها, وهو ما يحمل في طياته مخاطر أمنية عديدة، إذ أن عملية تسليح المدنيين وانتشاره بدون ضوابط حاكمة , من شأنه تحويل الحرب لاحقا إلى نمط حرب الشوارع وتأجيج الفوضى الأمنية في البلاد ومن ثم إدامة الحرب ومفاقمة الأوضاع الأمنية السيئة التي قد تستفيد منها التنظيمات الإرهابية.
وبرزت مخاطر أمنية لها ما بعدها , وتتعلق بوجود أكثر من ثلاثين ألف خارج السجون ,من معتادي الاجرام والمحكوم عليهم بجرائم وصل بعضها للاعدام والسجن المؤبد, الى جانب الاف المنتظرين لاستكمال المحاكمة , حيث عمدت مليشيا الدعم السريع باطلاق سراحهم وتفريغ السجون , ووظفت الكثيرين منهم في القتال ونهب المواطنين ومؤسسات الدولة ، وهو ما ينطوي عليه أيضا مخاطر أمنية عديدة ,بامكانية توظيف التنظيمات الارهابية لهم , وحال عودة هؤلاء المساجين إلى ممارسة أنشطتهم الإجرامية أو الانخراط في العمليات الإرهابية في المجتمع مره آخري, بالتماهي مع رغبات وخطط التنظيمات الارهابية خاصة مع الانتشار المفرط للسلاح.
كذلك هناك مؤثرات الهشاشة الأمنية في المناطق الحدودية مع دول الجوار , ونشاط الهجرة غير الشرعية وأنشطة التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود وعصابات تهريب البشر. بالاضافة لموجات النزوح الكبيرة للمواطنين في السودان بسبب القتال سواء كانت موجات نزوح داخل السودان أو لجوء إلى دول الجوار، ففي مثل هذه الأوضاع تجد التنظيمات الإرهابية فرصة مواتية لاستغلال الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها هؤلاء النازحين في جهودها الدعائية الخادعة و الرامية إلى جذب أعضاء جدد.
وفي ظل هذه الظروف وباستغلال واضح للحاجة, قامت مليشيا الدعم السريع باستخدام المجموعات الرعوية، خصوصاً من القبائل الصغيرة المتواجدة في ولايات دارفور وكردفان في غرب السودان،والتي أصبحت تشكل حالياً حاضنه سكانية لهذه التنظيمات بعد أن تخلى هؤلاء عن مصادر ارزاقهم والتي تأثرت مسبقا بالظروف الاقتصادية, وتفاقمت عقب الحرب , فكان هؤلاء لقمة سائقة لتوظيفهم من قبل المليشيا , لأسباب تتعلق بتعظيم الأرباح.
تشير المعطيات التي تم ذكرها سابقا الى جملة من السيناريوهات المتوقعة من خلال السيناريو الأول,وهو يتمحور حول احتدام التنافس الرقمي بين تنظيمي القاعدة وداعش من خلال تكثيف الحملات الرقمية بهدف التجنيد والاستقطاب داخل السودان لتكوين خلايا تكون قادرة على تنفيذ عمليات في العمق الاستراتيجي للدولة.والسيناريو الثاني, يتجه حول عامل الموارد الطبيعية في السودان والاهم الذهب الذي سيزيد من أطماع الجماعات الإرهابية كونه عاملا للتمويل والذي يشكل بعدا اقتصاديا هاما للجماعات الإرهابية، الامر الذي سيساهم بضرورة السيطرة على الأرض للاستفادة من عامل الوقت.واما السيناريو الثالث فيشير الى الهجرة العكسية بمعنى انتقال عناصر من التنظيمين من خارج السودان مثلا من اليمن وتشاد وليبيا الى الداخل السوداني وقد يكون ذلك من خلال البر او البحر، الامر الذي سيشكل خطرا امنيا كون العناصر غير معروفة للأجهزة الأمنية.
معلوم ان الصراعات المسلحة على اختلاف دوافعها وأنماطها, تخلق حالة من السيولة السياسية والأمنية التي تنصرف إلى هشاشة الدول، إذ يترتب على اندلاع الأحداث في هذه الدول حالة من الفراغ الأمني والتي انصرفت بطريقة غير متوقعة على أمن الدول وترتب عليها صعود التنظيمات الإرهابية وتهديدها للأمن الإقليمي والدولي. وبتطبيق هذا الطرح على الحالة السودانية نجد أن السياق ليس بالبعيد، فمن المتوقع أن ينصرف المشهد في السودان إلى صعود التنظيمات الإرهابية عبر استغلال تصاعد الأحداث، وبالتالي قد يحمل هذا المشهد المتشابك جُملة من التداعيات المحتملة على الظاهرة الإرهابية، سواء على جغرافيا نشاطها أو على مسارات حركتها وذلك على خلفية الرؤية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية تجاه السودان.
توقعات تمدد ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف في الاقليم :
وفق ما تم تبيانه من دوافع ومحفزات لبلورة النشاط الارهابي من خلال توظيف مسرح السودان , يمكن القول أنه من المرجح على خلفية تدهور الأوضاع المستمر في السودان في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع،حدوث تمدد جغرافي للظاهرة الإرهابية سواء على المستوى الأفقي أو على المستوى الرأسي، لا سيما مع ارتباط منطقة شمال أفريقيا بالتفاعلات السياسية والمعادلات القائمة بالساحل والصحراء، إذ تشهد جغرافيا الأخيرة حالة من الاضطرابات السياسية والأمنية المنعكسة بصوره واضحة على تصاعد التهديد الإرهابي داخل الدول الواقعة في نطاقها الجغرافي الذي يجاور السودان. وعليه، يترتب على هذا المشهد جملة من التداعيات، يأتي في مقدمتها نجاح التنظيمات الإرهابية في تدشين حلقات ربط بين مناطق نفوذها الموجودة في القارة، وبالتالي اتساع النطاق الجغرافي للظاهرة الإرهابية، الأمر الذي ينذر بأن الإرهاب سيكون مؤثراً على مستقبل القارة كلها.
وفق سياقات التوقعات من المُرجح أن تستغل التنظيمات الجهادية الإرهابية خاصة في منطقة الساحل وشمال افريقيا تحقيق اختراق أمني يعيد لها “مجدها” السابق، باستغلال تمرد مليشيا الدعم السريع في السودان بتوفر مختلف الاسلحة والبيئة الهشة المواتية بتغييب قسري لمؤسسات الدول وتخريب بنيتها التحتية ووجود فاعل لعناصر مسلحة من المرتزقة وعتاة المجرمين وقطاع الطرق الهاربين من السجون , وما يشكله ذلك من مؤثرات اجتماعية و اقتصاديا وأمنية , كما يُتوقع ترسخ الوازع المحلي، على حساب العالمي، في العمل الجهادي، واستمرار التجنيد باعتماد الحاجة للدخل المادي، وليس القناعات الأيديولوجية.كما يُتوقع خلق ملاذات امنة للعديد من التنظيمات الجهادية الإرهابية خاصة في منطقة الساحل وشمال افريقيا وتنفيذ عمليات واسعة باستغلال الاضطرابات في عديد الدول الهشة والتي تعاني من تداعيات الانقلابات العسكرية وباستغلال لتفاعلات ومؤثرات تمرد مليشيا الدعم السريع , مما يفاقم الاوضاع ولمزيد من التوترات وعدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي بنسب مقلقة من النشاط الإرهابي وبتصنيف دولها ضمن الأكثر تأثراً بتداعياته.
كذلك يمكن ان تسعى التنظيمات الإرهابية إلى استغلال الأوضاع المضطربة في السودان من أجل تمويل نشاطها لا سيما تنظيم (داعش),وذلك على خلفية تراجع ميزانيته. وبالنظر إلى السودان فإنه يتمتع بموارد طبيعية متعددة، وبالأخص الثروات المعدنية، مثل الذهب الذي يُمثل مورداً مهماً يمكن أن تستغله التنظيمات الارهابية لتمويل نشاطها حال نجاحها في السيطرة على عدد من مناجم الذهب هناك، وذلك بالقياس على السيناريو الذي اتبعته التنظيمات الإرهابية في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إذ فرضت سيطرتها على الكثير من مناطق تعدين الذهب في هذه الدول على خلفية غياب سلطة الدولة المركزية.
وفقا لشواهد الحرب واستغلال مليشيا الدعم السريع لظروف تواجدها في مواقع استراتيجية للدولة كانت مكلفة بتأمينها, فقد استغلت انتشارها الجغرافي وسيطرت على مواقع الحدود الغربية,ومن المُحتمل أن يؤدي تصاعد الأحداث في السودان إلى سعي بعض التنظيمات الإرهابية الى استغلال تلك المناطق الحدودية وجعلها بؤر تمركز,وامكانية تهديد أمن البحر الأحمر لتحقيق أهدافها، إذ تقع الممرات الملاحية في دوائر اهتمام التنظيمات الإرهابية وذلك على خلفية توظيفها لتلك المناطق الحدودية والممرات في ضوء ثلاثة سياقات رئيسية, تتمثل في الحصول على موارد مالية، سواء عبر التجارة غير المشروعة أو عبر فرض الإتاوات على السفن, أو استغلالها كساحة لنقل العناصر والأسلحة, الى جانب تنفيذ عمليات تجاه أهداف بحرية عالية القيمة كالقواعد العسكرية البحرية أو ناقلات النفط.
كما لا يستبعد سعي تنظيم (داعش) للتمدد في السودان بهدف الاقتراب من البحر الأحمر رغبة في تعزيز موارده المالية أو نقل عناصره الإرهابية، لا سيما في ضوء عجزه عن التمدد في الصومال في ظل نفوذ حركة “الشباب” هناك. وبالتالي يمكن القول إن مآلات المشهد في السودان قد تنصرف إلى تهديد حيوي لأمن البحر الأحمر ما ينعكس على حركة التجارة العالمية.
ولا يغيب عن الأذهان توفر البيئة المواتية لتدفق المقاتلين من خلال ما تشكله تدهور الأوضاع في السودان من مؤثرات الحرب إلى تحولها لبيئة حاضنة لنشاط المقاتلين الأجانب، وتكمن خطورتهم في ضوء ثلاثة عوامل, تتمثل في ارتباط التنظيمات الإرهابية الوثيق بفواعل إقليمية ودولية لديها أجندات سياسية تسعى إلى تحقيقها عبر توظيفهم, و امكانية نقل التنظيمات الارهابية لخبراتهم التي اكتسبوها إلى مليشيات الدعم السريع, او تحويلهم لنمط الصراع , من صراع مسلح بين قوتين إلى نمط حروب العصابات، سواء على المستويين العملياتي والتكتيكي. وبالتالي ينعكس هذا المشهد على إطالة أمد الصراعات مع العمل على إفشال المحاولات التي تهدف إلى إنهائها.
من خلال المعطيات الراهنة , متوقع توفر البيئة المواتية للاحتقان وتمدد الارهاب الى دول الجوار مع احتمالات استمرار التشدد في جميع أنحاء مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال الفترة القادمة , وستعمل التنظيمات الارهابية على تعميق موطئ قدمهم الإقليمي وتوسيع عملياتهم وشبكاتهم نحو دول أخرى في غرب إفريقيا. ومن المتوقع أن يتصاعد الفراغ الأمني في المنطقة الحدودية بين الدول الثلاث، إذ يبدو أن المجالس العسكرية غير قادرة على سد الفجوة التي خلفها رحيل القوات الدولية في عام 2022. ومن خلال إعطاء الأولوية للرد العنيف، ستؤدي تصرفات الجيوش إلى تكثيف استهداف المدنيين والتوترات الطائفية، مما يسمح للتنظيمات بتعزيز شبكات التجنيد وتثبيت أنظمة حكم بديلة. ومع تشتيت انتباه المجالس العسكرية بسبب التحديات الداخلية، ستستمر الجماعات المسلحة في التوسع نحو مناطق جديدة، مما يخلق بؤراً ساخنة جديدة للتشدد، بما في ذلك شمال بنين وتوغو وجنوب غرب مالي وربما جنوب النيجر.
كما تواجه بوركينا فاسو، أعمال عنف إرهابية واسعة النطاق امتدت من مالي،و عمدت السلطات إلى مضاعفة أعداد المتطوعين في مليشيا الدفاع المدني لتصل إلى نحو 100 ألف كجزء من تعهد الرئيس الانتقالي إبراهيم تراوري باستعادة الأراضي التي استولت عليها الجماعات الإرهابية منذ عام 2015، والتي تصل إلى قرابة 40% من مساحة البلاد. ويمكن للجماعات المسلحة العنيفة استغلال الفراغ الأمني لبدء عمليات الحصار والاستيلاء في نهاية المطاف على بلدات كبيرة، وفرض سلطتها على مساحات واسعة من الأراضي في شمال مالي أو بوركينا فاسو. ويمكنها بعد ذلك استئناف حملة من الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين والمصالح الغربية في باماكو (مالي)، أو واغادوغو (بوركينا فاسو)، أو نيامي (النيجر)، كما حدث بين عامي 2015 و2018.
تذهب العديد من المؤشرات لتحليلات الخبراء , إلى أن الحرب في السودان تحمل بذور “حرب أهلية طويلة الأمد”، ما يرفع منسوب القلق من تمدد الحركات الإرهابية إلى السودان وعبور تداعيات ذلك التطور الحدود إلى دول الجوار، وهو ما يؤكده الخبير في الشئون الافريقية الدكتور تاج السر محمد عمر قائلاً: “لا شك أن التهديدات الإرهابية ستطال جميع دول الجوار الجغرافي للسودان، وأهمها مصر، وإثيوبيا، وتشاد، وليبيا، وإريتريا”، مضيفاً أن هذا التهديد “قد يطال دول القرن الإفريقي الأخرى”.
وحول التداعيات المحتملة لهذه التطورات، يوضح الدكتور تاج السر : “الإرهاب يخلق عدم الثقة بين دول الجوار، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى توتر العلاقات الإقليمية، والتأثير سلباً في المشاريع الاقتصادية المشتركة، وستتوقف حركة التجارة البينية بين دول الجوار”، مضيفاً أن “النشاط الإرهابي سيقف حركة التواصل الثقافي والمجتمعي بين دول الجوار، وبالتالي ستُعطَّل حركة النمو الاقتصادي والحضاري والثقافي بين تلكم الدول”.
وبجانب ما سبق فإنّ مساحة السودان الواسعة توفر عديداً من الميزات، “إذ إنها تمكن هذه الجماعات من المناورة والهروب والضرب في الوقت والمكان المناسبين، وتلقّي الإمداد بالأسلحة والذخائر والمتفجرات والأفراد وغيرها من ضروريات العمل الإرهابي”، فضلاً عن القدرة على “التدريب والتأهيل بعيداً عن مراقبة الدول والمنظمات المناهضة لها”.
من جانبها تؤيد الدكتورة نرمين توفيق .. الباحثة في الشئون الافريقية .. في تصريحها لـTRT عربي, عن جدية المخاوف من انتقال الحركات الإرهابية إلى السودان، “خصوصاً أنه يقع في منطقة وسط بين شرق إفريقيا حيث تنتشر حركة الشباب المجاهدين الإرهابية التابعة للقاعدة في الصومال، وأيضاً بالقرب من تشاد ومنطقة الساحل التي تنتشر فيها حركات تابعة لداعش والقاعدة وغيرهما”. و أن ما يجعل السودان عرضة لخطر الحركات الإرهابية أن الأخيرة “تستغلّ الغياب الأمني وانتشار الفوضى في الدول للانتشار بها، وهذا ما رأيناه في حالة ليبيا وسوريا وبعض دول غرب إفريقيا”.و أن “موقع السودان الاستراتيجي وموارده الهائلة يجعلانه مطمعاً للحركات الإرهابية كي تصنع موضع قدم فيه”.
وتذهب نرمين توفيق إلى أن “الخطورة على الإقليم لن تكون قاصرة على التهديدات الإرهابية التي قد تنشأ جرّاء الأزمة، وإنما من الصراع الحادث حالياً في السودان، مما يعني أنه لا بد من وجود حل سريع لهذه الأزمة”.وفي توضيحها للمعالم الأساسية لصياغة هذا الحل تؤكد الباحثة في الشؤون الإفريقية أنه “لا بديل عن الحفاظ على وحدة الجيش الوطني للسودان، فالجيوش الوطنية حينما تنهار يتبعها سقوط الدول، مع الأسف. لذا لا بد أن يعي جميع السودانيين هذا الأمر، وأن يغلِّب الجميع مصلحة وطنهم على المصالح الشخصية، وأن يكون للجامعة العربية والاتحاد الإفريقي دور فاعل في حلحلة الأزمة بشكل سريع يحافظ على أمن واستقرار ووحدة السودان”.
فيما تذهب دراسة لمرصد الأزهر يحلل تطور فكر التنظيمات المتطرفة في أفريقيا, تشكل مؤثرات حول توظيف الحالة الذهنية والمكانية لانبعاث التنظيمات الارهابية والمتطرفة الى السودان , أنه مع دخول القارة الأفريقية تسعينيات القرن الماضي تم فتح الباب أمام عوامل ومؤثرات ثقافية غريبة على الثقافة الأفريقية، الأمر الذي استغلته التنظيمات المتطرفة لتتسلل إلى داخل المجتمع الإسلامي في أفريقيا وتحت اسم “إحياء الدين والشرع”، بدأوا في تشويش عقول المسلمين، وهنا اصطدموا مع المجتمع الصوفي السائد ومع المؤسسات المدنية، عندها بدأ الشقاق والانقسام الذي كان اللبنة الأولى لظهور تيار العنف والتشدد في سبيل نشر أفكار تلك التنظيمات وأهدافها، وكان ذلك تحت مسمى الدفاع عن الإسلام ونشر رايته.
وإن الأمر داخل القارة الأفريقية في بدايته لم يعدو كونه تنظيمات محلية تنسب نفسها للإسلام، تحت مظلة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ألقت العولمة الحديثة ظلالها على القارة الأفريقية، ومع تطور وسائل التواصل وفَّرت تنظيمات إرهابية دولية مثل: “القاعدة” و”داعش” الدعم الأيديولوجي واللوجيستي لتلك التنظيمات المحلية في سبيل تقديم الولاء لها وإعلان البيعة؛ مما جعل تلك التنظيمات تستفحل في القارة ناشرة العنف والإرهاب في ربوعها، طبقًا لمؤشر الإرهاب والإحصائيات التي يقوم بها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف.”وتعد كل من حركة “الشباب” وتنظيم “بوكو حرام” و”متمردو تحالف القوى الديمقراطية” ضمن المجموعات الإرهابية الأكثر دموية في أفريقيا، وبإعلان الولاء لمثل هذه الشبكات الإجرامية العالمية أصبحت تلك التنظيمات أكثر قدرة على البقاء والانتشار، مع استغلال الروابط الاجتماعية بينها وبين بعض السكان المحليين، والتهديد والقمع لكل مخالف”.
من هذا المنطلق صارت تلك التنظيمات تتخلى عن الدعوة الفكرية القائمة على استقطاب العقول إلى ممارسة العنف لتطبيق أهدافهم،ولذا لا يستبعد استغلال البيئة المواتية من الحرب بالسودان,واتجاه هذه التظيمات السعى لبناء دولة تجمع أفرادها انطلاقا من السودان في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، اوالعكس بضم مناطق حدودية اوجعلها موطىء خلايا نائمة او مددا بالسلاح ..و بأن التنظيمات المتطرفة تستند في القتل باسم الدين على مفهوم “الفرقة الناجية”، ولعل ذلك يسوّغ رفض التنظيمات الأخرى وعدم التسامح معها. فقد قامت “بوكو حرام” باغتيالات شخصيات إسلامية تابعة لطوائف مغايرة لها، وأحرقت عددًا من المساجد، زعمًا منها أنها هي فقط الفرقة الناجية وما سواها كافر وهذا ما أعلنه صراحة زعيمها السابق “أبوبكر شيكاو” في فيديو شهير يكفر فيه كل الطوائف والفرق الإسلامية ويعلن أن جماعته فقط هي الناجية.
كما أن الاعتقاد لدرجة الهوس بفكرة معينة وهو ما تتسم به التنظيمات المتطرفة كان سببًا في ترويجهم لفكرة القتل باسم الدين، فعلى سبيل المثال نجد أن فكرتي الخلافة وعدم موالاة الكفار اللتين تروّج لهما التنظيمات المتطرفة كان لهما دائمًا مكانة راسخة في الفكر السياسي والديني السائد لدى تلك التنظيمات في إفريقيا منذ القرن التاسع عشر. وهذه الحيثيات متاحة بامكانية تنفيذ عمليات باغتيالات شخصيات مستهدفة سواء رجال دين او سياسة او حرق كنائس ومساجد , وامكانية استهداف الطرق الصوفية.
ولفت مرصد الأزهر إلى أن هذا التطور في فكر التنظيمات المتطرفة من أجل المحافظة على البقاء أدى إلى تخليها عن أيديولوجياتها الثابتة التي نشأت على أساسها، فنحن الآن أمام تغير من نظام مبني على أيديولوجيات قائمة على فهم خاطئ للشريعة إلى نظام قائم على عددٍ من الأنشطة الإجرامية والأعمال المخالفة للشرع تمامًا من باب الغاية تبرر الوسيلة. وان استمرار هذا الفكر البراجماتي للتنظيمات الإرهابية، وهذا التحول الإستراتيجي ينال من الخطاب الاستقطابي لتلك التنظيمات وتبريرها للعنف ومخالفة الشرع في سبيل تحقيق الغايات، الأمر الذي يصب في مصلحة القوى الناعمة التي تحارب الإرهاب من خلال الدعوة وتصحيح الأفكار والمفاهيم.
انعكاسات الحرب في السودان على السلم والأمن والارهاب الإقليمي
كما هو معلوم,يقع السودان وسط محيط من الدول الهشة التي تعاني من اضطرابات أمنية وسياسية،سقطت فيها أنظمة وتواجه مرحلة انتقال مستعصية بسبب التداخلات والصراعات العابرة للحدود،فليبيا لا تزال تكابد لعودة لحمة الدولة الواحدة من خلال ما تشهده من حالة انقسام سياسي وامني وعسكري واقتصادي بين طرفي الصراع , ووجود عدد من من المليشيات المختلفة الأجناس،وتشاد تعاني الانقسامات السياسية والقبلية, وتماهي حكومتها مع مليشيا الدعم السريع , مع توقعات تجدد الصراع مع المعارضة المسلحة التي تنتظر انعكاسات الانتخابات التي اعلنت فوز محمد كاكا , وسط شكوك بعمليات تزوير،أما دولة جنوب السودان فمنذ الانفصال لم تشهد استقرارا رغم اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة , مع بروز فصائل مسلحة خارج سلطة الدولة , بينما نجد إثيوبيا تغرق في اقتتال دائم ينتشر في عدة أقاليم فيها خاصة المتاخمة للسودان الذي لديها مئات ألاف اللاجئين فيه.
قامت مليشيا الدعم السريع بتجنيد ما يربوعن 150 ألف من المقاتلين الأجانب المرتزقة,جلبتهم من النيجر،تشاد , ليبيا، موريتانيا، مالي، إفريقيا الوسطى، نيجيريا، جنوب السودان وإثيوبيا وروسيا , وهو بمثابة تهديد دولي عابر للحدود في ظل توجس المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في دولٍ عديدة من مخاطر التهديدات الأمنية والارهابية النابعة من عودة هؤلاء المقاتلين إلى دولهم بعد اكتسابهم مهارات قتالية غير تقليدية, ويمكن انخراطهم مع التنظيمات الارهابية , في جرائم ارهابية مثل غسيل الأموال وتهريب السلاح والمخدرات و الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر , بجانب مهددات أمنية أخرى تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي.
هناك كثير من الشواهد لتداعيات ما ظلت تقوم به مليشيا الدعم السريع المتمردة خلال حربها في السودان وتأثير ذلك على الارهاب محليا واقليميا ، من خلال عمليات التعبئة الجماعية التي ظلت تقوم بها في تصعيد التوترات بين المجموعات العرقية والسياسية المختلفة، مما يؤدي إلى زيادة العنف والصراع. وقد تؤدي هذه الاعمال اللاأخلاقية إلى سلسلة من الإجراءات الانتقامية، وتنفيذ جرائم ارهابية مما يزيد من تفاقم الوضع , ولعل نذر ذلك باتت واضحة في إقليم دارفور المضطرب. الى جانب السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية التي يزخر بها السودان والعمل على نهبها. وتحقيق مصالح مادية تتعلق بإنعاش العصابات والمافيات المعنية بتهريب الأسلحة والإتجار بالبشر وغيرها من خلال إشعال فتيل الفوضى وانتقالها لدول الجوار.
إن استمرار مليشيا الدعم السريع في عملياتها الارهابية واستباحة مقدرات الدولة ومواطنيها و اطالة أمد الحرب لفترة طويلة قد يؤدي ذلك الى تفكك الدولة السودانية ,و الوصول الى مرحلة الفوضى الخلاقة , وحينها تنهار الدولة بكل مقوماتها وتصبح عاجزةً تماما عن حماية اراضيها وادارة مصالحها، وتلقائيا تتجه الدولة نحو الفشل وتصبح سيادتها مهددة, وتتحول الى ساحة لانخراط الخارجين عن القانون والتنظيمات الارهابيةالتي تدخل لملء الفراغ واستغلال البيئة الامنية المواتية, وان عدم الاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي في السودان لن يظل محصورا في داخلة، والارجح ان ينتقل سريعا الى محيطه الاقليمي، والذي يشهد ايضا بعض الاضطرابات السياسية والأمنية وتزداد احتمالية هذه الفرضية وصولا الى اضطرابات تعم دول الاقليم .
ولا شك ان الأوضاع المضطربة زمانا ومكانا هي البيئة المناسبة التي تتوالد فيها الحركات المتطرفة وتنشط في التوسع مستفيدة من هذه الحالة الأمنية كما حدث في دول الساحل وغرب إفريقيا. وإذ إن السودان توجد فيه وفي الدول المجاورة له حركات تمرد وفصائل معارضة مسلحة مع فاعلين خارجين يبحثون عن وكلاء محليين،فان هذه الحالة تدفع إلى تمدد تنظيمات منها داعش والقاعدة والمنظمات المحلية المتحالفة معها إلى هذه الدول،وذلك يفتح احتمالات انزلاق المنطقة بأسرها إلى الفوضى إذا تمكنت هذه الجماعات من استيعاب الجيل المحبط من ويلات الحروب وخاصة أن مليشيا الدعم السريع جندت في صفوفها أعدادا كبيرة من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من المحيط الإقليمي،وسيشكل هذا تحديا للإقليم وعموم القارة الإفريقية وليس السودان فحسب.
لذا , من المرجح أن تظل منطقة الساحل الإفريقي مركز ثقل للجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة. وسوف يستغل الإرهابيون هناك فشل وهشاشة الدول والمساحات غير الخاضعة للحكم، والتي تتميز بالحدود التي يسهل اختراقها، وضعف الأجهزة الأمنية والمجالس العسكرية الحاكمة. وستواصل الجماعات الجهادية، بما في ذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وولاية الساحل الإسلامية، وولاية غرب إفريقيا الإسلامية، العمل مع الإفلات من العقاب تقريباً، مستغلة فرصة عدم الاستقرار السياسي والأمني ووجود مساحات شاسعة غير خاضعة للحكم.
خلاصة وتوصيات:
تشكل البيئة غير المستقرة امنيا بعدا هاما للجماعات الإرهابية من حيث استثمار هذا الضعف الأمني الذي بدوره يعطي مساحة إيجابية لانتشار نشاط الجماعات الإرهابية وخاصة ان افريقيا في هذا الوقت تعيش ازديادا في العمليات الإرهابية في أماكن وجود هذا الجماعات بالتزامن مع انتشار ترويج الأسلحة من خلال الحدود وأيضا النازحين من هذا الصراع هم في دائرة التجنيد والاستقطاب لدى هذه الجماعات.
مؤكد، ان ظروف السودان مواتية لزيادة هذه المجموعات الارهابية وتيرة نشاطها وتوسيع دائرة أعمالها لأن المنظمات الارهابية تعمل في المناخات الملغومة والبيئات المتأزمة مثل ما يجري في عدد من البلدان لأن الاستقرار السياسي واستتباب الأمن وهدوء الأحوال يصعب معه نشاط اي اعمال معادية او نشاط تخريبي أو افعال تهدد الأمن القومي فاجواء الحريات تفضح وتعري المخربين والمتطرفين والإرهابيين والعكس صحيح, خاصة مع مؤثرات ظروف الحرب, تشكل ارضية خصبة ومناخ مواتي لنمو وصعود التطرف الديني والإرهاب والانشطة التخريبية والهدامة.
الاوضاع الراهنة بظروف الحرب تفتح شهية المتطرفين لفرض وجودهم وحضورهم في المشهد العام، لجهة ان البلاد تمر بظروف بالغة الدقة خاصة في مناطق سيطرة مليسيا الدعم السريع , علاوة على هشاشة الاوضاع وسيولتها وعدم صلابتها ,من أثر الحرب التي تدور في البلاد وما خلفته من آثار ،و كل هذه الظروف – غير الطبيعية – تفتح الباب واسعاً لحضور مشروع الارهابيين، ووجود مثل هذه المناشط الهدامة ووارد جداً وجود خلايا نائمة عديدة تنتظر ساعة الصفر والزمن المناسب وجاهزة ربما للانقضاض، فمثل هذه التحولات التي يمر بها السودان ستفرز العديد من التداعيات التي ستلقى بذيولها على جملة الأوضاع بالبلاد. وهذه الحيثيات متاحة بامكانية تنفيذ عمليات باغتيالات شخصيات مستهدفة سواء رجال دين او سياسة او حرق كنائس ومساجد , وامكانية استهداف الطرق الصوفية.
والتنظيمات الارهابية معلوم ان طبيعة أعمالها الهيكلية تتم عبر التشبيك والارتباطات ما بين (المكون المحلي) و (المكون الخارجي) واتصال الداخل بالخارج بمستوياته الإقليمية والدولية فبالتالي كل الدول تعتبر ان الارهاب والتطرف الديني ليس مهدداً محلياً وانما هو مهدد اقليمي ودولي نظراً لانتشاره في غالب بلدان العالم، فالارهاب يصنف كجريمة عابرة للقارات والحدود كالجريمة المنظمة مثل غسل الاموال، وتجارة وتهريب البشر ، تجارة المخدرات والسلاح وغيرها، فمثل ان هذه الجرائم تعمل كشبكات ومنظومات متراصة ومترابطة ففي المقابل مكافحة هذه الجرائم تتم عبر تعاون إقليمي ودولي نظرا لطبيعة وجودها الجغرافي.
وعليه وباعتبارات ان المآلات الخطيرة التي يفرضها الوضع في السودان من خلال النشاط الارهابي الذي تقوم به مليشيا الدعم السريع ومخاطرها في الارهاب وتمدده الى الاقليم والى مناطق اخرى , يستوجب من المجتمع الدولي في البدء الاعتراف علنا بان مليشيا الدعم السريع منظمة ارهابية من خلال كل الشواهد التي برزت بوضوح و التي رصدتها وسجلتها لجنة الامم المتحدة والعديد من المنظمات الاقليمية والدولية وقادة الراي والصحافة العالمية , وان يتحمل المجتمع الاقليمي والدولي وكل الدول الفاعلة مسئولياتهم بمخاطر هذه الجرائم لمليشيا الدعم السريع وامتداداتها خارجيا, وهو ما سوف ينعكس على حالة الأمن الإقليمي والدولي معًا. مما يستلزم دورًا إقليميًّا ودوليًّا لمواجهة الظرف الحالي وحجم التحولات المتسارعة داخل السودان والمخاطر التي تواجهه.
وما دون ذلك سوف يؤدّي إلى الاستمرار في صلف وجبروت هذه المليشيا ، بل سوف يكون مصدر قلق بالغ لكل دول العالم بلا استثناء، وهنا لا بدّ من أن يكون للأمم المتحدة والمجتمع الدولي دور في حسم المليشيا ومن يدعمها سواء بالسلاح والسند الدبلوماسي لمزيد من زهق ارواح السودانيين وتدمير البلاد . باعتبار ان الوضع في السودان بات خطيرًا ليس فقط على أمنه الداخلي، ولكن على الأمن الإقليمي وعلى كل دول العالم، فالصراع الأمني يفرض عددًا من التحوّلات سوف تصبُّ في صالح جماعات العنف والتطرف، ويصبح السودان ملاذًا آمنًا للإرهاب، و التنظيمات المتطرفة واستغلال ذلك ساحة للنشاط الارهابي وتمدده اقليميا ودوليا .
ان حالة الاختلال الأمني التي نتجت عن الحرب الدائرة في السودان والمخاوف من تطاول أمدها دفعت بعض الخبراء إلى الاعتقاد أن هذه الظروف تشكل “بيئة خصبة للإرهاب”، وهو ما يؤكده الدكتور تاج السر محمد عمر المهتم بقضايا القرن الإفريقي وحوض النيل قائلاً إنه “بلا شك ستعمل الحركات الإرهابية على التمدد في السودان، إذ إنه سيصبح بيئة صالحة لحركتهم”.,و أن هناك عديداً من العوامل التي تدفع نحو ترجيح مثل هذا الاحتمال، وفي مقدمتها “غياب سلطة الدولة وعجز الأجهزة المختصة (وزارة الداخلية وأجهزة الأمن الأخرى) وفق عوامل ومؤثرات الحرب , عن متابعة دقيقة كما كان في السابق لنشاط تلك الجماعات، إذ إن تلك الأجهزة ستكون منشغلة بالقتال للدفاع عن مقارّها وعن الدولة ككل”. و أن من العوامل المغرية للجماعات العنيفة للتمدد نحو السودان أن “موقع البلاد الاستراتيجي يمكنها من الوصول إلى الدول التي تستهدفها بسهولة ويسر”.
لذا لا بد للحكومات والشعوب بمزيد من التخطيط الجيد وتطوير إستراتيجيات مكافحة الإرهاب، وهذا ما يتطلبه الواقع لمزيد من الوعي والتحصين لمكافحة التطرف، وتتبع ورصد هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة في قارة إفريقيا، منذ نشأتها ومراحل تطورها مع تحليل العوامل والأسباب التي تؤدي إلى انتشارها وتمددها، ومحاربة محاكاة مليشيا الدعم السريع لما ظلت تقوم به التنظيمات الارهابية ، كقضية استغلال المرأة، وتجنيد الأطفال، ومشكلة المناطق الحدودية، إضافة إلى تفنيد الشبهات التي تروجها التنظيمات المتطرفة للتغرير بعقول الشباب مع الرد عليها ردًّا شرعيًّا يوافق صحيح الدين. وضرورة التركيز على تحليل الدوافع التي تقود الشخص للانضمام لمثل هذه التنظيمات المتطرفة؛ بنفس السياق الذي تلعبه مليشيا الدعم السريع من خلال استقطاب المرتزقة المقاتلين او التجنيد القسري للشباب المقاتلين عبر الاستنفار .
هناك العديد من الاجراءات ينبغى الترتيب للقيام بها عقب انتصار قوات المساحة ودحر التمرد وانهاء شوكته , في ظلمكافحة الجرائم الإرهابية التي يمكن مواجهتها من تراكمات أنشطة مليشيا الدعم السريع المتمردة , حيث أن يترتب أن تقوم مؤسسات الدولة المعنية باتخاذ جملة من الاجراءات صمن عدد من المحاور تتقدمها الأطر القانونية لمواجهة نشاط قوات الدعم السريع المتمردة, وفي هذا الصدد ينبغي السير قدما في اجراءات النائب العام حتى اكتمال اصدار النشرات الحمراء لكافة المتهمين واستردادهم عبر الانتربول الدولي دون مجاملة لأي دولة , ومتابعة اجراءات من يتخلف ويعيق اجراءات التسليم واتخاذ الاجراءات وفق تدابير الانتربول العقابية لاي دولة تنكص عن واجبها .
ومن الأهمية بمكان متابعة الأنشطة الاجرامية التي لم ترصد لكل ما قامت به قوات الدعم السريع المتمردة من انتهكات واعمال تخالف القانون ,,وأن تواجه بقوة بحزمة من الاجراءات القانونية والتشريعات التي تحظر ممارسات هذه القوات وتمنع وقوعها , واستمرار التفويض الممنوح للصلاحبات لاجهزة انفاذ القانون والقوات الأمنية لممارسة مهامها ، وتنظم إجراءات التفتيش والاعتقال، وتحديد العقوبات المناسبة للجرائم المرتكبة بواسطة الدعم السريع.
كما يجب أن تتخذ السلطات القضائية والقانونية والأمنيةإجراءات لتوسيع قاعدة تحقيقاتها بتشكيل لجان في الاحداث الارهابية والانتهكات التي جرت والكشف عن الجناة والمتورطين , ومواجهة المتسترين عنهم بجانب استمرار تحديد الخلايا الإرهابية التي لم يتم الوصول اليها وتعقب أفرادها، وضمان تقديمهم للعدالة.ويتطلب تنفيذ القانون في مواجهة الدعم السريع احترام حقوق الإنسان والحفاظ على سلامة المدنيين، وأن يتم تطبيق القانون بشكل عادل ومستدام، دون أي تمييز أو انتهاك للحقو ق وأن تقوم المسارات على مفهوم حكم القانون والشفافية، و تطبيق الإجراءات بطريقة موضوعية ومنصفة.
لقد افرزت مليشيا الدعم السريع وهي تعد لحربها الاجرامية ,اضطرابا كبيرا في تماسك المجتمع , وأحدثت شرخا واسعا عبر عمليات التضليل التي قامت بها وسط المجتمع وخاصة وسط بعض قيادات الادارات الاهلية في دارفور وكردفان , وادخلت الشباب في محرقة الحرب , مما شكل هدرا في القيم الوطنية و الهوية و المواطنة , كذلك تسببت جرائم المليشيا من نهب وسلب وترويع وقتل للمواطنين واغتصاب للنساء , وتدمير المستشفيات وندرة العلاج العديد من الامراض البدنية والنفسية وصولا الى الجنون , مما يتطلب قيام المؤسسات الوطنية وبالتنسيق مع المنظمات والهيئات المختصة الدولية منها والوطنية تكريس جهودها في اعادة التأهيل للمتأثرين بالحرب وجرائمها , في تخفيف أعراض الاحداث وتقديم برامج الدعم النفسي وتوسيع خدمات الارشاد والعلاج النفسي والبدني.
وينبغي تجاه هذا الأمر , العمل في اتجاهات رفع القيم الوطنية وربط النسيج الاجتماعي جهدا اجتماعيا واعلاميا من المهم أن تتولاه زمرة من العقلاء , وبدعم واسناد من الجهات المعنية بالدولة وتكون احد شواغل وزارة الحكم الاتحادي بالتنسيق مع الجهات المختصة بالدولة , وتوظيف منظمات المجتمع المدني .وان تندرج هذه المعالجات في سياقات مختلفة، بما في ذلك السياسة وعلم الاجتماع والتعليم ودور الثقافة والروابط الاجتماعية, باعتبار أن قيم الهوية الوطنية والمواطنة مكونات أساسية لمجتمع صحي ومتعافي وفعال ، لأنها تعزز التماسك الاجتماعي والتعاون ورفاهية افراده، ولابد ان يتعاون المجتمع ومؤسساته المدنية في ارساء وتعزيز قيم المواطنة كمبادئ واعراف توجه سلوك المواطنين داخل الأمة، وتشمل هذه القيم الديمقراطية والمساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان.
و الاتجاه لمزيد من التأهيل و التدريب لأفراد قوات الأمن المكلفين بمواجهة ارهاب قوات الدعم السريع وامتدادتها الاقليمية , كجزء من مسار تنفيذ القانون ويتضمن هذا التدريب تعليم المهارات اللازمة للتصدي للتهديدات الأمنية بطرق فعالة وفقًا للقوانين المحلية والمعايير الدولية. وصقل المهارات وتوسيعها للانخراط في متابعة الخلايا الارهابية و التعامل مع حالات الطوارئ وإجراءات حفظ النظام.. فضلا عن تعزيز وتطوير قدرات الأجهزة الأمنية في مجال التدريب على القتال في المناطق المغلقة بالإضافة إلى توفير كافة المعينات اللوجستية والمعدات والأسلحة اللازمة لتنفيذ المهام اخاصة بمكافحة الإرهاب.
و يعد تأمين الحدود ومنع تسلل المسلحين والمهربين ومعتادي الاجرام والارهابيين الذين انخرطوا للقتال بجانب مليشيا الدعم السريع من أهم الإجراءات في مواجهة نشاط ارهاب قوات الدعم السريع المتمردة. وتتضمن تلك الاجراءات دعم قدرات قوات الحدود الفنية واللوجستية وصرف حوافز تشجيعية , وتكثيف إقامة نقاط تفتيش وتطبيق إجراءات صارمة للتحقق من هوية الأشخاص والبضائع المارة عبر الحدود، والتنسيق مع دول الجوار لضبط الحدود ,بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا المتطورة وتقنيات المراقبة الجيومكانية في اعمال الرصد والمراقبة.
من المهم أيضا, التواصل والتفاعل مع المجتمع باعتبار ذلك ,أحد الأساليب الفعالة لمكافحة رواسب الأنشطة الارهابية لمليشيا الدعم السريع , ومتابعتها عبر بناء علاقات قوية مع المجتمعات المحلية خاصة في الولايات الحدودية والتعاون معها في تبادل المعلومات والتبليغ عن أي نشاط مشبوهة, وتوفير متطلبات التوعية التثقيف ورفع الحس الوطني للمجتمع حول خطر الإرهاب وامتداده وكيفية التعامل معه.
ومن البديهي أيضا , مواجهة الافرازات الارهابية لمليشيا الدعم السريع المتمردة بتوسيع وتعزيز التعاون والتنسيق الوطني بين الاجهزة الامنية والجهات القضائية والجهات الحكومية الاخرى المعنية حتى يحقق تبادل المعلومات والخبرات بين هذه الجهات أعلى مستوى من الفعالية في مكافحة الانشطة الارهابية الدعم السريع.
لاعتبار امتدادات الارهاب اقليميا ودوليا , لا بد من تفعيل التعاون الاقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب ,في مجالات تبادل المعلومات والتنسيق المشترك في التأهيل والتدريب ورفع القدرات للكوادر وتفعيل القوانين والدعم الفني , واقامة الورش والندوات المتخصصة وكلها مهمة وضرورية لتكامل الأدوار في النشاط الوقائي والمكافحة, ولذا بات من واجب الاجهزة المختصة في الدولة ومن بينها الاجهزة الامنية ووزارات الخارجية والعدل والداخلية التعاون والتنسيق مع الدول الاخرى خاصة دول الجوار , بالاضافة الى جهود المنظمات لاقليمية والدولية وتعزيز الجهود معها، بما في ذلك كل ما يتعلق بالسعى لاستكمال توصيف قوات الدعم السريع المتمردة كمنظمة ارهابية تشكل خطراً على الامن والاستقرار ا محليا وقليميا ودوليا.
=============================================================
المراجع :
1. د. ميسون احمد عبد العزيز : الحرب في السودان واثرها في تنامي الارهاب اقليميا.
2. فريق / حنفي عبد الله افندي :الخارطة الجيوسياسية لتوقعات الارهاب والتطرف للعام 2024م .
3. مرصد الأزهر – ١٣/١٣/٢٠٢٤: : تطور فكر التنظيمات المتطرفة في أفريقيا.
4. فريق / حنفي عبد الله افندي : الاعداد ,1, 2, 3, 4, 6. 8من اصدارة :دلالات وتداعيات تصنيف مليششا الدعم السريع منظمة ارهابية . مركز السودان لدراسات مكافحة الارهاب,