الرواية الأولى

نروي لتعرف

خليجيون / د. يوسف العميري

مصر وقطر.. عندما تنتصر الدبلوماسية العربية على صوت الحرب في غزة

الدكتور يوسف العميري

kuwait-house@hotmail.com

من واقع خبرتي في الحياة وما شاهدته طوال عقود ممتدة، أستطيع القول إننا نعيش زمنٍ تتشابك فيه خيوط النار والسياسة، وتغيب فيه لغة الحوار أمام دوي المدافع، ومع ذلك أبت مصر وقطر إلا أن تكتبا فصلا جديدا من فصول الشرف العربي، حين نجحتا بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في تحقيق ما ظنه كثيرون مستحيلا ألا وهو وقف الحرب في غزة بعد عامين من الدم والدموع.
هذه ليست مجرد هدنة عابرة بل لحظة فارقة في التاريخ العربي المعاصر، إذ امتزج فيها صوت القاهرة الراسخ بحكمة الدوحة، فخرج من بينهما نداء السلام ليعيد الأمل إلى شعب أنهكته المآسي.
لقد أثبتت مصر وقطر أن الخلافات السياسية مهما طالت، تتلاشى حين تتقدم الإنسانية والمصلحة القومية العربية، وأن العروبة ما زالت قادرة على أن تتوحّد حين يكون الهدف هو إنقاذ الأرواح ووقف نزيف الأبرياء.

لم يكن مشهد حشد القاهرة لعشرات الرؤساء والزعماء خلال فترة قصيرة حدثا عابرا أو بروتوكولا دبلوماسيا تقليديا، بل رسالة للعالم بأن مصر لا تزال كما كانت دومًا قلب العروبة النابض، ومنبرها الدائم في لحظات الحقيقة.
من قمة شرم الشيخ إلى اجتماعات القاهرة، بدت مصر مركز الثقل الذي لا يُستغنى عنه، الدولة التي تتحدث باسم المنطق وتتحرك باسم الضمير، وتضع أمن المنطقة واستقرارها فوق أي اعتبار آخر.

إن ما يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس مجرد سياسة خارجية، بل إعادة صياغة لدور مصر التاريخي، لتعود كما كانت دائما ميزان المنطقة وصاحبة الكلمة المسموعة في الشرق والغرب على حد سواء.
فالعالم لم يلتفت نحو القاهرة عبثا، بل لأن مصر تملك من القدرة والمصداقية والتاريخ ما يجعلها وسيطا طبيعيا وقوة سلام حقيقية، تحترمها كل الأطراف.
وفي الجانب الآخر، كانت قطر بقيادة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تلعب دورا تكامليا راقيا، جمع بين النفوذ السياسي والقدرة على التواصل مع جميع الأطراف المتنازعة.
ولم تكتف الدوحة بإدانة الحرب، بل تحركت على الأرض في قنواتها الدبلوماسية المعقدة، لتؤكد أن الدبلوماسية القطرية أصبحت رقما مؤثرا في معادلات الأمن الإقليمي، وأن صوت الحكمة لا يقاس بحجم الدولة بل بصدق النية وفعالية الفعل.
اللحظة التي التقت فيها الجهود المصرية والقطرية هي اللحظة التي انتصرت فيها العروبة على الانقسام.
فلم يكن النجاح وليد صدفة، بل ثمرة تنسيق هادئ وواعي أدرك أن القضية الفلسطينية ليست ميدانا للمزايدات، بل امتحانا حقيقيا للضمير العربي.
لقد قدّمت القاهرة والدوحة نموذجا نادرا في العمل العربي المشترك، حيث لم يتنازع الطرفان على الأدوار، بل تكاملت جهودهما ليصنعا معًا صفحة جديدة من تاريخ المنطقة.

اليوم ومع وقف الحرب في غزة، يعلو الأمل بأن تكون هذه الخطوة بداية مسار حقيقي نحو حل الدولتين، حيث يعيش الفلسطينيون بكرامة وأمن في دولتهم المستقلة، إلى جوار الآخرين في سلام عادل ودائم.
لكن مسؤولية إحلال السلام لا تتوقف عند فلسطين، بل تمتد إلى لبنان والسودان واليمن وسائر الأقطار التي أنهكتها الأزمات، فأمن المنطقة لا يتجزأ، ولا يمكن لشرق أوسط جديد أن يولد ما لم يعم فيه الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي.
لهذا أتمنى أن تتوحد جهودنا العربية والدولية، من أجل الوصول لحلول ناجعة، يمكنها وقف الحروب والصراعات في لبنان والسودان واليمن، لحقن دماء أبناء هذه البلدان الشقيقة.

وختاما أقولها بكل صدق، لقد أثبتت التجربة الأخيرة أن العرب حين يريدون يستطيعون، وأن التعاون بين العواصم العربية الكبرى هو الطريق الوحيد لاستعادة مكانتنا في العالم.
وقف الحرب في غزة ليس نهاية الطريق، بل بدايته.. بداية لشرق أوسط جديد تغلب فيه العقول صوت البنادق، ويعلو فيه منطق السلام على منطق الانتقام.
ومتى اجتمع القرار المصري والروح القطرية والمشاركة الفاعلة من الكويت والسعودية وعمان والإمارات والبحرين وباقي دول الخليج والشام وحتى دول المحيط دول المغرب العربي.. بل والإرادة العربية جمعاء، فلن يكون هناك مستحيل بل مستقبل يكتب بأيد عربية من جديد.
حفظ الله بلادنا العربية، والله من وراء القصد.

اترك رد

error: Content is protected !!