الرواية الأولى

نروي لتعرف

السودانيون هناك

مشاركة ملفتة للسودان بمهرجان “جرش” بالأردن برعاية السفير حسن صالح سوار الذهب

في مساءٍ حين تهرّبت الأضواء من أعمدة جرش القديمة وصمتت الحجارة لتُنصت… صعد السودان بكلّ أناقته وبرغم جراحهِ إلى المسرح.

فرقة محمد حسن البدري للفنون والتراث السودانية لم تُقدّم عرضًا بل أعادت ترتيب الألم على هيئة فن وحوّلت الحنين إلى حركة والوجع إلى إيقاع.

كانت الرقصة الأولى بمثابة نَفَسٍ أخير من رئة الوطن والموسيقى تنهمر كأنها صلوات منسية خرجت من أعماق النيل لتُغنّى في أرض الأردن.
وبينما كان الجمهور مأخوذًا بذلك السُكر السوداني الجميل صعد سفير جمهورية السودان في الأردن إلى المسرح لا كضيف شرف بل كجزء من القصيدة.
رفع يده، وصفّق ولوّح لجمهورٍ لم يكن يعرفه لكنه شعر بأنه واحد منهم.
في تلك اللحظة بدا أن السياسة تخلّت عن خطابها الجاف وارتدت عباءة الوطن.

السفير لم يكن مجرّد ممثلٍ دبلوماسي… بل بدا وكأنه يقول للعالم:

“هذا هو السودان الذي لا تروه في نشرات الأخبار… السودان الذي يرقص على الرماد ولا يحترق.”

الجمهور؟ لم يكن سودانيًا فقط. كان من كل مكان: فلسطين العراق، سوريا، تونس، لبنان، واليمن.
جاءوا بالصدفة أو بالفضول لكنهم بقوا بدافع الانبهار.
اندهشوا من جمال لا يحتاج إلى شرح من عزفٍ يُشبه البكاء ومن خطواتٍ تمشي فوق التاريخ بخفّة وكرامة.

العرض لم يكن فنيًا فقط… كان عرضَ بقاء …. كان وطنًا يقاتل بالموسيقى ويُعلن نفسه في زمنٍ لا مكان فيه للأوطان المتعبة.

حين انتهى العرض لم ينتهِ شيء.
بقيت الطبول تخفق في صدورنا.
وبقيت صورة السفير وهو يصعد إلى الخشبة كأنّه يصعد إلى ذاكرة بلاده
يُربّت عليها …. ويقول لها:
“نحن هنا… لا زلنا هنا”

اترك رد

error: Content is protected !!