∆ وسط مشاعر متداخلة بين الإشفاق على حال البلد وهو يئن وسط تعقيدات جمة لا يكاد المرء من فرط الذهول أحياناً أن يرى بعدها أفقاً مبشراً لحلحلتها، ومحاولات حشد الأمل الواجب (علي كل حال) حتى لا تقع النفس في فخ التطيُّر والإحباط المؤدي لتآكل الإيمان بالقدر خيره وشره، تدهمك فجأة لحظة سرور يمكنها أن تأخذك إلى جانب آخر من الواقع على الأقل فيه يمكن أن تأخذ نفساً عميقاً يجدد لك الأوكسجين اللازم لتغذية العقل لمحاولة التفكير من جديد وخارج تلك الصناديق البالية.
∆ وجدت لزاماً عليَّ أن أحتفي اليوم في هذه الزاوية ـ نيابة عن المجتمع الصحفي ـ بالعودة المؤقتة للكاتب الصحفي المميز والإعلامي المخضرم الأستاذ محمد محمد خير الذي وطئت أقدامه أرض الوطن قبل أيام بعد غياب ليس بالقصير، تخللته جولات التعافي والتصدي للمرض بكل ما يُعرف عن الرجل من عزائم وإيمان ، وحمدت الله و(صليت على النبي) وأنا التقي محمداً وهو بذات البشاشة وحلاوة اللسان وطلاقة التعبير واحتواء الكنوز والمعلومات عن أدق تفاصيل المشهد السوداني رغم وجوده بالخارج .
∆ في أحد ايام الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر في العام 2019 جمعنا وعدداً من الكتاب الصحفيين والأصدقاء ديوان محمد محمد خير بمنزله العامر دوماً بالجريف غرب، وكانت المناسبة الحافلة بالكرم (الفتيحابي) والأريحية استقبالاً واحتفاءاً بالكاتب الصحفي القادم من أستراليا محمد عثمان إبراهيم (مو) الذي كان قد ظفر لتوه بجائزة محجوب محمد صالح للكتابة الصحفية لذاك العام التي رعتها شركة دال ،، في تلك الجلسة المشهودة والموثقة صورة وصوت ـ بواسطة صائد الفرص النبيل وجدي الكردي ـ تحدث محمد محمد خير بإحساس دافق وتخلل حديثه بين فينة وأخري تساقط حبات من دمع عينيه (مفجوجة الرؤى) ، وتناول جوانب من بدايات لقاءاته وعلاقاته مع بعض الكتاب الصحفيين المميزين من حاضري تلك الجلسة أمثال المحتفى به وضياء الدين بلال وخالد موسى الذي وصف حدسه فيهم بأنه لم يخب أبداً، وقال محمد خير إن الذي يجمعنا اليوم بمختلف مشاربنا في الحياة ومناهجنا في الصحافة هي (خوة الكتابة)، وكأنه أراد أن يقول لكل خوة استحقاقات بتمنيه على (إخوة الكتابة) رغم الاختلافات الطبيعية أن لا تكون بينهم ضغائن أو مخفضات لمستوى السمو الذي يجمع بين الفكرة والتحليل والتعبير ويحلق برواده في سماوات الإبداع،، يا سلام ،،،، عصي عن الوصف ذاك الإعجاب المنتزع حينها والتصفيق اللا إرادي الذي غمرت فرقعاته أرجاء المنزل .
∆ تاوقت في عيني اليمين جوة الشمال،، من قلبي كان نازف مطر ولون المطر كان بشبهك ،، مثل هذا السهل الممتنع في حنين محمد خير لأمدرمان مثلاً ـ ليس وحده الذي يعبر عن تجربته الشعورية ، او مقالاته المقروءة وحدها الدالة علي جزالة مفردته ، أو تحليله للأحداث في القنوات والأسافير فقط التي تشير الي تميزه ، لكن اقتحام (أبو الزبير) لدوائر صنع الأحداث بل قل دهاليز إحداث التحولات الكبرى في البلاد هي التي جعلت هذا التميز فريداً ولا يضاهي ، فوجود محمد خير (بأصالة) في ملف دارفور في كل محطاته من أبوجا حتي الدوحة ، وصلته بقضية وشخوص جنوب كردفان ومن قبل علاقاته بأشكال وتكوينات المعارضه السودانية في تسعينات القرن الماضي جعلت من الرجل جامع كنوز وحاوي أسرار يستند عليها ويستطيع بها تحليل الأحداث بمرجعيات متماسكة وخبرة ثاقبة، ناهيك طبعاً عن علاقاته العميقة الممتدة من الأقصي الي الأقصي في الساحة السودانية،، لذلك أعتقد جازماً بأن الحوجة ماسة لمحمد خير وأمثاله في هذه المرحلة المتدحرجة سياسياً من عمر البلاد .
∆ نتطلع بشغف لعودة قلم محمد خير علي صفحات الصحف كما وعد، وعلي شاشات الفضائيات كذلك ،وبالطبع علي اسطح اللوحات الرقمية، ويا لحظ صناع المشهد الراهن والفاعلين فيه في مختلف (خنادقهم) إن تهادنوا ببعض رأيه وكثير معرفته وعميق صلاته… حمد الله على السلامة (أبو الزبير ) وإقامة طيبة ، وعافية تامة بإذن الرحمن، وكرم دفاق بالإسهام في تعافي جراح الوطن، وللكرم أوجه متعددة عندك،، وإلى الملتقى.