الرواية الأولى

نروي لتعرف

حوارات

محافظ بنك السودان المركزي:تم اتخاذ اجراءات لتخصيص النقد الأجنبي للسلع الاستراتيجية والضرورية، والوضع الآن تحت السيطرة الكاملة

برعي الصديق – محافظ بنك السودان المركزي

أجراه فتح الرحمن شبارقة- للجزيرة نت

قال محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق إن البنك تدخل سريعا لاحتواء التذبذب الأخير في سعر الصرف، والذي وصفه بأنه “مؤقت ومحدود” ونتج عن تحركات تراجع في أسعار سعر السوق الموازية.
وأضاف، في حوار مع الجزيرة نت، أن ما حدث مؤخرا لم يكن نتيجة ضعف في إدارة الأزمة، بل بسبب ظروف استثنائية تمّت معالجتها بالفعل، موضحا أن الجنيه السوداني سيستعيد توازنه تدريجيا خلال الفترة المقبلة بفضل الإجراءات التي اتُّخذت.
وشدّد على أن البنك المركزي “يمارس دوره بكفاءة” ولم يتوقف عن مراقبة السوق أو التدخّل عند الضرورة، وقال “سنواصل الحفاظ على استقرار سعر الصرف كأولوية قصوى للسياسة النقدية التي ينفذها البنك المركزي”.
وبشأن تأثير التراجع في قيمة الجنيه السوداني على الاستيراد، أفاد الصديق بأنه تم اتخاذ إجراءات لتخصيص النقد الأجنبي للسلع الإستراتيجية والضرورية، مؤكدا عدم وجود نقص في الأساسيات مثل القمح والوقود والدواء، وأن “الوضع الآن تحت السيطرة الكاملة”.
وإلى نص الحوار:

ما الأسباب التي أدت للتراجع المفاجئ في قيمة الجنيه السوداني بعد استقرار نادر لسعر الصرف في ظل الحرب لأكثر من عام؟
الاستقرار الذي شهده سعر الصرف لأكثر من عام لم يكن صدفة، بل نتيجة سياسات نقدية محكمة وعمليات مراقبة دقيقة من البنك المركزي للأسواق.
أما التراجع الأخير فهو مؤقت ومحدود، نتج عن تحركات مؤقتة في السوق الموازي وتدخل البنك المركزي فورا، وتم احتواء التذبذب بصورة كبيرة، وسنواصل الحفاظ على استقرار سعر الصرف كأولوية قصوى للسياسة النقدية التي ينفذها البنك المركزي.

يقولون إنه لا يوجد طلب حقيقي على الدولار باعتبار أن الاستيراد نفسه لم يعد كما كان في السابق، فمن هم الذين يؤثر طلبهم على الدولار ويخفض قيمة الجنيه؟
صحيح أن الاستيراد ربما تراجع قليلاً في بداية الحرب، لكن الآن الأوضاع مختلفة تماما، ويمكن القول إننا دخلنا فعليا في مرحلة إعادة الإعمار التي بدورها تزيد الطلب على الاستيراد وبالتالي النقد الأجنبي.

ما هو دور البنك المركزي في وقف هذا التدهور؟ وما مدى تحمله مسؤولية ما حدث؟
البنك المركزي يمارس دوره بكفاءة، ولم يتوقف يوما عن مراقبة السوق أو التدخل عند الضرورة.
طبقنا سياسة نقدية مرنة، ورفعنا مستوى التنسيق مع وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي ووزارات القطاع الاقتصادي والأجهزة الأمنية والعدلية للمحافظة على استقرار نقدي معقول في ظل الأوضاع الضاغطة التي فرضتها الحرب، وكان نتاج كل ذلك هو المحافظة على استقرار سعر الصرف لفترة أكثر من عام وتعتبر الفترة الأطول التي يشهد فيها سعر الصرف استقرارا حتى قبل الحرب.
ما حدث مؤخرا لم يكن قط نتيجة ضعف في إدارة الأزمة، بل بسبب ظروف استثنائية، تمت معالجتها بالفعل، ونؤكد أن الجنيه السوداني سيستعيد توازنه تدريجيا خلال الفترة المقبلة بفضل الإجراءات التي اتُخذت، والبنك المركزي يعمل ضمن منظومة مؤسسية متكاملة في الدولة.

استبعد اقتصاديون أن تؤدي قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية إلى النتائج المرجوة، فهل أوقفت هذه المعالجات تراجع العملة الوطنية أو تهريب الذهب؟
لجنة الطوارئ الاقتصادية تعمل تحت إشراف مباشر من السيد رئيس الوزراء، وبمشاركة البنك المركزي والوزارات ومؤسسات الدولة ذات الصلة، وهي تتخذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة وقراءة موضوعية للسوق.
هذه المرة، التنفيذ صار أكثر صرامة، والرقابة الميدانية نعتقد أنها أكثر فعالية. ولذلك، نحن واثقون من أن نتائج المعالجات ستظهر تباعا، لأننا لا نكرر التجارب السابقة بل نُحكم آليات التنفيذ ونربطها بخطط واقعية قائمة على التنسيق المتكامل بين أجهزة الدولة الاقتصادية والأمنية والعدلية.

ثمة لغط كثير حول الذهب وتهريبه، وتهرب مصدريه من توريد عائداته لبنك السودان، ما حقيقة هذا الأمر؟
دعني أبدأ بالجزئية الأخيرة، الحديث عن عدم توريد حصائل صادر الذهب (عائدات بيع وتصير الذهب) غير صحيح جملةً وتفصيلا، لأن صادر الذهب يتم بطريقة الدفع المقدم، أي أن قيمة الحصيلة يتم تحويلها لصالح المصدر في البنك الذي يتعامل معه مقدماً قبل أن تتم عملية الصادر، وبالتالي لا مجال للحديث عن عدم توريد عائدات صادر الذهب.
نعمل على تطوير آلية جديدة لتسعير الذهب داخليا بالتنسيق والتعاون مع جهات حكومية أخرى بما يقلل الفجوة مع السعر العالمي ويحدّ من التهريب والذي يعتبر السعر المجزي أهم عامل فيه.

ما مدى تأثير هذا التراجع في قيمة الجنيه السوداني على الصادرات السودانية وعلى الاستيراد؟
التأثير كان محدودا ومؤقتا، وبالنسبة للصادرات في الأوضاع الطبيعية عند تخفيض قيمة العملة تصبح المنتجات السودانية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، وهذا يُعد ميزة نسبية ولكن ليس دائما، لا سيما إذا كان الانخفاض كبيرا ويؤثر على تكلفة إنتاج الصادرات، والصادرات السودانية لم تتأثر فقط بسعر الصرف، بل بعوامل أخرى أيضا ناتجة عن الحرب.
أما بالنسبة للاستيراد، فقد تم اتخاذ إجراءات لتخصيص النقد الأجنبي للسلع الإستراتيجية والضرورية، وبالتالي لا يوجد نقص في الأساسيات مثل القمح والوقود والدواء، والوضع الآن تحت السيطرة الكاملة.

ثمة حديث عن وجود تداول للعملة السودانية الملغاة، وبالتالي عدم جدوى استبدال العملة الذي قمتم به وكلف الخزانة ملايين الدولارات؟
هذه مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.
المرحلة الأولى من عملية استبدال العملة تمت بنجاح تام، وبتنسيق محكم بين أجهزة الدولة عبر لجنة عليا تم تكوينها للإشراف على العملية، ليس هنالك تداول لفئات ملغاة، ولكن ما قمنا به في الواقع هو استبدال تدريجي للعملة، بدأ في مرحلته الأولى بثماني ولايات كانت الظروف الأمنية فيها مهيئة لعملية الاستبدال، وتم سحب بعض الطبعات القديمة من التداول من فئتي الألف و500 جنيه وطرح طبعات جديدة أكثر أمانا لتعزيز الثقة في العملة الوطنية وتقليل التعاملات النقدية خارج البنوك عبر تحديد سقف للسحب النقدي.
أما الولايات التي لم تجر فيها عملية الاستبدال حتى الآن، فما زالت هذه الفئات سارية فيها بأمر البنك المركزي، وبالتالي ليس هنالك تداول لفئات ملغاة، لأن إلغاء الفئات يعني أنها خارج النظام المصرفي ولا يعترف بها في التعاملات الرسمية وهذا ليس الواقع.
هذه العملية كانت ضرورية لحماية العملة الوطنية من التزييف بعد النهب الواسع الذي تعرضت له البنوك وشركة مطابع السودان للعملة بواسطة المتمردين.
عملية الاستبدال ستكتمل لاحقا في جميع الولايات التي لم تشملها المرحلة الأولى، وسيتم استبدال الطبعات القديمة من فئتي الألف و500 جنيه بالكامل وإعلانها غير مبرئة للذمة.

لماذا لم يكن لمحفظة السلع الإستراتيجية دور حاسم كما كان متوقعا لوقف تراجع الجنيه السوداني؟
المحفظة أدت دورها بكفاءة عالية طوال فترة عملها التي استمرت لأكثر من عام حتى الآن، وهي التي حالت دون أي أزمات في الوقود رغم ظروف الحرب.
وساهمت في استقرار سعر الصرف، حيث تم توفير (مايعادل 1.1 مليار دولار) لشراء الوقود كان سيتم توفيرها من السوق الموازي في غياب المحفظة.
عمل المحفظة تكاملي وليس منفردا، وهي أداة من أدوات الاستقرار وليست بديلًا عن السياسات النقدية والاقتصادية.

هل يوجد تقديرات واقعية لحجم الأموال والأصول التي فقدها البنك المركزي والبنوك بفعل احتلال قوات الدعم السريع لها؟
نعم. يتم توثيق كل الأصول المنهوبة بواسطة النيابة العامة، لكن لا يمكن إعطاء أي أرقام في هذه المرحلة لأن الحصر ما زال مستمرا، وما زال ثمة مناطق يصعب الوصول إليها لإكمال عملية الحصر.

هل يعتمد البنك المركزي السوداني الدفع عبر التطبيقات الإلكترونية؟
بكل تأكيد. السودان يُعد من الدول الرائدة في الدفع الإلكتروني في المنطقة منذ عام 2004، والآن أغلب المعاملات المالية تتم باستخدام التطبيقات الإلكترونية ووسائل الدفع الإلكتروني الأخرى، كما تم ربط التطبيقات بنظام المدفوعات الحكومية، ويجري العمل على تحديث القوانين لضمان سلامة العمليات الإلكترونية.
هذا هو مستقبل التعاملات المالية في السودان.

كيف هي علاقة البنك المركزي السوداني بالمنظومة المالية الدولية؟
العلاقات قائمة ومستقرة، ونحن نحافظ على خطوط تواصل فعّالة مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية، والآن بنك السودان المركزي يترأس الدورة الحالية لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، ويشارك البنك بصورة فاعلة في الأنشطة والفعاليات على المستوى الإقليمي والدولي.

في ظل المتاعب الكبيرة للبنوك السودانية بسبب الحرب، هل أنت متفائل بإمكانية تعافي ونهوض القطاع المصرفي في السودان مجددا؟
نعم، وبكل وضوح.
القطاع المصرفي السوداني أظهر مرونة غير مسبوقة في ظل أصعب الظروف، واستمر في تقديم الخدمات المصرفية الضرورية أثناء اندلاع الحرب في وقت كانت فيه التوقعات تشير إلى انهيار كامل للجهاز المصرفي.
خطة التعافي بدأت فعلاً من خلال إجازة مجلس الوزراء لقانون جديد لتنظيم العمل المصرفي يمنح البنك المركزي صلاحيات واسعة لمعالجة أوضاع المصارف، وتم إدراج استقلالية البنك المركزي في الوثيقة الدستورية.
لدينا الثقة في أن الجهاز المصرفي سيعود أقوى وأكثر كفاءة مما كان لأننا تعلمنا من الأزمة ونؤسس لمرحلة مصرفية جديدة تكون فيها البنوك أكثر صلابة وقدرة على امتصاص الأزمات.

المصدر: الجزيرة

اترك رد

error: Content is protected !!