ما هي حقيقة الترويكا المزعومة؟ سفارات أمريكا وبريطانيا والنرويج تنتحل صفة ليست لها للتدخل في شؤون السودان
كتب : المحرر الدبلوماسي
بين الحين والآخر تصدر سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في الخرطوم، مجتمعة، بيانات تتناول الأوضاع السياسية في البلاد، غالبا بالانتقاد والإدانة، وإصدار التوجيهات والتعليمات للسلطات المختصة، وذلك باسم “الترويكا”. بعبارة أخرى فإن سفارات هذه الدول خلقت لنفسها منبرا تمارس من خلاله الوصاية على السودان. بل إنها صارت تتكرم على من تريد من الدول الغربية الأخرى بالحاقها بهذه المجموعة المذكورة، فصارت البيانات تصدر أحيانا باسم الترويكا وكندا، أو الترويكا وسويسرا أو هولندا أو الإتحاد الأوروبي. غير أن أيا من ممثلي الدول الثلاث لم يتكرم بذكر الأساس القانوني الذي بموجبه تشكلت هذه المجموعة وحدود تفويضها ومداه الزمني.
مثل هذا الكيان، أن وجد، لا يمكن أن ينشأ إلا بموافقة واضحة وصريحة من الدولة المعنية، السودان في هذه الحالة، أو بموجب قرارات دولية ملزمة، مثل قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، أو قرار من مجلس السلم والأمن الأفريقي. فما هي مرجعية ما يسمى بالترويكا، وهل لها أي صفة قانونية بموجب القانون الدولي أو حتى الأعراف الدبلوماسية الواجب مراعاتها، وهل هناك سابقة دولية مشابهة: وضع دولة مستقلة وذات سيادة تحت أشراف دول أخرى، باستثناء نظام الوصاية الدولية سابقا؟
الواقع إن أصل المسمى يعود إلى فترة مفاوضات نيفاشا، واتفاقية السلام الشامل، CPA، التي نتجت عنها، ثم الفترة الإنتقالية بين 2005-2011 قبل إعلان دولة جنوب السودان في 9 يوليو 2011.
وكما هو معروف فإن الدول الثلاث اضطلعت بدور في الوساطة بين حكومة السودان والجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وذلك ضمن ما كان يعرف ب” أصدقاء ايقاد”. وكان لكل من الثلاث دول مبعوثا للمفاوضات:القس السيناتور جون دانفورث عن الولايات المتحدة، والسفير ألن قولتي ممثلا لبريطانيا، والوزيرة النرويجية السابقة هيلدا جونسون. وبعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005 صارت الدول الثلاث من ضامني الإتفاق، حتى قيام الاستفتاء في 9 يناير 2011 ومن ثم إعلان استقلال جنوب السودان بعد 6 شهور، والذي كانت حكومة السودان أول من اعترفت به وافتتحت سفارة لها في جوبا. وبالتالي انتهت مهمة ضامني الاتفاق، بمن فيهم الترويكا السابقة.
إذن فالاستمرار في استخدام هذا المصطلح من قبل ممثلي الدول الثلاث، بل و ضم أعضاء جدد، ومنح أنفسهم وضعا خاصا يمكنهم من التدخل في الشؤون الخاصة للسودان، دون أي سند من القانون الدولي، واتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية، هو شكل من أشكال التزوير، على مستوى عالي ودولي، إلى جانب أنه تعد على سيادة واستقلال البلاد.
ينبغي على السلطات الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية رفض هذا المسلك من سفارات الدول المعنية، وعدم التعامل معها بتلك الصفة، ومطالبتها بالتوقف عن انتحال تلك الصفة. كما أن الإعلام السوداني مطالب بعدم استخدام هذا المصطلح والترويج له، إذ أن ذلك يعد مشاركة في ممارسة التزوير وتشجيعا على انتهاك سيادة البلاد ومقبولا بالوصاية الدولية عليها بعد أن انتهى عهد الوصاية.