1
في الدويم تلك الوادعة الجميلة؛ (حياها الغمام)، ترقد في أحضان بحر أبيض على الضفة الغربية؛ كانت لنا فيها ذكريات حكايات وقصص، منها قصة عمك ساكا، رحمة الله عليه.
كان ساكا رجلاً ضخم الجثة، قدماه مثل الأوتاد الصلبة، يداه تشبهان الآلات التي يعمل بها من حيث القوة والمتانة والخشونة، ساكا يعمل حداداً في ورشة معلومة، كل الدويم تخشىى ساكا وتتجنبه.. لا يقربه أحد، ولا يذكره شخص بسوء.. تخلو طرقات الدويم من الماره إذا أطل، من صوته تخاف ومن نظراته ترتعب، تسمع أنين الأرض إذا مشى، مات ساكا ذات يوم بسكتة قلبية فخرجت الدويم كلها تشيعه، حمل جثمانه قرابة العشرين من ذوي القوة والبأس، تمدد خارج العنقريب الذي صنعه بنفسه، وخيم صمت رهيب على جنازته، حين عدنا من مقابر الدويم (شمال دار الرياضة) إلى حي الثورة استمر الصمت في خيمة العزاء، لا أحد يرفع صوته، كان الكلام همساً، وحينما رأى صديقنا أبو الجاز المشهد الذي لا يتوفر عادة في خيم العزاءات، ضحك وقال: (يا جماعة ساكا مات ولن يقوم بعاتى.. اتونسوا).
2
الآن كل من هب ودب ما أن يفتح خياشيمه بتصريح إلا ويقول لك (ماعدا البعاتي).. حتى الخواجة فولكر؛ النبي المزيف لحقوق الإنسان في السودان أصبح يردد ذات اللحن السقيم.. ماعدا البعاتي، وما يحيرنى أنهم جميعاً يؤكدون أنهم دفنوه بأيديهم، وأنه لن يبعث حتى يوم الدين!!
ولكن؛ لماذا قلت إن فولكر نبي مزيف.. (بالمناسبة وبحسب إحصاءات دكتور عبد الله البشير؛ المؤرخ المثقف العميق، هناك 27 نبياً مزيفاً فى تاريخ السودان آخرهم مدعى حداثة .)، فولكر نبي مزيف لأنه ادعى أنه رسول الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولكنه خان رسالته، إذ ظل المعتقلون الإسلاميون بالذات داخل السجون دون تهمة لسنوات، من دون أن يفتح الله عليه بكلمة عن حقوقهم كبشر، ثم خرج على السودانيين بما أسماه مبادرة لا يدرك كنهها إلا هو!!
ربما يتذكر بروف غندور (ابن الدويم) وهو في محبسه لعامين، متهوماً في مهزلة قصة (ساكا)، ربنا يفك أسره ويجازي من ظلموه.
3
نعود لقصة (ساكا ) الذى يؤكدون أنهم دفنوه، وادعوا أنه المسئول عن كل الخراب الذي حاق بالوطن منذ فجره الأول وحتى اليوم؛ الموافق 5 فبراير 2022، بل هو مسئول عما سيحدث في الحاضر والمستقبل القدامنا!!
ساكا يا سادتي هو المسئول الأول عن فشل ثورة ديسمبر، إذ ظل من قبره يقود الثورة المضادة التي سعت وأنجزت فركشة قوى الحرية والتغيير، أي أنه انتقم من ذات الذين قتلوه، وذاك ما لم يتوافر لساكا آخر في التاريخ.
ساكا وهو تحت التراب؛ يسبب قلقاً عظيماً لمن هم في سدة الحكم، تحرسهم الجيوش المليشيات وشباب الثورة، وهو عظام نخرة مسئول عن تخريب الاقتصاد، وعن التضخم والغلاء، ليس في الماضي، فذاك معلوم ، بل حتى يوم الناس هذا.
(ساكا )من مرقده قاد انقلاب اللجنة الأمنية ابتداءً وجاء بابنعوف، ثم أطاح به وجاب البرهان (الجابو منو.. جابو الكيزان)، ثم سلم الحكومة للثوار مكرهاً، ولكنه ظل يترصدهم من المقابر، فتآمر على حكوماتهم، وأطاح بها مرتين.. ساكا ( البعاتي) هو الذي أمر قضاة المحكمة العليا بإصدار قرار يعيد بموجبه كل الكوادر المنسوبة إليه إلى الوزارات والمصالح مرة أخرى.
4
ساكا هو من أتى بحمدوك من حيث لا حيث، بلا سمعة ولا صيت، ليكون منقذاً للسودان، ونصّبه رئيساً للوزراء في فترة التيه الانتقالية التي مقدارها أربعون شهراً حتى الآن، تماما كما تاهت بنو اسرائيل أربعين سنة.. وكيف لا؟
أليس هو من رشحه من قبل ليكون وزيراً للمالية في عهده، ها هو يأتي به مجدداً رئيساً لوزراء السودان، لينفذ له ذات ما كان يود فعله وهو حي، وقد فعل حمدوك ما أمر به ساكا بأفضل ما يمكن أن يفعله متآمر ماهر، إذ جعل من الفترة الانتقالية مهزلةً، حين استجاب لجميع شروط صندوق النقد الدولي، برفع الدعم عن أي شيء، ماعدا الهواء، إذ ما استطاع إليه سبيلا، لأنه هبة من الرازق الواهب.
أذعن حمدوك للتحمل وانحنى لهم حتى انقصم ظهره.. طبّع مع إسرائيل، فرتق قوى الثورة وعبث بكل ما نادت به، لم يترك فعلاً قبيحاً وهزيلاً إلا فعله بيديه، ثم غادر بعد إكمال مهتمه غير مأسوفٍ عليه.. باختصار فعل رئيس الوزراء كلما خطط له ساكا بالضبط.
ياله من بعاتي عبقري، راقد في قبره والحاكم يرجف في قصره!
5
إذا سألت أحدهم لماذا فعل من قبره ما لم يستطع فعله أبان كان متسيداً على البلاد من قصره؟
يا ترى من أين أتته القوة ليصنع تلك المعجزات؟
سيقولون لك إن ساكا الذى عرفوه ثلاثين عاماً بمقدوره العودة مجدداً لقمة السلطة، تماماً كما كان أهلنا في الدويم يثقون أن بمقدور ساكا الأصلي العودة لازقة الدويم بذات حجمه وجبروته.
وأخيراً؛ ساكا هو المسئول عن انقلاب 25 أكتوبر، فهو الذي تآمر مع قادته في السجون بليل، فأطاح بأربعة طويلة نهائياً من المشهد السياسي.
ساكا يفعل ما يشاء، وهو متمدد فى قبرو.. يحمد ربو!!