الرواية الأولى

نروي لتعرف

من اعماقي / د. امجد عمر

ما النصر إلا صبر ساعة

د. امجد عمر محمد


النجاح ليس وليد الصدفة، ولا هو نتيجة ضربة حظ، بل ثمرة تخطيطٍ واعٍ ورؤيةٍ واضحة، تُبنى على مراحل متتابعة تتخللها أنشطة وجهود منظمة، تُنفذ بخطوات مدروسة ومثابرة لا تعرف الكلل. فكل مرحلة تمثل لبنة في صرحٍ كبير من الطموح والعمل، وكل نشاط يُعد مشروعًا صغيرًا يكمّل الصورة الكلية نحو الهدف المنشود. لكن طريق النجاح ليس معبّدًا بالورود، بل مليئًا بالعقبات والاختبارات التي تُمتحن فيها الإرادة وتُقاس بها العزيمة.

إن التحديات التي تواجهنا في طريقنا ليست لتُحبطنا، بل لتُثبت مدى صلابتنا وقدرتنا على النهوض بعد كل عثرة. فالمؤمن يدرك أن العسر لا يدوم، وأن بعد المشقة يأتي الفرج. وقد وعد الله تعالى عباده الصابرين بقوله الكريم:
“فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (سورة الشرح: 5-6).
إنها بشارة من الله أن الصبر لا يضيع أبدًا، وأن وراء كل عسرٍ يسرين، لا يسراً واحدًا. لذا كان الصبر هو مفتاح الفرج، وسر من أسرار النجاح في الحياة. فالصبر ليس مجرد احتمالٍ سلبي للبلاء، بل هو فعل إيجابي قائم على الثقة بالله وحسن الظن به، مع الاستمرار في العمل وبذل الجهد دون توقف.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:
“واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا” (رواه الترمذي).

هذه الكلمات النبوية الخالدة تختصر معادلة الحياة: لا نصر بلا صبر، ولا فرج بلا كرب. فكل نجاح يحتاج إلى لحظة ثبات إضافية، إلى ساعة من التحمل في وجه التعب والخيبة، لأن أقرب لحظات المعركة إلى النصر هي أشدها وأصعبها. وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “ما النصر إلا صبر ساعة”. وهي عبارة تختزل حكمة التجربة الإنسانية في أوجها، فكم من إنسان استسلم قبل تلك “الساعة” بقليل، ففاتته فرحة الانتصار وهو على أعتابها.

غير أن النجاح لا يتحقق بالصبر الفردي وحده، بل يحتاج إلى روح الفريق، فـ لا أحد ينجح بمفرده، ولا يعيش منعزلًا عن الآخرين. لابد من الثقة بمن حولنا ودعمهم، لأن التعاون أساس كل إنجاز جماعي. فالفريق المتجانس المترابط، القائم على الثقة والتفاهم، هو الجسر الذي يُعبر عليه المشروع نحو التميز. النجاح الجماعي يتحقق حين يؤدي كل فرد واجبه بإخلاص، ويثق بقيادته وزملائه ومن هم تحت مسؤوليته، فيعمل الجميع كجسدٍ واحدٍ ينبض بالحيوية والهدف المشترك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه).

فالنجاح الحقيقي لا يُبنى على الأنانية أو الانعزال، بل على المشاركة والتكامل. القيادة الواعية تعرف كيف توزع المهام وتبني الثقة، والفريق الناجح يعرف كيف يسند بعضه بعضًا في لحظات التعب والانكسار. عندها فقط تتحول الخطة إلى واقع، والرؤية إلى إنجاز.

إننا حين نؤمن أن كل ما يصيبنا هو بقدر الله، وأن الصبر هو طريق الفرج، نصبح أكثر قدرة على العمل بتفاؤلٍ وثقة، دون خوفٍ من الفشل أو تراجع. قال تعالى:

“إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ” (سورة يوسف: 87).

فحسن الظن بالله هو وقود الأمل، ومنبع القوة الذي يدفعنا للاستمرار مهما اشتد الطريق. ومن يجعل الله نصب عينيه، ويتوكل عليه، ويصبر في موضع البلاء، ينل من عطائه ما لا يخطر على بال.

وفي نهاية المطاف، فإن النجاح ليس فقط في وضع الخطة، بل في الإيمان بها، والثبات عليها، والصبر في وجه العواصف، حتى تتحول الأحلام إلى حقائق، والطموحات إلى إنجازات. فالنجاح ليس في الوصول السريع، بل في الاستمرار بثبات، والعمل بإخلاص، والصبر الجميل الذي لا يصاحبه شك ولا جزع.

فكل نصر هو ثمرة صبر، وكل فرج هو نتيجة حسن ظن بالله. ومن صبر ظفر، ومن وثق بربه نال ما أراد، لأن الله تعالى وعد فقال:

“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (سورة البقرة: 155).

فما النصر إلا صبر ساعة، وما الفرج إلا يقين في قلبٍ مؤمن، يعمل ويصبر، ثم يرى وعد الله حقًا.

اترك رد

error: Content is protected !!