إن جذور الازمة الضاربة في عمق الهوية السودانية والتي تمثلت في الاختلافات البنيوية في الفكر الأيديولوجي للمكونات السياسية السودانية و كذلك التدخلات الخارجية، كانتا السبب والعثرة الأساسية أمام تأخير قيام الدولة السودانية الحديثة منذ ما قبل الاستقلال وحتى عصرنا الحالي. فقد ظل الاختلاف الأيديولوجي للمكونات السياسية يعمل على توسيع رقعة الخلافات ويمنع قيام أي حركة إصلاحية “جبهة سودانية موحدة”، تعمل على خلق مجتمع مؤمن، شعب حر، دولة عادلة، سلام دائم، وأمة واحدة تستمد مصدر قوتها من التنافس السلمي وضمان الحريات وفقا للدستور والقانون. وهو الامر الذي دعاني الي كتابة هذا المقال ” مارثون الحوار السوداني سوداني”
حيث تشهد الساحة السياسية السودانية حالياً حراك على الصعيد الداخلي ومطالبات من عدُة قوي إقليمية ودولية تنادي للولوج في عملية إصلاح سياسي شامل يعمل على إنهاء حالة الاستقطاب الحاد ما بين جميع الفاعلين السياسيين ويؤدي الي استعادة الاستقرار للدولة السودانية.
لعبت الإنتماءات الحزبية الضيقة وإتباع منهج الإقصاء للآخر دوراً مقدراً في تعميق أزمة الحكم في السودان بدلاً عن تحقيق الإستقرار وتفجير طاقاته لينهض كقوة رائدة إقليميا ودولياً. هذه الإخفاقات التي تسببت فيها العصبية والإنحياز لصالح تحقيق المصالح الحزبية الضيقة دون مصالح الوطن العليا تسببت في إحداث جروح غائرة في جسد الأمة السودانية مما أدي الي فتح الباب امام القوي الدولية الطامعة في مقدرات الشعب السوداني و البدء في تنفيذ اجندتها التي تهدف الي تقسيم السودان وذلك من خلال هدم البناء الإجتماعي (Social Fabric) عبر إعلاء قيم القبلية (Tribalism) على القومية (Nationalism) لقتل المشروع الداخلي الذي يسعي الي تحقيق الإندماج القومي و الذي هو السبيل الوحيد امام الشعب السوداني في عملية ترميم البناء المجتمعي لقيام دولته السودانية الحديثة و التي تعمل علي رفاهية شعبها من خلال توفير جميع سبل العيش الكريم له.
إن هناك متطلبات قبل الدخول في أي برنامج لعملية الاصلاح السياسي الشامل سواء كان عن طريق الحوار السوداني سوداني (المائدة المستديرة) او من خلال أي تسوية سياسية يجب مراعاتها وذلك لضمان استدامة الحلول. فإن تشخيص الحالة السودانية وتفنيد القضايا الجوهرية التي أدت الي اشعال حرب 15 ابريل 2023م في السودان سوف يكون هو الأساس والدافع الرئيسي في توحيد المجتمع السوداني لإنشاء “جبهة سودانية موحدة”. فبالنظر الي ما قبل حرب 15 ابريل 2023م نجد أن الأسباب التي دفعت الشعب السوداني الي قيامه بثورة 2019م حسب رأي الكثير من الباحثين والمختصين في الملف السوداني كانت كالاتي:
- غياب الديمقراطية.
- تفشى الفساد والمحسوبية.
- تصاعد الصراع حول السلطة والإقصاء الحاد ما بين القوى السياسية.
- التدهور الإقتصادي وتراجع معدلات النمو وزيادة نسبة البطالة.
- التدخلات الخارجية.
هذه هي الأسباب الرئيسية والتي إذا ما تم أخذها في الاعتبار يمكن للسودان الخروج من الأزمة السياسية الخانقة التي يعيشها السودان حالياً من قبل قيام ثورة 2019م وحتى بعد اندلاع عدوان 15 ابريل 2023م من قبل مليشيات الدعم السريع الإرهابية وداعميها وبالنظر لهذه العوامل والأسباب نكون قد أوجدنا أس المشكلة السودانية التاريخية و الذي إذا ما عولج سوف يعيد اللُحمة السودانية مرة أخري و يمكّننا من الدخول في خطوات عملية من أجل تحقيق إصلاح سيأسى شامل من خلال جلوس السودانيين علي طاولة الحوار (السوداني سوداني) بعد التمهيد له بمائدة مستديرة للتوافق حول برنامج للحد الأدنى تشترك فيه الحكومة السودانية وكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة الوطنية الحرة والناشطين في مجال السياسة بعد الانتهاء من الحرب للخروج بدستور متوافق عليه يقود السودانيين الي قيام دولتهم السودانية الحديثة وفقاً للمبادئ الاجندة الوطنية لعملية التحول الديمقراطي التي اساسها إشاعة الحريات العامة ومبدأ المشاركة السياسية، ترسيخ مبدأ التعددية السياسية والحكم الراشد، تحقيق العدالة الإجتماعية ومحاربة الفساد والمحسوبية، إحترام الدستور ومؤسسات الدولة.
ختاماً عملية الحوار السوداني سوداني هي عملية معقدة وهي ليست شأن خاص بمجموعة معينة لتتبناها وانما هي شأن عام يخص جميع السودانيين، ومن حيث الواقع نجد أن جميع الدلائل والقراءة الحالية للساحة السياسية السودانية تشير الي عدم إمكانية قيام عملية الحوار السوداني وذلك لعدم توفر آلية تمهيدية حتى في حال ما توقفت الحرب! تمهد للدخول في عملية الحوار السوداني سوداني. لاختلاف المفاهيم وتعدد المنابر التي تريد تبنّي الحوار السوداني سوداني. الامر الذي يستدعي إعادة النظر من جميع الفاعلين السياسيين في كيفية صناعة ” قاعدة انطلاق” لإقامة الحوار السوداني سوداني اولاً وذلك من خلال الجلوس علي مائدة مستديرة لإعداد خارطة طريق و آليات واضحة تحدد فيها جنود الحوار السوداني سوداني وذلك لن يأتي الا من خلال إعداد برنامج توافق شامل وفقاً لمبادئ الاجندة الوطنية (الحد الأدنى) ينهي حالة التشظي و الاستقطاب الحاد ويكون بمثابة اللبنة الأولى التي تذلل العقبات أمام قيام الحوار السوداني سوداني وفي إطار ذلك يمكن أن تضمن مائدة الحد الأدنى التوافق علي تسمية رئيس وزراء مستقل و تستكمل من خلالها المناصب الدستورية الأخرى لمعالجة القضايا العاجلة فيما يختص بمعاش الناس والمشكلات الأخرى أبان فترت الحرب و أبان فترة استعادة الاستقرار الأمني، بذلك يمكن انطلاق عملية الإصلاح السياسي الشامل و اقامة الحوار السوداني سوداني الذي قد تم الاعداد و التمهيد له جيداً لينكب جميع الفاعلين السياسيين و المختصين في علاج جميع القضايا العالقة ثم التوجه لإعداد الدستور السوداني الذي يضمن عملية التداول السلمى للسلطة. فهو المخرج الوحيد لتحقيق الاستقرار في السودان وتفجير طاقات الوطن في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية وبزوغ نجم الدولة السودانية على المستوى الإقليمي والدولي.