الرواية الأولى

نروي لتعرف

فيما أرى / عادل الباز

لماذا وكيف ومتى ستتدخل اسرائيل في حرب السودان؟ (3/3)

عادل الباز


1
أجبنا في الحلقتين السابقتين على سؤال “لماذا” ستتدخل اسرائيل في حرب السودان وتحت أي مزاعم، في الحلقة الأولى من المقال، حول المزاعم والأساطير التي تؤسس للتدخل. ولأجل هذا استعرضنا ملخصًا لما نُشر في المراكز البحثية والمواقع الإخبارية ومراكز الأبحاث من تقارير تهدف إلى تهيئة الجو للزج بإسرائيل في حرب السودان، لمصلحة الراعي الإقليمي لقوات الجنجويد. كما كشفنا المزاعم التي يُسوّقونها لتسمح للراعي بالزج بإسرائيل، أو أنهما كليهما لهما مصلحة في التدخل في السودان، بل وابتلاعه في النهاية.
2
في الحلقة الثانية أوضحنا كيف تم ترويج كل تلك المزاعم، وكيف تشتغل معزوفة الضلال، وكيف تُنسَج الأكاذيب وتُؤسَّس وتُروَّج. وقلنا إنها تبدأ بفبركة الأخبار، ثم يُبنى عليها، فتُكتب التقارير، ثم يأخذ الباحثون هذه الأخبار والتقارير المفبركة بواسطة الأجهزة المختصة، يشتغلون عليها وتُصدرها المراكز المشتراة كأبحاث مهنية وأكاديمية عميقة تستند إلى “حقائق” لا تقبل الجدل! ثم تنطلق الميديا العالمية ووسائل التواصل مرةً أخرى وتنشرها كمعلومات صادرة من مراكز علمية وبحثية موثوقة!. ولذا اوصينا بتاسيس مرصد سيادي للأمن الإعلامي والمعلوماتي” يرصد الفبركات، ويُصدر ردودًا سريعة توضح للرأي العام الداخلي والدولي زيف السرديات المفبركة التي يقف وارئها من يؤلف النص( الراعى) و يقود الأوركسترا، العازفين والصحفيين المرتشين ومراكز البحوث،وهو قادر دائمًا على دفع ثمن الألحان وأجور الأوركسترا وعلى مستوى عالمي.
3
في هذه الحلقة الثالثة من المقال، سننظر في الكيفية التي يمكن أن تتدخل بها إسرائيل في حرب السودان. ولكي نتأكد أن إسرائيل جاهزة لهذا التدخل، أولًا لنقرأ تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي أدلى به لوكالة Reuters في 14 يونيو 2025، والذي أكّد فيه أن الضربات الإسرائيلية على إيران ستتواصل، وأن إسرائيل لن تتوقف عند أي هدف:
“الهجوم المفاجئ لإسرائيل على إيران كان هدفه الواضح هو تعطيل برنامج طهران النووي بشكل حاد… وتبدو الضربات موجهة نحو تقويض مصداقية إيران داخليًا وبين حلفائها في المنطقة — وهي عوامل يمكن أن تُزعزع استقرار القيادة الإيرانية.”واعتبرت صحيفة جيروزاليم بوست أن السودان دخل أو أُدخِل في حلفاء إيران، رغم توقيعه على اتفاقية إبراهام التي وقّعها عبد الباري.
إذًا، تهديدات إسرائيل والراعي الإقليمي للجنجويد للسودان أصبحت علنية، وتزداد كثافة يومًا بعد يوم، ويتم الترويج لها. لم يتبقَّ إلا الكيفية التي يمكن أن يُجرى على أساسها تنفيذ الضربة ضد السودان… ولكن كيف؟ يبدأ السيناريو بالرصد الاستخباراتي، مراقبة جوية وإلكترونية متقدمة عبر طائرات تجسس وسفن إسرائيلية في البحر الأحمر، تعاون استخباراتي مع الدولة التي يهمها امر المليشيا.
4
إسرائيل، وبناءً على المزاعم التي أسستها في سرديتها حول الوجود الإيراني في السودان، قد تضرب أي منشآت عسكرية أو مدنية تحت ادعاء أنها منشآت إيرانية، كما يتم الآن الترويج بأن لإيران أنفاقًا سرية تحت الجبال في السودان تُصنّع فيها المسيّرات والأسلحة والمعدات العسكرية.
يمكن أن تكون ضربة جوية خاطفة على منشأة محددة شرق السودان (مثلًا: قرب بورتسودان أو داخل الميناء ذاته)، ضرب مخازن أو شاحنات أثناء التحميل أو قرب الساحل، وتنفيذ الضربة عبر البحر، مع إخفاء البصمة لتجنّب التصعيد.
بمعنى تنفيذ ضربات بنفس سيناريو الاعتداء الأخير على بورتسودان، ولكن هذه المرة معلنة بأيدٍ إسرائيلية، بزعم أنها ضد أهداف إيرانية، وسيكون في هذه الحالة الراعي الإقليمي للجنجويد، الذي اتُّهم في المرة السابقة بعملية بورتسودان، بريئًا، وتتحمل المسئولية إسرائيل، وما فارق معها ولا أحد يمكن أن يسائلها.
في سيناريو آخر، يمكن أن تكتفي بهجمات سيبرانية تستهدف أنظمة القيادة والسيطرة في المسيّرات الإيرانية داخل السودان.
ان الذين يستبعدون هذا السنياريو ان اسرئيل قصفت السودان السودان نفسه (ضربات جوية في 2009 و2012 على ما قيل إنها شحنات إيرانية) وقصفت في سوريا مواقع بحجة وجود إيراني كما فعلت وتفعل في اليمن جرى كل ذلك دون مساءلة دولية .
5
حتى هذه اللحظة ليس هناك قرار ولكن حتما هو عدوان مؤجل، ولكن متى يمكن ان تسارع إسرائيل لتنفيذ أحد تلك السيناريوهات أو تنفيذها مجتمعة على مراحل؟
كل التحليلات تؤكد أن ما يمنع من تنفيذ هذه السيناريوهات الآن هو حرب غزة، ومتى انتهت، تفرّغت إسرائيل لمهام أخرى، هدفها كما قال نتنياهو: (تقويض مصداقية إيران داخليًا وبين حلفائها في المنطقة).
6
ما يتبقى سؤالان:
ما هو موقف الإقليم؟
وما هي جاهزيتنا نحن؟
وكيف يمكن التصدي لخطة إسرائيل/الإمارات المحتملة للاعتداء على السودان دبلوماسيًا وعسكريًا؟
قد لا يملك السودان تفوقًا جوّيًا، لكنه قادر على تفكيك معادلات الأمن الإقليمي إذا تم الاعتداء عليه. إن الردع غير المتكافئ بات أحد أدوات البقاء في ظل اختلال موازين القوة التقليدية.
إن أحد الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام السودان يتمثل في التحرك الجاد نحو تعميق تحالفاته مع قوى إقليمية (قطر والسعودية) ودولية كبرى، مثل تركياو إيران وروسيا ليس فقط من خلال التعاون التقليدي، بل عبر اتفاقيات أمنية شاملة قد تشمل جوانب لوجستية وتكتيكية، بما فيها إمكانية استضافة قواعد مؤقتة أو منصات رادارية واستطلاعية، تُمثل رسالة رادعة لكل من تسوّل له نفسه العبث بأمن السودان. او على الاقل بجعل ذلك كورقة ضغط على الطاولة. يجب في ذات الوقت ان يُفهم التحالف مع إيران وروسيا تحالف ضرورة وليس تحوّلاً أيديولوجيًا وهم الذين دفعوا السودان اليه.
7
يمكننا استخدام مايعرف بـ”نظرية الردع غير المتكافئ” (Asymmetric Deterrence) أو “ردع الإرباك”، وهى نظرية الردع غير المتكافئ (Asymmetric Deterrence) هي استراتيجية تعتمد عليها الدول الأضعف عسكريًا لردع خصوم أقوى، عبر التهديد باستخدام أدوات غير تقليدية أو غير متوقعة (مثل الفوضى، الحرب السيبرانية، أو تحالفات مقلقة)، بحيث يكون ثمن الاعتداء عليها أعلى من جدواه.تُستخدم عندما لا يكون التوازن في القوة المباشرة متاحًا، فيُعوّض بردع نفسي أو سياسي أو إقليمي وهي تستخدمها دول مثل كوريا الشمالية وإيران.كما لا يعني هذا التحالف تسليم القرار الوطني او رهنه لاية جهة، بل استخدام توازنات القوة الدولية لحمايةبلادنا .
كما يمكن للسودان أن يُبلغ الأطراف المعنية بأمن البحر الأحمر—بما في ذلك القوى الكبرى والدول الساحلية—بأن أي تصعيد عسكري ضده، لن يبقى محصورًا في حدوده، بل قد يؤدي إلى تفجّر خطير على امتداد الساحل الأحمر، من باب المندب إلى شرق المتوسط، بما يهدد واحدة من أهم الممرات المائية في العالم.
فإذا كانت الصواريخ الحوثية قد بلغ مداها حيفا وأشدود من عمق اليمن، فإن المسافة من بورتسودان إلى الموانئ الإسرائيلية لا تتجاوز 1,400 كيلومتر.
إن أفضل طريقة يرعوي بها هؤلاء العابثون بأمننا هي التهديد بالفوضى، وليس للسودان ما يخسره. يعلم هؤلاء أنه إذا ما دبّت الفوضى في السودان، وأصبح مرتعًا للجماعات الإرهابية، فإنهم سيدفعون ثمنًا فادحًا وقتها.
8
دبلوماسيًا، يمكن أن تبدأ منذ الآن حملة توضح أبعاد المخطط، والشهود، والأدلة التي بدأت منذ الهجوم على بورتسودان، وتتضخم الآن مع التهديدات المعلنة والمثبتة.ويمكن ان تبدا التحرك الفعلى بمخاطبة رسمية أو إحاطة لمجلس الأمن أو الاتحاد الإفريقي لتثبيت الموقف السوداني.
يمكن للدبلوماسية السودانية أن تحشد القارة الإفريقية خلفها، أو على الأقل أن تُبصّرها بما ستؤول إليه الأوضاع إذا تُرك البحر الأحمر والقرن الإفريقي نهبًا للفوضى والاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل والإمارات. وقتها لن ينجو أحد.
يمكن أيضًا أن تنشط الدبلوماسية في الدول التي تقع على ساحل البحر الأحمر، إذ إن أي تهديد لأمنه يعني ضررًا مباشرًا للسعودية ومصر والأردن وإريتريا واليمن وكل الدول الشاطئية. ولهذا، لا بد أن تتخذ موقفًا ضد الاعتداءات التي يُخطّط لها الآن ضد السودان، وهي في جوهرها ضد أمن البحر الأحمر، حيث تمر 12% من التجارة العالمية، ونحو 25% إلى 30% من تجارة السعودية، ويوفّر هذا الممر المائي الهام لمصر إيرادات سنوية تتجاوز 9 مليارات دولار (2023-2024).
9
يجب أن لا ننتظر الكوارث حتى وقوعها، حتى ننهض بغضب ندين ونشجب، بل علينا أن نتحرك الآن.
ولقد اجتهدنا لنضع كل المعلومات التي تدل على أن العدوان الإسرائيلي المدفوع الثمن من كفيل الجنجويد قادم، ما لم نستمر في فضح المخطط إعلاميًا،وتكثيف حملاتنا الدبلوماسية لإحباطه قبل وصول الصواريخ إلينا في مخادعنا..!
اللهم هل بلغت؟

اترك رد

error: Content is protected !!