الرأي

لماذا لا نفهم بعضنا؟

بقلم: د. أمجد عمر

في هذا الكون الفسيح، خُلقت المرأة زهرة متفتحة في بستان الحياة، تنثر عبيرها في طرقات القلب وتلون الوجود بحنانها وعذوبتها. هي الأم والأخت والزوجة والرفيقة، منبع العطاء الذي لا ينضب، والمرفأ الآمن حين تشتد العواصف. جمالها لا يقاس بملامحها فقط، بل بجمال الروح، وصدق المشاعر، ودفء القلب الذي يحتوي العالم بنظرة حب واحدة.

ولأنها جوهرة لا تُقدر بثمن، أوصى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بها خيرًا قائلاً: “استوصوا بالنساء خيرًا”.
وصية خالدة اختزلت في كلمات قليلة أعظم معاني الرحمة والرفق والتقدير. وقد أدرك الرجل الحكيم قيمة هذه الوصية، فعرف أن المرأة تحتاج إلى الحب قبل المنطق، إلى الاحتواء قبل النصيحة، وإلى الشعور بالأمان قبل أي شيء آخر.

ورغم هذا الحب المتبادل وهذه الرغبة الصادقة في السعادة، يبقى سؤال حائر يتكرر في كل علاقة: لماذا لا نفهم بعضنا؟
كأن الرجل والمرأة يتحدثان لغتين مختلفتين رغم أنهم يقفون في المكان ذاته.
فالرجل، حين يواجه مشكلة، ينسحب إلى عالمه الداخلي ويفكر بصمت، فتظنه المرأة قد ابتعد عنها ونسي حبها.
والمرأة، حين تمر بتقلباتها العاطفية الطبيعية، قد تبدو للرجل غامضة وغير مفهومة، بينما هي في الحقيقة تحتاج فقط إلى حضنه وكلمة دعم بسيطة.
وعندما تتحدث المرأة عن همومها، لا تريد حلولًا فورية، بل تريد من يستمع إليها بقلبه لا بعقله.
وعندما يجتهد الرجل في تقديم عمل عظيم، ينتظر الامتنان، بينما كانت المرأة تترقب لفتة صغيرة، نظرة محبة، أو كلمة طيبة تُشعرها بأنها ما زالت الأهم.

إنها ليست مشكلة قلة حب، بل قلة فهم.
مشكلة أن نرى الطرف الآخر بمعاييرنا نحن، لا بمعاييره هو.
مشكلة أن نحب بطريقتنا فقط، لا بالطريقة التي يحتاجها من نحب.

وحين نتعلم أن نُقدّر اختلافاتنا بدلاً من أن نحاول تغييرها، وحين نستمع بصدق لا لنجيب بل لنفهم، وحين نُشبع حاجات قلوبنا الصغيرة بتفاصيل الحب البسيطة لا بالأفعال الكبرى فقط، يصبح الحب أكثر نضجًا، وتصبح العلاقة أكثر دفئًا ودوامًا.

الحب لا يكفي وحده، إن لم يصاحبه وعي وفهم كيف يمكننا ان نحتوي خلافاتنا .
والفهم لا يتحقق إلا حين نُحب كما أوصانا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم: حبًا فيه رحمة، واحتواء، ورفق، وقبول.

هكذا فقط، نقترب أكثر، ونفهم بعضنا أكثر، ونحب كما يجب أن يكون الحب.

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!