1
هل لأن الجيشين العظيمين في كرري وبحري التحما، أم لأننا قبل ذلك بيوم نفذ جيشنا عبور الجسور إلى داخل الخرطوم، أم لأن الفاشر صمدت وتتقدم الآن جحافل المشتركة إلى مليط ونيالا؟
لا وكلا، لا هذا ولا ذاك، وإن كانت كل هذه ا الانباء السارة هى بعض مما أفرحنا وجزء مما أسال دموعنا، وبسببها عمت هتافاتنا وامتدت من معسكرات اللاجئين في دارفور إلى شوارع حي فيصل في القاهرة (جيش واحد شعب واحد).
2
إذن لماذا تفجرت بمآقينا سيولاً من دموع؟ خلال عام كامل ونصف كنا ننام ونصحو يقلق مضاجعنا الخوف على الوطن، إذ كان في مهب الريح تماماً، كل يوم نسمع ونشاهد ما دمره الأوباش وما نهبوا واغتصبوا، فتنقبض قلوبنا بالحسرات وتمتلئ عيوننا بالدموع، نحس بالقهر والعجز، الذي يرزح الوطن تحتهما فجأة، كان وطناً آمناً وجميلاً ومتسامحاً أحاله الأوباش بين ليلة وضحاها إلى خرائب وحولوا شعبه إلى مشردين، وكل ذلك كان هيناً، كل ما كنا نأمله أن يعود إلينا الوطن، بأي حال ونعود الى حضنه، ولكن مر علينا زمن، طاف بخاطرنا أننا قد نفقده إلى الأبد.
3
كانت مخاوفنا تتعزز يومياً بأنباء الحصار والسقوط، كانت بعض مدننا مهددة ومعسكرات جيشنا محاصرة تحف بها الآلاف من جيوش الأوباش مدججة بكل الأسلحة، يتملكنا الخوف ليلاً فنهرع لأجهزتنا المحمولة، هل سقطت المدرعات وكيف هي المهندسين وسط الحصار؟ هل صمدت أم تداعت؟ كيف الأبيض وماذا فعل هجانتها الأشاوس؟ نصحو باكراً لنسأل الأصدقاء هل لازالت نيالا صامدة وكيف تصمد مدينة ستة أشهر بلا ماء ولا غذاء ولا سلاح؟. يوماً قالوا لنا إن قائد الفرقة اللواء بنيالا الشهيد ياسر فضل المولى حفر قبره وبعد أيام دفن فيه، فبدا لي كأنه حفر لنا قبوراً جماعية لندفن فيها ونحن أحياء كما دفن الأوباش المئات من أهلنا المساليت أحياء في حفرة حفرها الشهداء بأنفسهم.!!
4
حين غزت جيوش التتار الأوباش جزيرتنا الخضراء وفعلوا بأهلها مافعلوا مجتاحين حتى زهرة المدائن مدني، تملكنا اليأس وأكلتنا الشكوك، في إمكانية أن يعود الوطن إلينا بأي حال أو نعود إليه، وهل كُتب علينا التيه والغربة الأبدية عن سوداننا الحبيب؟. هذه التساؤلات لا تُحتمل فهي قاتلة ومزلزلة ولذا نسارع لمنازعتها ونفيها كأنها وسواس خناس، يوسوس في صدورنا فنستعيذ منه بالله، ولا ننفك نسأل متى نصر الله؟، فتطئمن قلوبنا حين نسمعه تعالى يجيبنا ألا إن نصر الله قريب.
5
غالبا ما يكسب اليأس المعارك؟.. كيف؟ كده.. زي ما حصل في الثلاثة أيام الماضية، بعد أن استبد بنا اليأس وضعفت نفوس مهترئة هرولت وراء سراب مفاوضات ذليلة، وكسر الخوف قلوب راجفة يئست من تحقق وعد الله ووعود قيادات الجيش بالنصر، حين تملك القلوب اليأس جاء نصر من الله ومعه فتح سريع، فعبرت جحافل قواتنا راجلة كل الكباري (الخميس الماضي) وكان ذلك حلماً لا يمكن تصور تحققه في ساعات، وفاض مقرن النيلين بمئات اللنشات تحمل على متنها مئات من الفدائيين، وظهرت تلك المراكب فجأة على سطح بحر أبيض كأنها نبعت من جوفه، وقبلها في جنح الدجى تسلل مئات الفدائيين و”أمن ياجن” ليحيدوا كل القناصة الذين احتشدوا في العمارات الشاهقة بالمنطقة وهم بالمئات، مما أتاح للآلاف من قوات المشاة الشباب أن يعبروا راجلين كل الجسور في جسارة لا تشبهها إلا جسارة جحافل جيوش المهدي وهي تعبر بحر أبيض رافعة راياتها في أعلى سرايات مراكبها لتعبر إلى قلب الدخيل.
6
الآن بدأت اسئلتنا تتغير، فبدلاً
ًمن السؤال حول سقوط الفاشر أم صمودها بدأنا نسأل هل وصلت القوات المشتركة لتخوم مليط ونيالا؟ ومن هل سقطت سنار إلى متى ستسترد مدنى التي تحاصرها الان وتكاد تطبق عليها المتحركات من كل الاتجاهات، بدلاً من سؤال إلى أين انسحب الجيش إلى أين هرب وعرد العدو؟. بدلاً من السؤال عن حصار ثكنات الجيش إلى رؤية جيش كررى يعانق جيش الكدور، بدلاً من دفاع وصبر إلى هجوم متصل على العدو في جحوره ونصر عليه. من تسقط أخبار السقوط والحصار إلى آفاق النصر والتقدم اليومي في كافة المحاور. الحمد لله والله أكبر..
7
هذه النقلة المهولة من براثن اليأس إلى أحضان الأمل ذلك هو ما أفرحنا وأبكانا، إضافة إلى إحساسنا العميق بأن الوطن عاد إلينا وبل هو أقرب إلينا الآن مما كنا نظن ونأمل، هذا هو السبب الذي شرح صدورنا وبه فاضت مآقينا، وغنينا وطربنا.. مع عميد الفن في دولة (56).. “ما أحلى ساعات اللقاء، أنا والحبيب في الملتقى.. فارقنا الشقاء وحياتنا بقت مشرقة….. قريباً بإذن الله.