حالة من الاستقطاب والانقسامات الحادة تشهدها الساحة السياسية السودانية بين القوى المدنية أفرزت أوضاعًا سيئة على كافة الأصعدة .
غير ان انقسام القوة العسكرية ودخولها بطريقة واضحة وسافرة بدعم أطراف ضد أخرى سيكون له عواقب وخيمة .اذا لم يتم حسم الوضع الملتبس بتشكيل حكومة مدنية لما تبقى من فترة انتقالية.
صراع المكون العسكري او على الاصح البرهان – حميدتي قد يكون هو الاقوى تاثيرا على الوضع الداخلي.
فالخلافات بين القائد العام رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع حميدتي ظلت مكتومة لفترة طويلة جدا ..بعد قرارات البرهان في 25 اكتوبر برزت بوضوح في عدة مواقف وعبر تصريحات متضاربة بين الطرفين .
البرهان ينطلق من مراكز قوة تستند على القوات المسلحة وعلى قوى دولية واقليمية ترغب في وجوده على الاقل في هذه المرحلة ..حميدتي ينطلق من نفس القاعدة مستندا على الدعم السريع وقوى عربية وان كان هنالك تغيير واضح في الدعم الخليجي بعد تغيير الاوضاع في اليمن والاتجاه نحو التسوية السياسية ،إلى جانب موقف ابوظبي الذي اصبح غير متحمس لدعم الرجل.
عقب لقائه مع الفريق البرهان ادلى الفريق حميدتي بتصريحات شغلت الساحة السياسية .برغم ان البعض راى الا جديد فيها عما جاء في خطاب البرهان في الرابع من يوليو الماضي والذي اعلن فيه التزام المكون العسكري بالخروج من العملية السياسية عقب تشكيل الحكومة المدنية.
حميدتي في تصريحه المقتضب اكد على الاتفاق مع البرهان بان يتولى المدنيون اختيار رئيس مجلس السيادة وايضا رئيس مجلس الوزراء. بتوافق قوى الثورة على تشكيل حكومة مدنية بالكامل لاستكمال الفترة الانتقالية .
قوى الثورة التي يقصدها حميدتي لا تحتاج لتعريف .خاصة ان هنالك حديثا متداولا حول تماهي الرجل مع مكونات من قوى الحرية والتغيير التي حكمت الفترة الماضية مع رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك وانقلب عليها البرهان بقرارات 25 اكتوبر ..ضف إلى ذلك ان البرهان تحدث عن حكومة كفاءات وطنية بعيدة عن المحاصصة والانتماءات تمهد للانتخابات .وتحدث عن مجلس اعلى للدفاع ..
تصريحات حميدتي فهم منها محاولات ارجاع اربعة طويلة خاصة بعد تاييده لمشروع دستور نقابة المحامين وتقديم الدعم السياسي له الامر الذي جعله يحصل على اشادة بعض الاحزاب (الامة) وشخصيات سياسية (ياسر عرمان) وغيرهم بما يجعله يطرح نفسه بديلا للبرهان .
كثيرون راوا ان حميدتي لم يقرأ الوضع السياسي وتاثيرات القوى الداخلية والخارجية بصورة جيدة وانه توهم قوة اكثر من الواقع معتمدا على ما يمتلكه من قوة عسكرية وثروة تجعله يتخذ قرارات منفردا.
في أقل من 24 ساعة فقط من تصريح حميدتي أطلق مستشار البرهان أبو هاجة حديثًا نسف كل ما ذكره نائب رئيس السيادي .وأكد بلهجة حاسمة وحازمة أن شعب السودان وأمنه وفترته الانتقالية أمانة في عنق القائد العام رئيس مجلس السيادة .وأن الأمانة لن تسلم إلا لمن يختاره الشعب ،ولا مجال لحكم الفترة الانتقالية بوضع اليد والفهلوة السياسية .
أبوهاجة قال إن القوات المسلحة مسؤولة بنص القانون عن حماية واستقرار البلاد .وجدد الالتزام بخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي .
إذن حكومة كفاءات مستقلة أو انتخابات (بمن حضر) هذا هو الرأي الرسمي للقائد العام رئيس مجلس السيادة .وهو ما يجب على القوى السياسية التعامل وفقه دون التهافت على أي جهة أخرى داخلية أو خارجية باعتقاد أنها تستطيع تنفيذ أجندتها عبرها.
والقول ما قال أبوهاجة لأنه يتحدث بلسان مبين للبرهان ولا يعبر عن نفسه ككاتب مقال.