من اعماقي / د. امجد عمر

لا يُثار ولا يُستثار

د. أمجد عمر محمد

حين يمضي الإنسان في طريق تحقيق أهدافه، يدرك مع مرور الوقت أن التحديات ليست دائمًا خارجية، بل كثير منها ينبع من الداخل: من التردد، ومن الغضب، ومن ردود الأفعال التي قد تخرج عن السيطرة في لحظات الضغط. وهنا يظهر معدن الصابر الحقيقي، ذاك الذي لا يُثار ولا يُستثار، بل يمضي في خطته بهدوء ووعي واتزان.

التحلي بالصبر لا يعني فقط الانتظار، بل يشمل القدرة على التحكم في النفس والانفعالات. فالطريق إلى الإنجاز لا يخلو من المثبطين، ولا من المواقف المستفزة، ولا من المفاجآت غير المحسوبة. وفي خضم ذلك، يبرز التحدي الأكبر: هل نحافظ على اتزاننا ونمضي كما رسمنا، أم نسمح للغضب بأن يختطف قراراتنا ويشتت بوصلتنا؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، وهذا الحديث يرسم بوضوح مقياس القوة الحقيقي. ليست القوة في الهيمنة أو الصوت العالي، بل في القدرة على التماسك حين تهتز النفوس، وضبط المشاعر حين تُستفز الأعصاب. وهذه ملكة لا تنمو في يوم، بل هي ثمرة تربية داخلية طويلة، أساسها الصبر والبصيرة.

الشخص الذي لا يُثار ولا يُستثار، هو شخص يعرف هدفه جيدًا، ويرى أن كل انفعال غير محسوب هو إضاعة وقت وتهديد للخطة. هو الذي يفهم أن الإنجاز لا يتطلب فقط عملاً، بل سلوكًا متزنًا، وأخلاقًا صلبة، وصدرًا رحبًا. وهو من يستطيع أن يواجه الاستفزاز بالصمت، والتشويش بالتركيز، والخصومة بالترفع.

إن الإنجاز الحقيقي لا يقوم على الانفعال اللحظي، بل على الثبات الطويل. والخطط لا تُنجز بالكلام والانفعال، بل بالهدوء والمثابرة. لذلك، فإن من أعظم مظاهر القوة أن يستمر الإنسان في طريقه، لا تُغريه التصفيقات المؤقتة، ولا تُثنيه التحديات الطارئة، ولا تُعطله الردود الانفعالية.

في النهاية، من أراد النجاح فليتحلَّ بالصبر، وليُدرّب نفسه ألا يُثار ولا يُستثار. فالثبات هو نبع الإنجاز، والعقل هو ربان السفينة، ومن ملك نفسه عند الغضب، ملك مستقبله بإذن الله.

اترك رد

error: Content is protected !!