
✍🏼 د. محمد عثمان عوض الله
رغم أن المعركة لم تنتهِ بالكامل بعد، إلا أن هناك دلائل واضحة تؤكد أن الجيش السوداني قد حسمها فعليًا قبل الوصول إلى نهايتها. يمكننا من خلال عدة أبعاد عسكرية وسياسية استعراض مدى حسم المعركة وكيف إستطاع الجيش السوداني إغلاق العديد من القضايا التي كانت تستخدم ككروت ضغط للإبتزاز و المساومة.
- 1. التقدم العسكري للجيش السوداني
من الناحية العسكرية، تحقق العديد من الإنجازات الاستراتيجية التي تدل على أن المعركة قد حُسمت فعليًا لصالح الجيش السوداني. في البداية، نجح الجيش في تحرير مناطق واسعة من البلاد، تشمل ولايات كاملة، بمحافظاتها ومدنها و أريافها وهي سنار، الجزيرة، النيل الأزرق، النيل الأبيض، بالإضافة إلى ما لا يقل عن 90% من ولاية الخرطوم و ولايات كردفان الثلاثة. هذه الانتصارات تعني أن الجيش قد أعاد السيطرة على مناطق شاسعة تشمل ولايات الشمال والشرق والجنوب الشرقي وولايات الوسط، و غرب الوسط، مما أسهم بشكل كبير في عودة الحياة إلى طبيعتها في هذه المناطق. إذ عاد المواطنون إلى منازلهم، وأعادت المؤسسات الحكومية والخدمية والقطاع الخاص مثل البنوك والمدارس والمستشفيات والاسواق و المواصلات و المحاكم والنيابات، عملها بشكل منتظم.
كما أن الجيش السوداني استطاع تعزيز أمن هذه المناطق وأعاد دورة الاقتصاد والإنتاج، مما يشير إلى عودة الاستقرار بشكله الطبيعي.
امتدت الإنتصارات العسكرية لتشمل حتى ولايات كردفان الثلاثة. أحد الانتصارات الهامة التي تحققت كانت فك الحصار عن مدينة الأبيض، ومدينة كادوقلي و استعادة تحرير الرهد و أم روابة و حيث تمكن الجيش من فك الحصار عن المدينة ومطارها، مما أدى إلى نقل العمليات الجوية إلى قاعدة الأبيض. هذا التطور أدى إلى تقليل التكاليف التشغيلية ورفع الكفاءة في إدارة العمليات العسكرية.
أما في ولايات غرب ووسط السودان مثل كردفان، فقد تمكن الجيش من تحرير مدن مثل أم روابة، الرهد، والدلنج، والغبشة و غيرها، مما أدى إلى إغلاق خطوط الإمداد للمليشيات المسلحة. وبذلك، يكون الجيش قد أضعف بشكل كبير قدرة المليشيات على شن هجمات جديدة أو تلقي إمدادات جديدة، سواء عبر الحدود السودانية مع ليبيا، تشاد أو جنوب السودان، أو عبر الحواضن القبلية من بعض المدن أو عبر التنسيق مع حركة الحلو. وهذا دليل على التفكير والتخطيط الاستراتيجي الذي يدير به الجيش السوداني هذه المعركة، ولا يتعامل معها فقط وفق التفاصيل اليومية.
- 2. القضايا التي حسمها الجيش لصالحه
هناك العديد من القضايا التي تمكن الجيش السوداني و معه الشعب السوداني من حسمها بشكل فعّال ونهائي، وأسهمت بشكل كبير في إعادة الاستقرار للبلاد:
إغلاق قضية النزوح:
من بين القضايا التي حسمها الجيش السوداني كانت قضية النزوح وهي كانت أكبر كروت الابتزاز والضغط و المتاجرة. من خلال استعادة المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المليشيات، تمكن الجيش من إعادة المواطنين النازحين إلى مدنهم وقراهم. هذا الإجراء أسهم في عودة الحياة إلى طبيعتها في العديد من المناطق المحررة، حيث استعاد النازحون منازلهم وأراضيهم.
إغلاق قضية إخراج المليشيا من منازل المواطنين:
إحدى أهم بنود اتفاق جدة، و أهم القضايا التي تم حسمها هي إخراج المليشيا من منازل المواطنين، حيث كانت المليشيات قد استولت على هذه المنازل لاستخدامها كدروع بشرية، وهددت المدنيين في العديد من المناطق و ارتكبت خلالها المجازر و الجرائم. لكن الجيش السوداني استطاع استعادة السيطرة على هذه المناطق بالقوة العسكرية، مما أدى إلى عودة المواطنين إلى منازلهم وأراضيهم، وبالتالي غلق هذه القضية بشكل نهائي.
تحرير الولايات الكبرى:
أيضًا، تمكن الجيش السوداني من تحرير ولايات مهمة مثل سنار، الجزيرة، النيل الأزرق، النيل الأبيض، وكذلك معظم ولاية الخرطوم و ولايات كردفان. وهذا التقدم الكبير في تحرير هذه المناطق ساعد بشكل كبير في عودة الاستقرار إلى البلاد وفتح المجال لإعادة بناء المؤسسات الحكومية والخدمية.
- 3. عودة الدولة إلى طبيعتها
هذه التطورات العسكرية والسياسية الهامة جعلت الدولة السودانية تعود بالكامل إلى شكلها الطبيعي ومعالمها الأساسية، حيث بدأت الحكومة السودانية في ممارسة واجباتها العادية بشكل فعال، بما في ذلك استعادة الاستقرار الاقتصادي والخدمات العامة للمواطنين، و توقيع الاتفاقات الثنائية مع الدول و فتح الحوارات المجتمعية حول الخطط السياسية و أولويات المستقبل.
الاستقرار الاقتصادي:
بعد استعادة الأمن في المناطق التي كانت تشهد نزاعات مستمرة، بدأت الدورة الاقتصادية في العودة إلى طبيعتها. استأنفت كثير من المؤسسات أعمالها، وعادت الأسواق للعمل بكفاءة. كما أن حركة التجارة الداخلية والخارجية بدأت في التحسن، و الانتاج الزراعي لهذا الموسم مما عزز قدرة الحكومة على تغيير الصورة التي رسمتها الحرب من عجز و نزوح و تعطيل الى انتاج و حوارات و تخطيط.
استئناف الخدمات العامة:
واستعادت المؤسسات الحكومية والخدمية مثل المستشفيات والمدارس والبنوك والشرطة عملها بشكل منتظم. هذه الاستعادة السريعة للخدمات العامة ساعدت على إغلاق العديد من الملفات الاجتماعية التي كانت تشكل ضغطًا على الحكومة والمجتمع. كما بدأت الطاقة الكهربائية والمياه في الوصول إلى المناطق المحررة، مما أسهم في تحسين حياة المواطنين.
النشاط اليومي للمواطنين:
مع تحسن الوضع الأمني، استأنف المواطنون حياتهم اليومية بشكل طبيعي، حيث بدأت الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية تعود بشكل تدريجي إلى سابق عهدها. ازدهرت الأسواق المحلية، وبدأ المواطنون في ممارسة أعمالهم اليومية بشكل طبيعي. كما أن العودة إلى العمل في القطاعين العام والخاص أسهمت في استعادة الثقة في الدولة.
- 4. الحسم السياسي والتداعيات
من الناحية السياسية، حققت الحكومة السوداني العديد من الانتصارات الهامة التي أثرت بشكل كبير في مجريات المعركة. أولا، أدى نجاح الجيش في السيطرة على الأراضي وإعادة الأمن إلى إغلاق ملف النزوح الذي كان يستغله العديد من المنظمات والجهات المناوئة للجيش في حملات الضغط الإعلامي والسياسي. كما أن استعادة الجيش للمنازل من قبضة المليشيات المسلحة وعودة المواطنين إلى منازلهم أغلق بشكل كامل قضية “التهجير القسري” التي كانت تروج لها بعض القوى المعادية لدرجة في لحظة واحدة كان الاعلام العالمي الموجه يتحدث عن وشك انهيار للدولة أو عدم شرعية الحكومة أو حدوث مجاعة و غيرها بل تحدث بعضهم عن تدخل دولي وفق البند السابع لمجلس الامن. كل ذلك أغلق تماما وصار من الماضي.
على الصعيد السياسي أيضًا، فشلت الأحزاب التي تدعم المليشيا في محاولات التأثير على الرأي العام السوداني والعالمي. فقد أصيبت هذه الأحزاب بخلل في التوازن السياسي، وأدى ذلك إلى حالة من الارتباك والاضطراب في صفوفهم. وهذا الأمر دفعهم إلى محاولات يائسة مثل الإعلان تغيير اسمائهم المتكررة، أو مواثيق سياسية أو حتى الاعلان عن حكومة موازية، ولكن هذه المحاولات فشلت جميعها بشكل ذريع، حيث واجهت انتقادات واسعة من قبل المجتمع الدولي والدول الكبرى، مما أضعف موقفهم بشكل كبير.
أما على المستوى الشعبي، فقد فشلت الأحزاب في تنظيم أي فعاليات علنية أو لقاءات جماهيرية، كما اضطرت إلى إغلاق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الضغوط التي تعرضوا لها من الجاليات السودانية في الخارج. هذا التراجع يعكس بوضوح الخيبة التي أصابتهم، ويعزز من فكرة أن معركة الكرامة قد حسمت لصالح الجيش السوداني.
- 5. نتائج المعركة على الأمن والاستقرار في السودان
من النتائج الرئيسية لهذه المعركة هو تعزيز سيطرة الجيش السوداني على معظم الحدود المشتركة مع دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وجنوب السودان. وهذا يمثل خطوة استراتيجية هامة في منع تدفق الأسلحة والمقاتلين الأجانب إلى الأراضي السودانية، وهو ما ساهم في إضعاف القوى المناوئة للحكومة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول أن معظم القضايا السياسية والعسكرية قد تم حسمها، حيث انتهت الكثير من التوترات المتعلقة بالأمن الداخلي في ولايات الوسط، وانتقلت المعركة بشكل تدريجي نحو ولايات دارفور التي هربت اليها قيادات المليشيا وجنودها بسبب وجود الحاضنة القبلية فيها. و بذلك، لا يزال هناك بعض التحديات المتبقية، خصوصًا في المناطق التي تسيطر عليها بعض الجماعات المحلية و القبلية التي تحالفت مع المليشيا. ولكن من الواضح أن حسم هذه المسائل هو مسألة وقت فقط.
- 6. المستقبل والتوقعات
من المتوقع أن تواصل القوات السودانية تقدمها في المناطق المتبقية سريعا في كردفان و تنحصر فقط في دارفور، وأن تكون العمليات العسكرية في هذه المناطق أقل تعقيدًا في ظل السيطرة الاستراتيجية التي حققها الجيش في معظم أنحاء البلاد و انحصار الجبهة القتالية في مساحة أضيق و تضاعف امكانيات الجيش. لذلك فان استعادة الأمن الكامل في المناطق الغربية من السودان والذي سيعني نهاية فعالة للمعركة، وتطبيع الوضع في كافة مناطق السودان، ماهو إلا مسألة وقت.
خاتمة
بناءً على المعطيات العسكرية والسياسية التي تم استعراضها، يمكننا القول إن معركة الكرامة قد حُسمت بالفعل لصالح الجيش السوداني. النتائج العسكرية الميدانية، مثل تحرير المناطق الحيوية واستعادة الأمن، وكذلك الانتصارات السياسية التي حققها الجيش في مواجهة المليشيات والأحزاب الداعمة لها، تجعل من هذه المعركة نقطة فارقة في تاريخ السودان المعاصر. وما تبقى من المعركة هو مجرد مسألة وقت حتى يتحقق الاستقرار الكامل في جميع أنحاء البلاد.