
في هذا ( الوقت ) الذي يقف فيه
( العالم ) على مُفترقِ طريقٍ ،
و ينتظر تحولاتٍ كونيةٍ عظمى
تلوح في الأفق نُذُرُها ،
يأتي العام ٢٠٢٦ ،
و الذي أتمنى ،
و أتمنى ،
أَنْ يَكُونَ عَامَ صَلَاة لَنَا ..
أن نُصلِّي إن لم نكن من
المُصَلين ،
و أن نُحافظ على الصلاة
إن كنا من المُصَلِّين ،
و أن نبْلُغَ بصلاتِنا كمال الخشوع
إن كنا من المحافظين ..
و لا أجد ( أمنية ) أغلى في هذا
اليوم منها ..
ذلك أن الصلاة هي الهادية إلى
( الطريق المستقيم ) ..
و هي العاصم لنا من المهالك ،
و سوء المُنقلّب ..
لِذٰلِكَ ،
لا أستطيع إستيعاب أن يكون هناك
من هو مسلم ، و لايصلي ،
إذ لا ينبغي أن يحدث هذا أبداً ،
أبداً ،
فبأيِّ وَجْهٍ تَلْقَى اللَّهَ وَأَنْتَ بِلا صَلَاةٍ ،
أَوْ بِصَلَاةٍ سَاهِيَةٍ ..
فالصلاة ليست خِياراً ،
إنّها مُراد الله من خَلْقِه ،
( و ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ..
و هي ذروة سنام العبادة ،
( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَابًا مَوْقُوتًا ) ..
و كَيْفَ تَنْعَقِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ صِلَةٌ
وَأَنْتَ لَا تَصِلُهُ ،
وَلَا تَتَوَاصَلُ مَعَهُ ،
وَلَا تَتَّصِلُ بِهِ ،
وَلَا سَبِيلَ مُطْلَقًا إِلَى هٰذِهِ الصِّلَةِ
وَالتَّوَاصُلِ وَالاتِّصَالِ مِنْ دُونِ
الصَّلاةِ ..
فالصلاة عماد الدين ،
من أقامها فقد أقام الدين ..
و هي أول ما يحاسب به العبد
يوم القيامة من عمله ..
إنها مدار صلاح العمل ،
أو فساده..
لذا ،
عَظِّم الصلاة في نفسك كأشدّ
ما يكون التعظيم ،
و تشرَّف بها و استَشْرِف ..
و قد عظُمت و شرُفت يوم أن
فرضها الله تعالى مباشرةً ليلة
الإسراء و المعراج دون واسطة ..
فهي العبادةُ التي لا تسقط عن المكلَّف ما دام عقلُه حاضرًا ،
ولا يُغني عنها بدلٌ ، فتؤدَّى على
كل حالٍ بحسب الاستطاعة ..
ذلك أن الشهادةُ تُجزئ مرةً في العمر ،
والزكاةُ تجب على من بلغ
النصاب ،
والصومُ واجبٌ على القادر ،
ويُرخَّص لغيره بعذر ،
والحجُّ فرضٌ على من استطاع إليه سبيلًا ،
أمّا الصلاةُ فتظل فريضةً ملازمةً للمسلم في كل وقتٍ وحال ..
وقد جُعل النداء إليها من أعظم
و أبركِ القُرُبات ،
فتأمل هذا النداء ،
إنه التعظيم لله العظيم ،
و إنه الفلاح كله ،
و إنه الإنابة كلها :
( الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمدًا رسول الله
أشهد أن محمدًا رسول الله
حيّ على الصلاة
حيّ على الصلاة
حيّ على الفلاح
حيّ على الفلاح
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله ) ..
فمن لبّى سعد في الدارين ،
ومن أعرض خَسِر في الدارين ..
و أنت في الصلاة ،
تكون أقرب ماتكون إلى الله ،
تكلِمهُ و يكلّمُك ،
ذلك أنه ،
( إذا أردت أن يكلمك الله ُفعليك
بقراءة القرآن ،
و إذا أردت أن تكلمَ الله فعليك
بالدعاء ،
و إذا أردت أن تكلمَ اللهَ و يكلِمُكَ
فعليك بالصلاة ) ..
فلا تُضحِّ بهذا القرُب ..
و لا تسمح لعذر أو مانع أن يحبسك
أو يشغلك عنها ..
و لا يحملنَّك ذنبٌ تَقْتَرِفه على ترك
الصلاة و تبرير تأجيلها ..
أعني ،
صَــــــلِّ ، و إن كنت تأتي
الفواحش و المنكرات ،
فهذا هو السبيل الوحيد للانتهاء
عن الفواحش و المنكرات ..
( فمن يترك الصلاة لأنه يُخطئ ،
كمن يترك الدواء لأنه مريض ) ..
إنَّ البداية بالصلاة ،
ثم يأتي الإصلاح و الصلاح ..
و لكن ،
لِيَصِحَّ منك العزمُ على الإقبال عليها
بقلبٍ سليمٍ ، و عزمٍ راشِد ،
أي من مجرد حركات ،
إلى عملٍ قاصدٍ مستوفي الأركان
و الواجبات و السُنن ،
حتى تبلغ بك درجات ( الإحسان ) ،
و هي أن تصلي لله كأنك تراه ،
فإن لم تكن تراه فإنه يراك ..
سئل حاتم الأصم ، رحمه الله ،
كيف تخشع في الصلاة ؟
أجاب :
( أجعل الكعبة أمامي ،
و الجنة عن يميني ،
و النار عن يساري ،
و مَلك الموت خلفي ،
و أظنها آخر صلاة ) ..
صَــــــلِّ ،
صلِّ ما دمتَ في فُسحةٍ من العمر ،
فإن الوقت يمضي ،
و قد اقتربت ساعتُك ،
و ساعتُك لحْظَةُ موتِك ،
لكيلا تَذْهَبَ نفسُك حسراتٍ ،
( يا حسرتا على ما فرطت في الصلاة ) ..
و لات حين حسرة ،
و قد أتتك النُذُر ،
و واتتك القُدرة ..
فدعائي ،
و رجائي ،
أن نجعل من هذا العام عاماً للصلاة ،
نُكْثِر فيه من السجود ،
و الذي هو منتهى التذلل و الخضوع ..
فَأَقِمِ الصَّلَاة ،
واسجدْ لكي تقتربْ ،
و اسجد لكي تتحرر ،
و اسجد لكي تصفو ،
واسجدْ لكي ترتفعَ ،
وتعلو ،
وتسمو ،
وتحقّقَ من الحياةِ معناها ..
فكلما لامست جبهتُك الأرض ،
استنار فؤادُك ،
و عانقت روحُك السماء ،
و فُتحِت لك أبواب الرضى و الرحمة ،
و غمرتك الفيوضات النبوية :
( من حافظ عليها ،
كانت له نوراً ،
و برهاناً ،
و نجاةً يوم القيامة ) ،
فالصلاة ، الصلاة ، الصلاة ،
حتى يأتيك اليقين ..
و َلَيْتَنِي ، وَلَيْتَكُمْ نُدْرِكُ كُنْهَ
الصَّلَاةِ ، وَالَّذِي لَوْ أَدْرَكْنَاهُ لَمَا
وَسِعَتْنَاالْأَرْضُ وَلَاجْتَذَبَتْنَا إِلَيْهَا السَّمَاءُ ..
وَلَيْتَنِي ، وَلَيْتَكُمْ نَبْلُغُ بِصَلَاتِنَا
ذَلِكَ الْمُرْتَقَى الَّذِي عِنْدَمَا
نَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ نَخْرُجُ مِنَ
الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا..
وَلَيْتَنِي ، وَلَيْتَكُمْ نَتَذَوَّقُ حَلَاوَةَ
ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ
الرَّسُولُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَهُوَ يُنَادِي سَيِّدَنَا بِلالًا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
( يَا بِلَالُ ،
أَقِمِ الصَّلَاةَ ،
أَرِحْنَا بِهَا )..
إنها الراحة اللَّدُنِيَّة التي تسع
العالمين سعادةً و سكينةً ..
فَأَقِمِ الصَّلَاةَ
و أقِمِ الصَّلاةَ
و أقِمِ الصّلاةَ ..
اللهم اجعلنا من المُصلين حتى
نبلغ درجات عبادك المؤمنين ،
الذين هم على صلاتهم يحافظون ،
و الذين هم في صلاتهم خاشعون ..
و هذا آخِرُ مَا أُخْتِمُ بِهِ عَامِي هٰذَا ،
وَ أَسْتَقْبِلُ بِهِ عَامِي الَّذِي أَقْبَلَ ..
وَالسَّلَام …
٣١ دِيسَمْبَر ٢٠٢٥ ..






