الرواية الأولى

نروي لتعرف

من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

كلمات في حق البرهان وإن ضعفت

محمد الحاج

في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات وتتشابك فيه المصالح، وتُختبر فيه المواقف والرجال، برز الفريق أول عبد الفتاح البرهان كواحد من أولئك الذين لا يتراجعون أمام العواصف، ولا ينهارون تحت ضغط الأحداث، ولا يساومون على كرامة وطنهم مهما اشتدت المحن. لم يكن ظهوره في هذه الحرب مجرد حضور بروتوكولي، بل كان فعلًا متجذرًا في الميدان، وتحركًا مستمرًا بين الجبهات، وقيادةً لا تعرف التردد، ولا تستسلم للواقع مهما بدا معقدًا أو قاسيًا.

منذ اللحظة الأولى في حرب أبريل 2023، كان البرهان في قلب الحدث، لا في أطرافه. لم يختبئ خلف الجدران، ولم يكتفِ بإصدار البيانات، بل اختار أن يكون حيث يجب أن يكون القائد: بين جنوده، في ساحات القتال، في مواقع التهديد، وفي خطوط النار. تحركاته لم تكن استعراضية، بل كانت جزءًا من منظومة قيادة ميدانية، تُشرف وتُتابع وتُحفّز، وتُعيد ترتيب الصفوف في لحظات الانكسار، وتُعزز الثقة حين تتراجع المعنويات.

الذين تابعوا مسار الحرب عن كثب، يدركون أن البرهان لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا لصمود الدولة في وجه مشروع تفكيكها. فالمعركة التي خاضها لم تكن فقط ضد مليشيا متمردة، بل ضد منظومة إقليمية ودولية أرادت أن تُعيد تشكيل السودان وفق مصالحها، وأن تُسقط مؤسساته، وتُعيد رسم حدوده السياسية والأمنية. في مواجهة هذا المشروع، لم يجبن البرهان، ولم يتردد، ولم يساوم، بل اختار طريقًا صعبًا، يتطلب شجاعة نادرة، وصبرًا طويلًا، وإيمانًا عميقًا بأن الكرامة الوطنية لا تُشترى، ولا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعًا.

لم يكن البرهان وحده في هذه المعركة، لكنه كان في مقدمتها. ومعه قيادات عسكرية ومدنية اختارت أن تصطف خلف الوطن، لا خلف المصالح الضيقة. ومع ذلك، فإن رمزية البرهان كانت حاضرة بقوة، لأنه لم يغادر الميدان، ولم يتغيب عن لحظة فارقة، ولم يترك جنوده يواجهون الموت وحدهم. كان حاضرًا في الخرطوم القيادة حيث استبسل الرجال، وفي كل نقطة تماس، يرفع المعنويات، ويُعيد ترتيب الأولويات، ويُرسل رسالة واضحة: أن السودان لن يُكسر، وأن الجيش لن يُهزم، وأن القيادة لن تتخلى عن مسؤوليتها مهما كانت التضحيات.

الذين يعرفون البرهان عن قرب، يدركون أنه ليس من طينة القادة الذين يبحثون عن الأضواء، أو الذين يُراهنون على الخطابات. هو رجل ميدان، يتحدث بلغة الفعل، لا بلغة الشعارات. وربما لهذا السبب، لم يكن حضوره الإعلامي طاغيًا، لكنه كان حاضرًا في كل تفاصيل المعركة، في كل قرار استراتيجي، وفي كل لحظة حاسمة. لم يُظهر ضعفًا، ولم يُبدِ ترددًا، ولم يسمح للانهيار أن يتسلل إلى صفوف الجيش، رغم حجم الضغوط، وتعقيد المشهد، وتعدد الجبهات.

في لحظات الانكسار، كان البرهان هو من يُعيد التوازن. وفي لحظات النصر، كان هو من يُحذر من الغرور. وفي كل الأحوال، كان هو من يُذكّر بأن المعركة ليست فقط عسكرية، بل هي معركة كرامة و معركة وطن، وسيادة، وهوية. لم يسمح للانقسامات أن تُشتت الصف الوطني، ولم يسمح للتدخلات الخارجية أن تُحدد مسار المعركة. كان واضحًا في مواقفه، حازمًا في قراراته، واقعيًا في تقييمه، لكنه لم يتنازل عن المبادئ، ولم يُفرّط في الثوابت.

قد يختلف البعض حول التفاصيل، وقد يُجادل البعض في التقديرات، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن البرهان واجه العدوان بشجاعة، وتحمل مسؤولية القيادة في أصعب الظروف، ولم ينهار في أي لحظة، ولم يختفِ عن الأنظار، ولم يتنصل من واجباته. وهذا وحده يكفي ليُقال فيه ما يُقال عن الرجال الذين يصنعون التاريخ، لا أولئك الذين يكتفون بمشاهدته نختلف او نتفق الفريق البرهان قائد وطني لا جدال عليه.

إن الحرب التي يخوضها السودان اليوم ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي معركة وجود، ومعركة كرامة، ومعركة مستقبل. وفي مثل هذه المعارك، لا يُقاس القادة بعدد كلماتهم، بل بعدد مواقفهم، وبعدد المرات التي اختاروا فيها أن يكونوا في الصف الأول، رغم الخطر، ورغم الألم، ورغم الإغراءات. والبرهان، وإن ضعفت الكلمات في وصفه، يبقى من أولئك الذين اختاروا أن يحملوا عبء الوطن على أكتافهم، دون تردد، ودون شكوى، ودون انتظار للثناء.

قد لا يكون البرهان مثاليًا، وقد لا تُرضي قراراته الجميع، لكن في زمن الانهيار، يكفي أن يكون القائد حاضرًا، شجاعًا، صامدًا، ومؤمنًا بأن الوطن يستحق أن يُدافع عنه حتى الرمق الأخير. وهذه وحدها، في زمن التراجع، تُعد بطولة.
١١ اغسطس ٢٠٢٥

اترك رد

error: Content is protected !!