اصلاح الخلل الهيكلي في اقتصاد أي دولة دائماً ما تكون كلفته باهظة خصوصاً على الفقراء ومحدودي الدخل. تم على نطاق واسع خلال فترات سابقة انتقاد برامج الإصلاح الهيكلي التي كانت تقدمها المؤسسات الدولية (روشتة البنك الدولي) بسبب هذه الكلفة الباهظة التي تسببت في العديد من الدول في اضطرابات واحتجاجات سياسية عنيفة.
البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى انتبهت لهذه المعضلة فصممت برنامج معونات للأسر الضعيفة فيما يسمى بالدخل الأساسي، وقد اثبت هذا البرنامج نجاحاً في العديد من الدول، حيث استطاعت الفئات الفقيرة تحمل كلفة البرنامج من خلال تلقي مدفوعات تبدو صغيرة في القيمة لكن استمرارها وانتظامها حول العديد من الأسر من أسر مستهلكة لأسر منتجة.
مذكرة المشاركة مع البنك الدولي CEN التي وقعتها حكومة السودان مع البنك الدولي في أكتوبر 2020 نصت على برنامج لعون الأسر سمي (ثمرات) تم استقطاب تمويل له في شكل منح بقيمة 820 مليون دولار، وكان ينتظر أن يغطي حوالي 80% من الأسر السودانية بمدفوع شهري للفرد الواحد من الأسرة مبلغ 5 دولارات. تعثر البرنامج بسبب عجز السلطات السودانية عن حصر واحصاء الأسر الضعيفة. ثم توقف البرنامج بسبب القرارات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة في أكتوبر 2021 وتوجد حالياً مساعٍ لاستئنافه نأمل أن تنجح.
جمهورية مصر من بين الدول التي طبقت برنامج اصلاح هيكلي عميق ابتداءً من العام 2016، وقد حققت نجاحا في التطبيق وفي تجاوز الكلفة الاجتماعية الباهظة من خلال التطبيق المحكم والحاسم لبرنامج عون الأسر.
قامت مصر بتوسيع نطاق برامج التحويلات النقدية للوصول إلى الفئات الأشد احتياجا. فقد اتسع نطاق برنامج (تكافل وكرامة)، وهو مماثل لبرنامج (ثمرات) في السودان، من حوالي 200 ألف أسرة إلى 2.3 مليون أسرة، أو 10 ملايين فرد تم تحديدهم بدقة باعتبارهم بحاجة للمساعدة الاجتماعية. وكانت هذه البرامج هي أكثر الطرق فعالية لضمان تحمل الفقراء تكاليف التصحيحات الاقتصادية. وقد اتسمت السياسة الاجتماعية التي ارتكز عليها برنامج تكافل وكرامة بأهميتها البالغة لضمان التأييد الشعبي للإصلاحات الأوسع نطاقا التي احتاجتها مصر في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ووضع الأساس للنمو الأعلى والأكثر احتواء.
حسب رؤية مصر 2030 والبرنامج الثلاثي فإن الهدف الأشمل للإصلاحات الاقتصادية هو ضمان تزايد توجه الاقتصاد نحو السوق، بحيث يزداد تحول دور الدولة من قيادة النمو إلى تيسيره. ذلك أن مصر بحاجة بالفعل إلى 700 ألف فرصة عمل جديدة سنويا على الأقل لكي تستوعب أعداد السكان المتزايدة والتي يشكل الشباب نسبة كبيرة منها، ولن يتأتى لها ذلك إلا من خلال القطاع الخاص.
نرى الاستفادة من التجربة المصرية في تطبيق برنامج عون الأسر السودانية، لأن تكلفة الإصلاحات الاقتصادية أثرت بشكل هائل ومحزن على العديد من الأسر السودانية. والله الموفق.