الرأي

قصة مدينتين :لندن وبورتسودان

مثلما سطر الأديب الانجليزي تشارلز دكينز أقصوصته الخالدة في تاريخ الأدب الإنجليزي ( قصة مدينتين ) موظفاً موجة الغضب الشعبي العارم الذي صحب وأعقب الثورة الفرنسية حيث يهتف الثوار :(الموت للأرستقراطيين كل الأرستقراطيين ..الأرستقراطيون أعداء الجمهورية) ؛ متنقلا في أحداث روايته الشهيرة بين لندن وباريس ؛فإن الشعب السوداني في معركته الوطنية (معركة الكرامة ) قد قدم ملحمة كبرى مثله فيها أبناء الجالية السودانية في المملكة المتحدة حيث حولوا لندن التي ظنها حمدوك ملاذاً آمناً له ولجوقته من (القحاحتة والمتقزمين) يلتقون فيها لإقامة المزيد من فعاليات التربص بالشعب السوداني والتآمر عليه وموالاة مليشيا التمرد التي أذلت الشعب السوداني وأذاقته صنوفا من التشريد والتعذيب والتقتيل والتنكيل وانتهاك الحرمات والحقوق ؛لتضيق بهم لندن بما وسعت من احتضان رسمي لفعالية مركز شاتام هاوس المحسوب على المخابرات البريطانية حيث تنسق لقاءات حمدوك وصحبه السفيرة البريطانية السابقة في الخرطوم ( روزاليندا) التي أسمعها البشير (البركاوي) عندما أرادت أن تفرض وصايتها على السودان .

ذهب حمدوك إلى لندن ليأجج الحرب ضد الشعب السوداني ويطيل أمدها حتى ينتصر حليفه الخارجي تلك الدويلة أو حليفته المليشيا ؛ ذهب حمدوك متدثرا بثوب كاذب عنوانه (العمل على وقف الحرب ) لكن مطالبه تفضح جوهر الأمر ؛فقد كان كل جهده متركزا حول أن تقوم بريطانيا التي هي حاملة القلم لملف السودان في مجلس الأمن الدولي والذي تولت رئاسة هذا الشهر بتبني مشروع قرار يقضي بفرض حظر طيران بل وحظر الطيران المسير في مناطق يتم تحديدها في السودان تحت مسمى (حماية المدنيين ) ؛متناسيا كل المجازر التي ارتكبتها المليشيا التي يدعمها ضد المدنيين منذ بداية الحرب وآخرها مجازر قرى البطانة وشرق الجزيرة التي لم تدع عنواناً من عناوين انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب إلا واقترفت منه .فهل هؤلاء الذين تمارس ضدهم المليشيا الانتهاكات ليسوا بمدنيين ؟ أفلا تندرج حمايتهم تحت طائلة إهتمام حمدوك وقحت وتقزم ليس إيماناً بقضيتهم ومظالمهم ولكن على الأقل لاستحلال الحديث باسم المدنيين الذين تبني تقزم كل خطابها المخادع بأنها تمثلهم تحت مسمى (القوى المدنية ) ؛بينما في حقيقة الأمر كل ما ترمي إليه يصب في خانة دعم الموقف العسكري المتراجع للتمرد وتصعيب مهمة القوات المسلحة في تحقيق النصر العاجل الشامل الذي بات قريباً أكثر من أي وقت مضى .

إن هبة أبناء الشعب السوداني في لندن والذين جاؤوا من كل مدن المملكة المتحدة تعد نقطة تحول كبرى في انعتاق السودان من الوصاية الأجنبية المرتبطة بالعمالة الوطنية في جبهة (الكفاح المدني ) بحيث أصبح هناك مدنيون وطنيون بحق وحقيقة سيسدون هذه الثغرة التي كانت تستغلها المخابرات الأجنبية لتجنيد حملة جوازاتها من طالبي اللجوء السياسي وعاطلي السياسة لتصنع منهم آليات توظفها لإعادة استعمار السودان من جديد .

إن واقعة لندن ستعيد ترتيب المشهد في المدينة الأخرى العاصمة الإدارية بورتسودان ؛فالمعادلة أصبحت واضحة أن استغفال الشعب باسم الثورة المزعومة أو المختطفة أو انتحال شخصيته باسم القوى المدنية من أقلية لا تساوي شيئاً ولا تقوى على شيء لم يعد ينطلي على أحد وأن رمي كل من يواجههم بأنه (فلول ) (وحركات إسلاميين ) كما أشار حمدوك لمحدثيه من التقزميين في لندن واصفاً الحديث عن موت حميدتي بأنه من فعل الفلول لخلق (بلبلة ) وأنه جزء من الحرب ؛وطمأن مؤيديه بأن هذا الحديث كلام فارغ وغير صحيح وأن قائد المليشيا حي ؛ونسي حمدوك أنه أقر ضمناً بأنهم يساندون المليشيا ويدعمونها في حربها ؛فاذا كان الحديث عن موت حميدتي جزء من الحرب لدعم القوات المسلحة فحديثه عن حياته جزء من الحرب لدعم المليشيا .

حاشية :
بقي أن يتم التوظيف الصحيح لواقعة لندن بعمل دبلوماسي رسمي وشعبي كبير يبدأ بتغيير عاجل في السفراء ومدراء الإدارات بالخارجية السودانية الذين تقاعسوا في معركة الكرامة ثم تكوين أجسام مدنية فعلية وطنية غير محزبة من أبناء الوطن بالمهاجر من خبراء تكنوقراط يمثلون المرجعية الاستشارية للفترة الانتقالية في مجالاتهم التخصصية المهنية ويعبرون عن تطلعات الشعب السوداني حيث يقيمون .أما إدارات المؤسسات الاقتصادية النقدية والمالية والخدمية التي تحدث الفريق ياسر العطا عن وجود الدعامة والقحاتة على سدتها فتلك تحتاج إلى ثورة عاجلة يكون هتافها في كل مدن السودان الحرة ( أقيلوا من يقفون ضد الشعب في معركته فهؤلاء هم أعداء الوطن ) ليكون صدى ذلك سياسات عملية في بورتسودان تجعل الأداء السياسي مواكبا وحكومة تصريف الأعمال حاضرة وإلا ستمر هذه السانحة دون أي توظيف .

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!