الرواية الأولى

نروي لتعرف

فيما أرى / عادل الباز

قرقاش يغرد… ومسيراتهم تقصف

عادل الباز



1
يُرسل قرقاش لنا الأماني العذبة في وقتٍ ترسل فيه دولته المسيرات لتقصف وتقتل الشعب السوداني يوميًا! المناسبة هي تغريدة للسيد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بتاريخ 25 يوليو 2025، يقول فيها: «ربما تم نقل رسالتنا بشكل خاطئ، أو ببساطة لم تُسمع بوضوح. لذا دعونا نكون واضحين: تدعم الإمارات العربية المتحدة بشدة الإنهاء الفوري للحرب الأهلية في السودان».
تأتي هذه التصريحات قبيل انعقاد اجتماع الرباعية المرتقب في واشنطن بثلاثة أيام، في محاولة مكشوفة لتبييض سجل الإمارات قبل أي اتفاق دولي. لكن مَن يريد المستشار أن يخدع في الرباعية؟ الولايات المتحدة؟ صحافتها نشرت عشرات التقارير عن دور الإمارات في دعم الميليشيا. السعودية؟ التي تصرّ على وجود الإمارات في الرباعية لا لمكافأتها، بل لتحمّل مسؤولياتها. أم مصر؟ التي تعلم تفاصيل الموقف عن كثب. أم أن قرقاش يخادع الشعب السوداني الذي يُقتل يوميًا بأسلحة مصدرها مطارات الإمارات؟
2
ترى، ما هي تلك «الرسالة» التي تم نقلها بشكل خاطئ؟ هل يقصد قرقاش أن الإمارات لم تكن داعمة للحرب، وأن العالم كله فهمها خطأ؟ هل يريد أن يكذّب تقارير الأمم المتحدة، والصور، والتحقيقات، وحتى شهادات الضحايا؟ في أي كوكب يعيش هذا المستشار؟
3
يضيف قرقاش: «دعونا نكون واضحين، الإمارات العربية المتحدة تدعم بشدة الإنهاء الفوري للحرب الأهلية في السودان». كيف؟ ومنذ متى؟ هل بعد أن سُحقت الميليشيا وتراجعت إلى دارفور؟ كيف تدعم الإمارات وقف الحرب بينما تستمر طائراتها المحملة بالسلاح في الإقلاع من مطاراتها نحو السودان؟ راجع تقارير جامعة بيل، وتحقيقات ديكلان والش في نيويورك تايمز، أو فقط راجع ضميرك، إن وجد!
يعلم قرقاش أن الحرب لن تنتهي بتغريدات مخادعة. الحرب تتوقف فقط إذا تم الضغط الجاد على الإمارات لوقف الدعم العسكري للميليشيا، وسحب عناصرها من المدن، وإنهاء دورها السياسي والعسكري. لا تغريدة ولا ألف منها ستُنهي هذه الحرب.
4
ثم يزعم قرقاش: «إن مستقبل السودان يجب أن يكون في ظل حكومة مستقلة بقيادة مدنية». يؤكد، لا بل يزعم في جزء آخر من تغريدته، أن «مستقبل السودان يجب أن يكون في ظل حكومة مستقلة بقيادة مدنية».
تُرى، ما شأنك بهوية حكومتنا؟ مستقلة أم مستعمرة، حكومة شيوعيين، أو إسلاميين، حكومة عسكرية أم مدنية… ما شأنك؟ وهل يتدخل أي فرد من الشعب السوداني في هوية الحكومة التي يرتضيها الشعب الإماراتي؟ أميرية، أسرية، عشائرية قبلية؟ نحن نحترم الشعب الإماراتي ولا نتدخل في شكل الحكم الذي يرتضيه، وليس من عملنا أو واجبنا أن نقترح عليه نوع الحكومات التي يختارها؛ فشعب الإمارات شعبٌ حر يختار من يشاء. فلماذا تتدخلون في شؤوننا؟ لماذا تودون أن تفرضوا أو حتى تقترحوا علينا شكل الحكومة الذي في تصوركم؟
الحقيقة أنكم لا تدعمون حكومة مدنية، إنما تدعمون حكومة على شاكلة «تأسيس» ولو على رأسها عساكر الجنجويد ويتزعمها العطاوة زعماء الإبادة وبعض هوامش الحركات المسلحة. أو ربما تدعمون حكومة عميلة تؤسسها «صمود»… تلك هي أنواع الحكومات التي تدعمونها وتحبونها!
قل لي يا سيد قرقاش: هل ستدعمون حكومة مدنية على رأسها إسلاميون حتى لو جاءت بانتخابات ديمقراطية وصوّت لها كل الشعب السوداني؟ أم أنكم ستواصلون حربكم عليها لأنها حكومة كيزان رغم أنها مدنية؟ الحقيقة أن ما تدعمه الإمارات ليس «حكومة مدنية»، بل حكومة عميلة طيّعة تعمل على تحقيق مصالحها.
5
تصريحات قرقاش بتناقضاتها تلك لا تقنع أحدًا، وهي محاولة يائسة لتضليل الرأي العام الإقليمي والدولي قبيل اجتماع الرباعية. لكن الحقيقة لن يحجبها الضجيج؛ فمَن دعم الحرب لا يمكن أن يكون وسيط سلام، ومن أرسل السلاح لا يمكنه أن يدّعي الحياد، ومن قتل وشرّد ونكّل وجوّع لا يملك الحديث عن مستقبل السودان.
6
ربما ينجح قرقاش في خداع من لا يعرف الحقيقة، لكنه لن يخدع من فقد أبناءه تحت صواريخ طائراتهم، أو من شاهد بعينيه المسيّرات تفتك بمدينة الفاشر ونيالا. الحرب لن تنتهي بالتغريدات، بل بوقف الدعم الإماراتي الحقيقي للميليشيا.
7
سؤال للسيد قرقاش: لماذا تصرّ على الكذب في الوقت الذي كان عليك فيه أن تكون مستشارًا «محترمًا مالي مركزه» كي يصدقك الناس وتصل رسالتك الإعلامية؟ إن الكذب على الملأ سيجعلك مستشارًا مضحكًا في الأسافير، وقد حدث!
رسالة إلى الرباعية في واشنطن:
لا تخدعكم ترهات المستشار، واسألوا عن الوقائع. لا تمنحوا الشرعية لمن موّل الفوضى، واغتال المدن، وأغرق البلاد في الدم. فموقفكم من داعمي ومُسعّري الحرب هو ما سيحدد سيناريو المستقبل: إما عدالة تُنقذ السودان، أو صفقة تُعيد إنتاج الكارثة. هذه لحظة اختبار أخلاقي قبل أن تكون سياسية؛ فمن لا يرى الحقيقة بعد كل هذا الدمار لا يُؤتمن على مستقبل السلام.

اترك رد

error: Content is protected !!