الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

قراءة في خطاب كامل إدريس في الأمم المتحدة… الرسالة والمردود

تقرير:صباح موسي – المحقق

شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترافا رسميا دوليا بشرعية الحكومة السودانية، وذلك بمخاطبة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس ممثلا مدنيا للسودان والشعب السوداني في أروقة المنظمة الأكبر في العالم.

الحكم المدني

وفي كلمة ألقاها في وقت متأخر من ليل الخميس، خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد إدريس التزام حكومته المدنية بتعزيز الحكم المدني والانتقال الديمقراطي، وذلك نيابة عن الشعب السوداني ووفاءً لتعهد الرئيس عبد الفتاح البرهان بتعيين حكومة مدنية مستقلة،وجاءت الكلمة أمام رئيسة الجمعية العامة أنالينا بيربوك والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بحضور قادة الدول والوفود الدولية. 

مواجهة التحديات

إدريس استهل كلمته بالتأكيد على شعار “أمل يتجدد في وحدتنا وقوة تكمن في سلمنا”، مشدداً على ضرورة مواجهة التحديات العالمية التي تهدد استقرار الأنظمة الدولية، بما في ذلك تآكل القانون الدولي وتفاقم جرائم الإبادة الجماعية والعدوان، وأشار إلى معاناة السودان من جرائم ميليشيا الدعم السريع المتمردة، التي تسببت خلال السنوات الثلاث الماضية في تهجير المواطنين وارتكاب أعمال قتل ونهب واغتصاب، بهدف السيطرة على البلاد ونهب ثرواتها وتغيير ديموغرافيتها.

بناء الثقة

ودعا إدريس إلى بناء الثقة والشفافية وتعزيز دور الجمعية العامة في الدبلوماسية الوقائية وحل النزاعات سلمياً، مشيراً إلى أهمية الاستفادة من مبادرة الأمم المتحدة (80) وقمة المستقبل. وأعرب عن رفض السودان للعقوبات الأحادية التي تُفرض لأسباب سياسية، معتبراً أنها تنتهك القانون الدولي وتهدد حقوق الشعوب في التنمية والرفاهية، خاصة في الدول النامية. كما ندد باستغلال حقوق الإنسان كأداة للضغط السياسي، وجدد رفض السودان لخطاب الكراهية والعنصرية والإسلاموفوبيا.

سيادة الدولة

وأكد رئيس الوزراء أن الحفاظ على سيادة الدولة ومؤسساتها الوطنية يمثل قضية وجودية للشعب السوداني، مشدداً على أن التحول الديمقراطي لن يتحقق دون تقوية هذه المؤسسات، وطالب المجتمع الدولي بوقف تدفق الأسلحة إلى الميليشيات الإرهابية، وإدانتها وتصنيفها كجماعات إرهابية، محذراً من أن انتهاك قرار مجلس الأمن 1591 يطيل أمد الحرب ويعرقل السلام، مشيرا إلى التزام حكومته بخارطة طريق وطنية تشمل وقف إطلاق النار، انسحاب ميليشيا الدعم السريع من المناطق المحتلة، رفع الحصار عن مدينة الفاشر، وتسهيل عودة النازحين واللاجئين، كما أكد على أن تشكيل حكومة تكنوقراط مدنية لقيادة حوار وطني شامل يمهد لانتخابات حرة ونزيهة، مع التزام بتسهيل عودة السودانيين في المهجر للمشاركة في هذا الحوار.

حماية المدنيين

كما أكد إدريس التزام حكومته بالقانون الدولي الإنساني، وتقديمهالخطة وطنية شاملة لحماية المدنيين تشمل آليات لتسهيل المساعدات الإنسانية ومكافحة العنف ضد النساء والأطفال، كما جدد الدعوةللمجتمع الدولي لدعم الحلول الأفريقية للنزاعات، بعيداً عن التدخلات الأجنبية، محذرا من أن الصمت الدولي إزاء جرائم الميليشيات يشجع استمرار انتهاكاتها، واختتم إدريس كلمته بالتأكيد على التزامه بتحقيق كرامة الشعب السوداني وسيادة بلاده، رافضاً أي إملاءات تتعارض مع الأمن القومي، وأكد أن حكومة الأمل المدنية ستواصل العمل على تحقيق السلام، محاربة الفقر والفساد، وإعادة الإعمار، مع التركيز على إشراك النساء والشباب في الحوار الوطني لضمان مستقبل ديمقراطي مستقر للسودان.

توقيت مفصلي

جاء خطاب رئيس الوزراء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت مفصلي تمر به البلاد، وفي تأكيد مستمر على أن السودان به حكومة شرعية ومؤسسات وطنية، يعترف بها الكثير من الإقليم والعالم، في وقت مازالت فيه جهات من المجتمع الدولي تصر على وجود أطراف في الحرب، بتناقض واضح في التوصيف الدقيق للأزمة بالبلاد.

تناقض وتلاعب

من الشواهد المباشرة، هو توجيه الدعوة لرئيس الوزراء السوداني الجديد، فمجرد وجود إدريس ووفد حكومته في أروقة الأمم المتحدة، معناه اعتراف بهذه الحكومة وشرعيتها، وتأكيدا لهذه الشرعية وأنها الحكومة الوحيدة بالسودان، كما أن هناك رفض معلن من الأمم المتحدة بأي حكومة موازية في البلاد، ومن الطبيعي أن تتغير لغة الخطاب في البيانات الدولية عند الحديث عن الأزمة في السودان بتسمية الأطراف بمسمياتها، فهناك حكومة مدنية وشرعية الآن، ولا داعي للتلاعب في الصياغات بوجود أطراف في الحرب، وكأنه عدم اعتراف بالحكومة والمؤسسات الوطنية بالدولة السودانية، ودائما مايربك هذا التناقض أي حلول مقترحة لحل هذه الأزمة والتي تبدأ بهذا التوصيف غير الدقيق.

أقوى الخطابات

أما مضمون خطاب رئيس الوزراء، فرأى المتابعون أنه جاء معبرا وعارضا للقضية السودانية بوضوح بكل أبعادها ومطلوباتها، ووصفه الخبراء بأنه من أقوى الخطابات السودانية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة… فماهي قراءة ماجاء بالخطاب، وإلى أي مدى نجح في شرح القضية السودانية أمام العالم، وماهي نتائج المشاركة والخطاب في الأمم المتحدة وهل له مابعده على القضية السودانية.

مكتمل الأركان

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التيجاني رأى من جانبه أن الأهم من الخطاب هو ظهور كامل إدريس كرئيس وزراء للسودان في هذا المحفل الدولي الكبير في وقت تتم فيه محاولات للتشويش على الشرعية في السودان. وقال التيجاني لـ “المحقق” إن الخطاب كان مضمونه مكتمل الأركان وأن أهميته تأتي لتثبيت هذه الشرعية ووجود سلطة معترف بها في البلاد دوليا، مضيفا أن كل دولة لها سيادة، ولابد من الحفاظ على سيادة السودان، وعدم التحدث عن وجود طرفين به، وتابع يجب توصيف الأزمة توصيفها الصحيح بأن هناك دولة تم العدوان عليها بأذرع محلية، مؤكدا أن أحد أهم سبل العلاج في هذه الأزمة هو تشخيصها التشخيص الدقيق، وقال يجب وضع النقاط على الحروف بتعريف للأزمة والالتزام بالحلول، وألا يكون هناك من يفرض خيارات لهذه الحلول.

استمرار الحرب

ولفت التيجاني إلى التلاعب في البيانات الدولية بشأن الأزمة في السودان، وقال إن هذا النوع من البيانات التي تتحدث عن أطراف في الأزمة هو الذي يغذي الحرب ولا يعمل أبدا على وقفها، مضيفا أن ذلك يشجع على استمرارية الحرب، متساءلا كيف تعترف بحكومة وتحرمها في نفس الوقت من هذه المسؤولية، وقال إن المجتمع الدولي يشجع الطرف الآخر على ذلك بأجندة تخص بعض الجهات، مشيرا إلى جرائم ارتكبتها الدعم السريع بحق المواطنين وتجويعهم الممنهج في حصار الفاشر، وقال مع ذلك تأتي الإدانات للفعل ولم تدين الفاعل، مؤكدا أن هذا مايزيد من أمد الحرب، وأنه لا يعمل بأي حال على ايقافها.

ينقصه الإرادة

واتفق رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني مع ماذهب إليه التيجاني حول الرسالة التي وجهتها مشاركة رئيس الوزراء في الأمم المتحدة، وقال ميرغني لـ “المحقق” إن المشاركة أرسلت رسالة قوية نحو التوجة لحكومة مدنية كما يطالب الشعب السوداني والعالم، مشيرا إلى مضمون الخطاب وحديثه عن السلام وآثار الحرب على الحياة والمواطن بالسودان، وعن عدم استسلام الدولة، وقصور المجتمع الدولي، وعدم فك الحصار عن الفاشر وتدفق السلاح والداعمين للدعم السريع، مضيفا أن الخطاب في مجمله كان ايجابيا، إلا أنه ينقصه إرادة وعمل سوداني بالداخل وأنه ليس مسنودا بالفعل.

لن يغير

ورأى الميرغني أنه كان يجب على رئيس الوزراء قبل سفره للأمم المتحدة أن يصدر بعض القرارات عن جدية السلام  بتشكيل هيئة عليا للسلام، وقال كان يمكن إصدار قرارات أخرى مثل تكوين المجلس التشريعي وإعلان جدول زمني لهذا المجلس، مؤكدا أن ذلك يرسخ معنى الحكومة المدنية، وقال إن المجتمع الدولي متردد حتى الآن في قبول إدريس، ويرى أنه مجرد صورة لاستمرار السلطة العسكرية القابضة، مضيفا كان يجب تغيير الكثير من النظرة السالبة تجاه السودان، معربا عن اعتقاده أن الخطاب لن يستطع تحريك السودان من نقطة الشكوك عند المجتمع الدولي إلى اليقين، وقال أعتقد أنه لن يغير طريقة التعاطي الدولي مع السودان.

اترك رد

error: Content is protected !!