الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

قراءة في استهداف المليشيا للبنية النفطية من الخليج إلى السودان: نمط إقليمي يتجدد !؟

السفير د. معاوية التوم

مقدمة: تشير الأحداث الأخيرة في الإمارات، كما نقلتها صحيفة نيويورك تايمز، إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة من الصراعات المسلحة، تستخدم فيها الميليشيات البنية التحتية للطاقة كسلاح استراتيجي لإعادة رسم موازين القوى. ويؤكد الباحث Andreas Krieg هذا التحول، معتبرًا أن السيطرة أو الهجوم على موارد الطاقة بات وسيلة مركزية لدى الجماعات المسلحة والمليشيات للضغط على الحكومات، وزيادة تكلفة الصراع، وتعزيز النفوذ السياسي.
هذا التوجُّه ينعكس بوضوح في السودان، حيث تسعي مليشيا قوات الدعم السريع للتقدم نحو مناطق النفط في المجلد وهجليج، على خلفية ما جرى في بابنوسة، في خطوة ترتبط مباشرة بالتحولات الإقليمية، وتشكل تهديدًا كبيرًا لبنية الدولة واقتصادها وأمنها القومي.ويحاول هذا المقال ان يكشف أبعاد هذا التحول علي في مسار الحرب المركبة وأثره على السودان والاقليم :
أولًا: قراءة في رواية نيويورك تايمز: استهداف النفط كأداة سياسية وعسكرية
تُظهر رواية نيويورك تايمز حول الهجمات التي نفذتها ميليشيات يمنية على منشآت نفطية إماراتية أن هذه العمليات ليست مجرد أعمال تخريبية، بل:

1.رسائل سياسية موجهة
بهدف الضغط على الإمارات لإعادة النظر في مواقفها الإقليمية ودورها في الساحل الغربي لليمن والحركة التجارية على باب المندب.

2.محاولات لإضعاف الدولة اقتصاديًا
من خلال استهداف المنشآت الحيوية، ما يرفع تكلفة استمرار السياسات الإماراتية في الملفات الإقليمية.

3.تكتيك حرب غير متماثلة
إذ تستخدم الميليشيات الميدان الاقتصادي لخلق تأثيرات استراتيجية أكبر من قدراتها العسكرية المباشر

4.كشف هشاشة الطاقة في المنطقة
هذا التكتيك بجعلها منصة مستهدفة وساحة حرب بديلة لاجل حمل الطرف المعني للتفاوض
ثانيًا: تحليل Andreas Krieg – الطاقة مركز الثقل الجديد في الحروب بالوكالة
يقدم Krieg إطارًا تحليليًا مهمًا لفهم هذا التحوّل، عبر النقاط الآتية

1.الجماعات المسلحة تُعيد تعريف مفهوم القوة وموازينها
باتت الموارد الحيوية — لا الأراضي وحدها — هي الهدف الرئيسي للصراع.

2.السيطرة على النفط تُكسب الفاعلين غير الدوليين شرعية تفاوضية
إذ يتحول النفط إلى رافعة تأثير تفرض وجودهم كأطراف لا يمكن تجاوزها في أي تسوية.

3.البنية التحتية للطاقة ساحة مواجهة إقليمية
حيث تتقاطع مصالح دول الخليج، وإيران، والقوى الدولية، والميليشيات المتحالفة معها

4.الحروب بالوكالة تتحول من صراع عسكري إلى صراع اقتصادي – لوجستي
بما في ذلك خطوط الأنابيب، الموانئ، منشآت التخزين، وحقول الإنتاج وعبور البضائع .
مليشيات مسلّحة تُحوِّل الطاقة إلى ساحة صراع إستراتيجي
مثّل التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول الهجمات التي نفذتها ميليشيات يمنية على منشآت نفطية في دولة الإمارات، مؤشرًا واضحًا على تحوّل متصاعد في المنطقة. فالهجوم — كما يوضح التقرير — لم يكن مجرد عملية تخريبية، بل جزء من حملة ممنهجة تهدف إلى ممارسة ضغط سياسي، وتقويض قدرة الدولة، وإرسال رسائل إقليمية عبر استهداف شريانها الاقتصادي الأكثر حساسية: الطاقة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه العمليات أصبحت جزءاً من عقلية جديدة لدى الجماعات المسلحة في الإقليم، تستثمر هشاشة البنية التحتية الحيوية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية. فالهجوم على منشآت النفط اليوم بات يُقرأ كـ فعل استراتيجي يعكس فهمًا بأن موارد الطاقة لم تعد اقتصادية فحسب، بل مدخلًا لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.
هذا التحوّل يتسق تمامًا مع التحليل الذي قدمه الباحث في الأمن الدولي Andreas Krieg، الذي اعتبر أن المنطقة تشهد انتقالًا واضحًا نحو نمط جديد من الحروب الهجينة. فالجماعات المسلحة — بحسب Krieg — باتت تنظر إلى حقول النفط والموانئ البحرية وخطوط الإمداد باعتبارها منصّات نفوذ يمكن عبرها التأثير على الحكومات، وتغيير مسارات الصراع، وزيادة تكاليف المواجهة.
ويرى Krieg أن السيطرة على هذه الموارد أو استهدافها تتحول إلى رسالة سياسية مركّبة: فهي تُظهر قدرة هذه الجماعات على الوصول إلى عمق المصالح الاقتصادية للدول، كما تمنحها نقطة تفاوض قوية في أي مسار سياسي لاحق.
ضمن هذا الإطار الإقليمي، تبدو التطورات في السودان — في غرب وجنوب كردفان وخاصة في المجلد وهجليج — امتدادًا طبيعيًا لهذا النمط. فمحاولات مليشيا قوات الدعم السريع التقدم نحو مناطق النفط في حوض المجلد وحقول هجليج ليست تحركات معزولة، بل هي نسخة سودانية من الظاهرة التي وصفتها نيويورك تايمز وحلّلها Krieg.
السلوك الميداني لمليشيا الدعم السريع يكشف بوضوح أن الهدف يتجاوز الكسب العسكري؛ فالسيطرة على أهم مناطق الإنتاج النفطي في السودان تمثّل:
• تقويضًا مباشرًا لقدرة الدولة على تمويل عملياتها،
• توفير مصدر تمويل ذاتي طويل الأمد لمليشيا قوات الدعم السريع،
• خلق مركز نفوذ اقتصادي يمكن استثماره سياسيًا،
• وإرسال رسالة إقليمية بأن الحرب دخلت مرحلة جديدة عنوانها: الطاقة كساحة حرب.
إن معركة المجلد وهجليج، بهذا المعنى، ليست مجرد صراع محلي، بل جزء من المعادلة الإقليمية الأوسع التي أشار إليها Andreas Krieg: معادلة تتحول فيها الطاقة إلى مركز الثقل في الحروب بالوكالة، وإلى أداة متقدمة عقب المسيرات والذهب، لإعادة رسم خرائط النفوذ من اليمن إلى الخليج وصولًا إلى السودان.
ثالثًا: إسقاط التحليل على السودان – حالة المجلد وهجليج
في السودان، تتجلى هذه الديناميكيات بشكل واضح في المحاولات المستميتة لمليشيا قوات الدعم السريع التمدد نحو حوض المجلد وحقول هجليج والهجوم المتكرر عليها من قبل التمرد. وتشير المعطيات إلى أن هذا السلوك:

1.يعكس استنساخًا للنموذج الذي رصدته نيويورك تايمز في الخليج
حيث تستخدم الميليشيات السيطرة على النفط كأداة ضغط سياسي لإعادة تشكيل توازن القوى داخليًا وإقليميًا.

2.يفتح بابًا لتمويل طويل الأمد للحرب
فالتحكم في إنتاج النفط وتوزيعه يمنح مليشيا الدعم السريع مصدرًا اقتصاديًا ضخمًا

3.يضعف قدرة الدولة السودانية على الاستمرار
إذ يشكل النفط العمود الفقري للإيرادات الوطنية وتوفير النقد الأجنبي

4.يحمل رسائل إقليمية لقوى داعمة أو مراقبة
بأن مليشيا الدعم السريع قادرة على تهديد المصالح الاقتصادية الحيوية للدولة السودانية، بما يرفع مكانته كفاعل لا يمكن تجاهله

5.يهدد الأمن الإقليمي والدولي
نظرًا لأن جزءًا من النفط السوداني مرتبط بخطوط إمداد دولية، وقد يؤدي تعطيله إلى اضطرابات في الأسواق الأوسع.
رابعًا: الآثار المحتملة على السودان والمنطقة

1.تفاقم الصراع الداخلي
انتقال الحرب إلى مناطق النفط سيصعد الصراع ويدفع بأطراف جديدة للدخول فيه.

2.تهديد الاقتصاد السوداني بالانهيار الكامل
تعطيل النفط يعني توقف أكبر مصادر الدخل.

3.تدويل الحرب بشكل أكبر

4.فوضى لوجستية وإنسانية بتحول المناطق المنتجة للنفط إلى ساحات نزاع إذ قد تتدخل أطراف دولية لحماية مصالحها في الطاقة.

خامسًا: توصيات سياسية للحكومة السودانية:

1.تعزيز حماية حقول النفط عبر قوات نظامية مؤهلة ومدعومة تقنيًا.

2.طلب دعم تقني ودبلوماسي من الشركاء الإقليميين والدوليين لحماية البنية النفطية.

3.إدماج قضية الطاقة ضمن أولويات السردية الدبلوماسية السودانية في المحافل الدولية.

1.تسريع جهود العمليات التمشيطية عوضا عن مقترحات وقف إطلاق النار التموضعي الهش حول مناطق النفط باعتبارها مناطق حساسة للأمن القومي.
للقوى الإقليمية والدولية:

1.إدراك أن سيطرة الميليشيات على النفط السوداني تعني تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي.

2.ستدعم ترتيبات أمنية تمنع عسكرة البنية التحتية للطاقة.

3.ستعمل على تشجيع تسوية سياسية تتضمن ترتيبات واضحة لإدارة موارد النفط خلال الفترة الانتقالية على النسق الليبي.
للمؤسسات البحثية والإعلام:

1.التركيز على البعد الإقليمي للصراع النفطي السوداني.

2.كشف الروابط بين تمويل الحرب والسيطرة على الموارد الحيوية.

3.تسليط الضوء على المخاطر الإنسانية المترتبة على عسكرة مناطق النفط.
خاتمة
وبذلك يصبح المشهد السوداني اليوم — في واحد من أهم مناطقه النفطية — مرآة صافية للتحولات العميقة التي تعيشها المنطقة، حيث تتحول موارد الطاقة من عنصر تنموي إلى رافعة للصراع ووسيلة لإعادة تعريف موازين القوة
إن ما يحدث في السودان اليوم — من سعي مليشيا الدعم السريع للسيطرة على مناطق النفط — لا يمكن فهمه بمعزل عن التحولات الإقليمية التي رصدتها نيويورك تايمز وفسّرها Andreas Krieg. إنها صورة واحدة من مشهد أكبر، حيث تتحول الطاقة إلى مركز الصراع، وتصبح حقول النفط ليست فقط منابع ثروة، بل ساحات نفوذ وصراع وتفاوض.
هذا التطور يضع السودان أمام مرحلة حساسة تحتاج إلى مقاربة شاملة لحماية موارده وصون أمنه القومي وفق استراتيجية جاملة للاحتواء. والتامين . ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية منع انتقال نموذج “الحرب على الموارد” إلى قلب إفريقيا. بل يوجب على قيادة الدولة وضع ترتيبات عاجلة لقطع الطريق على التمرد من اختراق هذه المنطقة الحساسة بالتنسيق مع جنوب السودان ، حيث تسعى اليد الاماراتية لدعم المتمردين بالمرتزقة والعون اللوجستي للدخول الي هذه المنطقة من العمق التشادي وجنوب السودان واثيوبيا، من خلال مضيها في حملتها لهندسة افريقيا عبر تدخلها المتمدد في السودان .
————-
٥ ديسمبر ٢٠٢٥م

      اترك رد

      error: Content is protected !!