رصد : الرواية الأولى
القاهرة – آية أمان :
أثار الاجراء الإثيوبي بالتشغيل الجزئي لأول توربين بسد النهضة رفض القاهرة كونه اجراء أحادي من شأنه الإخلال بالنظام الهيدروليكي للنيل الأزرق رغم انخفاض مستوى التأثير المباشر على المصالح المائية المصرية جراء هذه الخطوة.
وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان صحفي في 20 فبراير، تعقيباً على الإعلان عن البدء بشكل أحادي في عملية تشغيل سد النهضة ، “هذه الخطوة تُعد إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة ٢٠١٥، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي”.
في 20 فبراير احتفل رئيس الوزراء الإثيوبي، بالتوليد الجزئي للطاقة من أول توربين بسد النهضة، بقدرة 375 ميجا وات، بينما يبلغ اجمالي الطاقة المنتظر توليدها عند اكتمال السد 5150 ميجا وات بعد تخفيضها عن المخطط الأول للسد باجمالي 6600 ميجا وات، وتخفيض عدد التوربينات من 18 توربين إلى 13 توربين، تم تشغيل توربين واحد بعد ملئ ما يقرب من 7.2 مليار متر مكعب من المياه في بحيرة السد خلال العامين الماضيين.
كان مسار المحادثات بين الدول الثلاثة برعاية الاتحاد الافريقي قد توقف في أبريل 2021 بعد فشل التوافق حول اتفاقية شاملة وملزمة لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة واستمرار إثيوبيا في ملء خزان السد بشكل منفرد، فيما لا تزال جهود الاتحاد الإفريقي لعودة مسار التفاوض مقيده بتعليق عضوية السودان في الاتحاد الافريقي بسبب انقلاب المكون العسكري على الشريك المدني في إدارة المرحلة الانتقالية.
وقال مسئول في الوفد المصري المعني بالتفاوض مع إثيوبيا في ملف سد النهضة، في حديث مع “المونيتور” لم يصلنا أي معلومات رسمية من الجانب الإثيوبي منذ بداية التشغيل التجريبي للتوربينات.. ولا تزال إثيوبيا تتبع سياسة فرض الأمر الواقع دون أي مشاورات مسبقة”.
وأوضح المصدر: “إدارة نهر النيل لا يمكن أن تكون بشكل أحادي لأي من الدول المتشاطئة عليه، ناقشنا في المفاوضات أهمية ربط سد النهضة مع منظومة السدود على النيل الأزرق وهو ما ترفضه إثيوبيا”.
وأضاف المصدر: “المعلومات المغلوطة أو القرارات المفاجئة التي تصدرها إثيوبيا تتسبب في ارتباك لنظام إدارة المياه واتخاذ القرار في مصر والسودان بما يضر بمصالح الدولة”.
ينص البند الخامس لإتفاق اعلان المبادئ الموقع حول سد النهضة بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015 على التعاون فى الملء الأول وإدارة السد، حيث يقر “الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول وقواعد التشغيل السنوى لسد النهضة، وإخطار دولتى المصب بأى ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعى إعادة الضبط لعملية تشغيل السد”، كما أقر الاعلان التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتى المصب عبر آلية تنسيقية مناسبة من خلال الوزارات المعنية بالمياه في الدول الثلاثة، إلا أن التعثر المتكرر في المفاوضات التي أعقبت توقيع إعلان المبادئ حالت دون تنفيذ أي من بنوده فيما نفذت إثيوبيا عمليتي الملء الأول والثاني للسد من دون موافقة أي من مصر أو السودان.
يقول كريم كمال، مهندس مصري مختص بالمنشئات المائية في حديث مع “المونيتور”، “تشغيل توربين أو اثنين من سد النهضة ليس له تأثير سلبي مباشر على مصر في الوقت الحالي، لكن الضرر الأكبر في عملية التشغيل الدائم للسد من دون التنسيق مع مصر والسودان”.
ويوضح كمال :”التشغيل الجزئي لا يعني تمرير كميات كبيرة من المياه في الوقت الحالي خاصة وأن اختبارات التشغيل التي اجريت على التوربينات حددت انها لن تكون بقدرتها القصوى بسبب حجم خزان السد الحالي، حيث تبقى كميات المياه المنتظر تمريرها من السد بعد التشغيل الجزئي تتساوى مع كميات المياه التي كانت تخرج من المفيض الأوسط في جسم السد”.
كانت اختبارات التشغيل التجربيبي لأول توربين من التوربينات المنخفضة في سد النهضة قد بدأت نهاية يناير حتى 14 فبراير، بعد أن وصل حجم التخزين في بحيرة السد خلال عمليتي الملء الأول والثاني في عامي 2020 و2021 7.2 مليار متر مكعب، إلا أن الصور المتداولة في الحساب الرسمي لرئيس الوزراء الإثيوبي ووسائل الإعلام الإثيوبية من موقع الاحتفال بتشغيل التوربين لم تظهر تدفق المياه من جسم السد نتيجة تشغيل التوربين مما يثير التساؤلات عن استمرارية عملية التشغيل الكامل بنفس قدرة التوربين البالغة 375 ميجاوات مع انخفاض منسوب المياه خلف السد.
يقول بيتر هاني أستاذ الري والهيدروليكا بجامعة عين شمس في حديث مع “المونيتور”، “شرط استمرارية تشغيل التوربين أن يكون هناك ضاغط وتصريف للمياه، حيث يرتفع عامود المياه فوق مستوى التوربين، وعملية التشغيل الحالية تتم عند أقل مستوى من منسوب المياه في بحيرة السد وهو ما يعني أن القدرة الفعلية للتوربين لن تصل إلى 375 ميجا وات مع استنفاذ المياه المخزنة خلال عملية الملء الثاني، وبالتالي فإن هذا التشغل سيقصتر على كونه تجريبي قد يستمر لمدة شهرين فقط بعد تمرير ما يقرب من 3 مليار متر مكعب من بوابات السد”.
يؤكد بيتر أن “كميات المياه المصرفة جراء عملية التشغيل الحالية في سد النهضة لن تؤثر على مصر حيث أن السد العالي يمكن أن يستوعب كميات من المياه تصل لـ130 مليار متر مكعب، كما تبلغ الطاقة الاستيعابية لمفيض توشكى 56 مليار متر مكعب، لكن لا يمكن في الأنهار الدولية أن يكون هناك إدارة منفردة لمنشئ مائي في أعالي النهردون التشاور مع دول المصب”.
ويوضح بيتر أن :”مصر تتخذ تدابير عديدة لمواجهة المخاطر المحتملة لسد النهضة ومواجهة الفقر المائي بشكل عام لتوفير مصادر بديلة وغير تقليدية للمياه مثل إعادة استخدام مياه الصرف، وتحلية مياه البحر في السواحل الشمالية وعلى البحر الأحمر باستخدام الطاقة النظيفة، مع تحسين كفاءة منظومة إدارة المياه لترشيد الاستخدامات”.
في خطابه للإعلان عن البدء في التوليد الجزئي للطاقة من سد النهضة استخدم رئيس الوزراء الإثيوبي كلمات حماسية للدفاع على مشروع السد الكهرومائي الأكبر في إفريقيا قائلاً:” الرغبة الإثيوبية لم تتوقف عند تصدير الطاقة لجيراننا فقط ولكن لدول أوروبا لتقليل انبعاثات غاز ثاني اكسيد الكربون والحفاظ على البئية”، مخاطباً في الوقد نفسه ود مصر والسودان من خلال تكرار الوعد بعدم الاضرار بمصالحهما في نهر النيل قائلاً: ” توليد الكهرباء هو ملك لكما .. الحكومة والشعب الإثيوبي لا يريدوا تجويع أو تعطيش شعوب مصر والسودان”.
ويأتي احتفال إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، بالتشغيل الجزئي لسد النهضة وسط مشاكل أمنية لم تنته أثارها بسبب الحرب على التيجراي وتمرد عدة أقاليم شملت بني شنقول المقام عليه سد النهضة ضد إدارة أبي أحمد، وهو ما يعزز الاتجاه باعتبار التشغيل الجزئي انجاز تروج له الحكومة الإثيوبية لتهدئة الشارع الداخلي لكن تبقى القاهرة على موقفها الرافض باعتباره خطوة تضر بمصالحها في مياه النهر اذا ما استمرت السياسة الإثيوبية بالتصرف المنفرد في السد